| | التاريخ: آب ٣١, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | هل سيكون لبنان أمام سياسة سعوديّة جديدة؟ - سركيس نعوم | عندما زار رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون المملكة العربيّة السعودية بعد مدّة من انتخابه شعر عاهلها الملك سلمان بن عبدالعزيز ووليّ عهده نجله الأمير محمد والمسؤولون الكبار الذين استمعوا إليه، وإلى الوفد الرسمي الذي كان يرافقه، أن "موافقتها" أو بالأحرى ترحيبها بالتسوية السياسيّة اللبنانيّة، ذات الخلفيّات الإقليميّة المتنوّعة التي أنهت فراغاً رئاسيّاً استمرّ قرابة ثلاث سنوات كانت في محلّها. إذ أظهر سيد قصر بعبدا استعداداً كاملاً للانفتاح والعمل معهم من أجل خير لبنان وطبعاً خير بلادهم. هذا ما قاله مُتابع لبناني جيّد وعريق للعلاقة بين بيروت والرياض. وأضاف أن اجتماعاً عقد في أثناء الزيارة المذكورة بين وزير الخارجيّة السعودي عادل الجبير ووزير الخارجيّة اللبناني جبران باسيل في حضور وفْدَيْهِما، وأن البحث تناول العلاقة الثنائيّة بين البلدين والصعوبات التي تعوق استمرار علاقتهما وفائدتها المزدوجة للبنان. وفي هذا المجال تحدّث الجبير عن "النأي بالنفس" وهي الصيغة التي ابتكرها الرئيس نجيب ميقاتي في أثناء البحث في البيان الوزاري لحكومته التي ألّفها "بالتعاون مع رئيس الجمهوريّة" كما ينص الدستور ومع "غيره"، وأشاد بها ودعا إلى تطبيق سليم ودقيق لها بعد الخروج عليها مدّة من الزمن. ثم قال: "إنّكم تريدون أن يتمثّل "حزب الله" في الحكومة، ونحن لا نمانع في ذلك، فهو مكوّن لبناني أو بالأحرى جزء من مكوّن لبناني والاشتراك في الحكومة حقٌّ له. لكن لا بُدّ من مراعاة "قاعدة النأي بالنفس" على نحو كامل بل تطبيقها بكل مُندرجاتها". وافق باسيل على ذلك واحترم لبنان الرسمي هذه القاعدة قرابة سبعة أشهر، ثمّ عادت "حليمة إلى سيرتها" القديمة، وانحازت الحكومة أو وزراء فيها ومنهم سيّد الديبلوماسيّة اللبنانيّة فـ"فلت الملق" ولا يزال فالتاً. علماً أن السعودية تعرف الكثير ممّا يجري ضدّها في لبنان من قبل من نصّبوا أنفسهم أعداء لها، وشاركوا حلفاءهم في المنطقة في العمل ضدّها سياسيّاً وإعلاميّاً وعسكريّاً وتدريبيّاً ولوجستيّاً وما إلى ذلك، رغم اعتقاد البعض أو اقتناعه ربّما بعكس ذلك، يلفت المُتابع نفسه. فالجهات المسؤولة فيها تؤكّد دور "حزب الله" في اليمن من خلال تدريب مقاتلين "حوثيّين" في لبنان ومن خلال تبنّي موقفهم في وسائل إعلامه ومن خلال إشراكهم بخبرته وغير ذلك من أمور.
كيف ستُواجه العربيّة السعوديّة هذا الوضع المُعادي لها في لبنان من شعبه أو من "شعب" فيه أو من قسم منه لأنّها لا تعتقد أبداً أنه معادٍ لها بكليته؟
يعود المُتابع نفسه بالذاكرة إلى أيّام مليكها الذي رحل بالاغتيال فيصل بن عبدالعزيز فيقول إنّه من حبّه للبنان كان يعتبره "شرفة العرب" والعالم العربي. وقد عبّر عن ذلك مباشرة وفي أكثر من مناسبة أمام عدد من قادة الدول العربيّة. ويلفت إلى أنّها وقفت إلى جانبه من زمان فساعدت حكوماته ماليّاً واستقبلت أبناءه من كل الطوائف والمذاهب فعملوا وأنتجوا وساهموا في إعمار المملكة ووطنهم اللبناني. لكن ما حصل في لبنان وما تعرّضت له في أثناء قيامها بواجب مساعدتها منذ بدء حروبه عام 1975 وحتّى ما قبل فترة قصيرة، و"الظلم" الذي تعتبر أنّها تعرّضت له فيه على يد عرب وقفت دائماً إلى جانبهم وعلى يد عدد من أبنائه، دفع السعوديّة الحاليّة أو "الجديدة" كما يعتقد مؤسّسوها منذ تولّي الملك سلمان الحكم ومعه نجله وليّ العهد محمد إلى إجراء مراجعة لعلاقتها بلبنان منذ أيّام مؤسّسها الملك الراحل عبدالعزيز، والتي كان رؤساء لبنان ورؤساء حكومته ونوّابه ووزراؤه ورجال ماله وأعماله وأحزابه شهوداً عليها. والهدف هو تحديث العلاقة بعد التغييرات الهائلة التي شهدها العالم في السياسة والإعلام والتكنولوجيا وبعد الأخطار التي هدّدته منذ حرب الأفغان لتحرير بلادهم من الاتحاد السوفياتي التي لعب فيها المجاهدون الإسلاميّون دوراً حاسماً بموافقة الجميع. إذ تحوّل هؤلاء منظّمات إرهابيّة تتذرّع بالدين لضرب العالمَيْن العربي والإسلامي بل العالم كلّه. علماً أن خطراً آخر دينيّاً وإسلاميّاً أيضاً نشأ في رأي المملكة كما العالم هو قيام الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة عام 1979 وتبنّيها مبدأ تصدير الثورة الإسلاميّة إلى العالم وتنفيذها إيّاه، الأمر الذي حرّض دوله وحكوماته على مُسلميه بفرعيهم السُنّي والشيعي، والذي أوقعهم في صراع مذهبي سياسيّاً وعسكريّاً لم ينتهِ بعد، ولن تكون آثار انتهائه إلّا على حساب العرب والمسلمين عموماً ودورهم الدولي.
طبعاً يقول المُتابع نفسه إن الخوض في المراجعة على مستوى المنطقة والعالم واسع جدّاً وليس اليوم مجاله، ولذلك فإنّه يكتفي بلبنان فيقول إن القائم بالأعمال السعودي الحالي وليد البخاري قام وعلى مدى سبعة أشهر عندما أتى إلى لبنان في مُهمّة استكشافيّة قبل تعيينه قائماً بالأعمال فيه بدرس أوضاعه انطلاقاً من قرار ملكي بإرساء سياسة تعامل جديدة معه، تأخذ في الاعتبار أوضاعه وتبقي على ما انطوت عليه من ممارسات جيّدة وتُنهي ممارسات أخرى كانت سيّئة للبنانيّين وللسعوديّين. كما أنّها أعطت فكرة سلبيّة عنهم وجعلت الجميع يظنّون أنها غير مؤهّلة للقيادة الإقليميّة جزئيّاً أو كليّاً. وهي سياسة حظيت بموافقة مرجعيّة بلاده وكانت "الديبلوماسيّة المُستدامة" أحد أبرز عناويها. ومن جملة ما تقضي به تأسيس مراكز ثقافيّة والقيام بنشاط إعلاميّ والحوار مع الجميع والتواصل حتّى مع المختلفين في الرأي والموقف مع السعوديّة.
هل حقّق تنفيذ السياسة السعوديّة الجديدة في لبنان النتائج المأمولة منها؟ | |
|