التاريخ: آب ٩, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
كذبة حاجة لبنان إلى حكومة - جهاد الزين
رمزية خطوة عودة الجيش السوري إلى القنيطرة، معبر الاتفاقات الأمنية السورية الإسرائيلية منذ العام 1967، وبالتلازم المباشر عودة مراقبي الأمم المتحدة، هي عودة لخارطة الدولة السورية من نقطتها الأصعب سياسيا. فمن دون موافقة إسرائيل كانت هذه العودة الجغراسية مستحيلة حتى في حدودها الشكلية الراهنة. كل العودات الأخرى، الكردية (الشرق) التركية (إدلب - عفرين) الأميركية (التنف) صارت أسهل جوهريا وإن كانت لا تزال معقدة عمليا. 

يبدو أن جزءا مهما من الطبقة السياسية اللبنانية لا يريد إلى الآن أن يعترف، والأدق كما قال لي رئيس وزارة سابق، لا يستطيع أن يعترف بهذا التحول. وإذا كان استمرار الرهان على تصاعد الضغط الأميركي على إيران هو الذي يعني هذا الجزء من السياسيين اللبنانيين ، فالعنصر الآخر الدقيق الآن المستجد هو أن العازل الروسي السياسي بات يستطيع أن يشكل البديل التسووي الواقعي بين دمشق وإسرائيل، سواء بالترتيبات المباشرة. كما في القنيطرة، أو بتقاسم مناطق ومستويات "حرية" الحركة الردعية كالقصف والعمليات الأمنية الخاصة المنفصلة وحتى المتناقضة.

لا نعرف بالتالي ماذا ينتظر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لأخذ مبادرة تطبيع العلاقات السياسية مع الدولة السورية بما يسمح بأخذ قرارات اقتصادية ذات تأثير انفراجي مباشر، فلا يكتفي بالاتصالات غير المعلنة مع دمشق التي لا تقدم دفعا سياسيا للاقتصاد، وإن كانت تؤمن الحد الأدنى من التنسيق الأمني والسياسي الذي هو حتى الآن تنسيق حزبي أكثر منه تنسيقاً بين دولتين.

من المفترض بعد سيطرة الجيش السوري على المعبر الشرعي مع الأردن وعودة القوات الدولية لتشرف على الحدود السورية الإسرائيلية، أي للتكرار، عودة الحدود الشرعية للدولة السورية، أن يكون الموفدون المختصون من قبل الدولة اللبنانية وبتغطية مباشرة من رئيس الجمهورية في حالة استنفار ولا يهدأون بين العاصمتين عمان ودمشق لإعادة تقييم توقيت وظروف فتح المعابر بين سوريا والأردن، بما يخرج قطاع الترانزيت البري اللبناني من اختناقه الحالي.

تتبادل القوى اللبنانيّة المحلية خلال صراعها على حصص الحقائب الوزارية شعاراً تُصدِّقه وتطرحه كبديهيّة وهو أن "عجلة الاقتصاد" تتطلب الإسراع بتشكيل الحكومة الجديدة لتتمكن من معالجة الأزمات الخطرة التي تواجه هذا الاقتصاد.

هذه كذبة كبيرة تروّجها كتل حزبية نيابية تظن عبرها أنها تضغط على بعضها البعض لإنجاز قيام حكومة تدخلها إلى فردوس المصالح المشروعة وغير المشروعة.

"البلد ماشي" بحكومة ومن دون حكومة. لا بل إن المسائل الأساسية الاقتصادية والسياسية والأمنية يجري استيعابها بفضل عوامل وسياسات لا علاقة لها بالحكومة اللبنانية وإنما هي مرتبطة في العمق بتغطيات خارجية تمنع الانفجار السياسي أو الاقتصادي، بلد دولة فاشلة انتقلت فيها القوى السياسية المحلية إلى وقاحة ميليشياوية بحماية مصالح جشعة... منذ زمن طويل.

أزمات تشكيل الحكومة تحصل في دول محترمة مثل المانيا إسرائيل وبلجيكا ودول مبهدلة مثل العراق ولبنان. ليس هذا غير عادي. قال لي ديبلوماسي غربي قبل يومين أنه يصدّق عدم وجود خطر مباشر على الليرة اللبنانية ولكن المسألة هي أن الطبقة السياسية اللبنانية لا تتصرّف على أساس السعي لتكيّف استراتيجي مع أزمة المديونية. وهو يعتبر تبعا لتقييمات مؤسسات معنية في بلاده أن المشكلة الكبرى في لبنان ليست المديونية بذاتها على ضخامتها، بل تحوّل القطاع العام اللبناني إلى مصدر زيادة دائمة في هذه المديونية لم يعد ممكنا إيقافها نقديا، من حيث الأعباء الإنفاقية على الرواتب والالتزامات الأخرى وهيكليا من حيث انهيار قطاعات البنى التحتية: الكهرباء والنفايات وغيرها. ولذلك هو يعتقد أن "الدويلات" اللبنانية المنفصلة داخليا في مناطقها، تستخدم القطاع العام فقط كمصدر دخل نقدي بينما هي تحجب عنه عمليا موارد تعزيز الاقتصاد الكلي.

تشكيل حكومة جديدة، في هذا السياق، ليس هو مفصل تغيير الوضع الاقتصادي. فالاستقرار النقدي مرتبط بشبكة الأمان الأمنية والسياسية الدولية والإقليمية التي تمنع تفجير لبنان، وهو داخليا مرتبط بمصرف لبنان والقطاع المصرفي اللذين ينسقان مع مراجع دولية كفرنسا وواشنطن وداخليا مع رؤساء الطائفيات المناطقية اللبنانية ولا دور آخر بوجود حكومة وعدم وجودها.

هل من عاقل غير وقح، يستطيع أن يخفف من أهمية ملفي النازحين والترانزيت على المصالح اللبنانية ناهيك عن مشاريع إعادة إعمار سوريا التي باتت تتطلب استعدادات ضخمة من الدولة اللبنانية حتى لو أن الحرب السورية متواصلة وربما طويلا لكن هناك مسار من الانفراجات الأساسية، الرمزية والعملية، داخلها هو الذي يفرض نفسه؟