| | التاريخ: آب ٧, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | مقاومة مرنة: كيف يُصلح «حزب الله» و«حماس» ذات البين - مارين كوس | منذ أن اكتسب ما يُسمّى بالربيع العربي زخماً في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في 2011، سادت علاقة أشد اضطراباً بين تنظيمَين إسلاميين مقاومَين كان بينهما اصطفافٌ على امتداد تاريخهما، وهما «حزب الله» الشيعي اللبناني وحركة «حماس» السنّية الفلسطينية. وكان لصعود الإخوان المسلمين في عهد الرئيس المصري السابق محمد مرسي في مصر، والذي لم يُعمّر طويلاً، أن دفع «حماس» إلى توطيد روابطها مع القاهرة، ما تسبّب بتباعد متنامٍ أوقعَ شرخاً بين «حماس» من جهة، و«حزب الله» وحليفَيهما المشتركَين تقليدياً إيران وسورية من جهة ثانية. ومنذ فترة قصيرة فقط، بدأ التنظيمان المقاوِمان الإسلاميان بالسعي إلى التقارب. ويمكن أن يُعزى هذا التحول إلى تطلّع كل من «حزب الله» و«حماس» إلى الحفاظ على مواقع نفوذهما في لبنان والأراضي الفلسطينية على التوالي.
لقد ظهر «حزب الله» و«حماس» في الثمانينات، وينظر كل منهما إلى نفسه بأنه تنظيم إسلامي مقاوِم، ولطالما كانا حليفَين، إلا أنهما يختلفان في توجّهاتهما الدينية. فالفكر السياسي ل«حزب الله» مرتبط وثيقاً بمفهوم ولاية الفقيه الذي أطلقه الخميني في إيران. ووفقاً لهذا، يجب أن يتولّى فقيه إسلامي بارز يتمتع بسلطة مطلقة، منصب القائد السياسي الأعلى للدولة الإسلامية بانتظار عودة الإمام الثاني عشر الذي يُعتقَد أنه راهناً في الغيبة. أما «حماس» فتنظيم سنّي يستند فكره إلى آراء جماعة الإخوان التي ترى في الإسلام الحل للمشاكل السياسية والاجتماعية. وهو ما يظهر واضحاً في الشعار الأساسي «الإسلام هو الحل» الذي استخدمته جماعة الإخوان المصرية مراراً وتكراراً.
على رغم الاختلاف بينهما، تتشارك «حماس» و«حزب الله» بعض المعتقدات، تحديداً قبول الاجتهاد، أي التفسير العقلاني للمصادر الإسلامية الأساسية الذي يساعد على جعل فكرهما قابلاً للتكيّف. وبناءً عليه، لا يُطبّقان المصادر الإسلامية الأساسية بطريقة حَرْفية أو ثابتة، إنما يُعيدان تفسيرها. هذا فضلاً عن أن مفهوم المقاومة عنصر محوري في هويّتَي التنظيمين منذ تأسيسهما.
لقد أدّت ثلاثة عوامل دوراً حاسماً في ظهور «حزب الله»: أولاً، كان المسلمون الشيعة في لبنان مهمَّشين اقتصادياً وسياسياً بعد استقلال البلاد، وأبدوا بالتالي تجاوباً مع الأفكار الثورية للإسلاموية الشيعية التي بدأت رقعتها تتّسع في البلاد منذ السبعينات. ثانياً، كان للثورة الإيرانية في 1979 تأثير محفِّز على تطور الحزب الذي قدّمت له طهران الدعم المالي والعسكري منذ بداياته. وثالثاً، ظهر الحزب رداً على الاجتياح الإسرائيلي للبنان في 1982.
و«حماس»، بدورها، تأسست في 1987، خلال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، ولم تلبث أن بدأت بتقديم نفسها كفرع من فروع الإخوان الذين كانوا قد أنشأوا شبكة واسعة في المناطق الفلسطينية منذ الأربعينات.
يتداخل مفهوما الحزب و«حماس» عن المقاومة بطريقتَين: يربط التنظيمان مباشرةً المقاومة بالقتال ضد إسرائيل، ويمتلك كلاهما جناحاً عسكرياً خارج نطاق الدولة اللبنانية في حالة «حزب الله»، وخارج نطاق السلطة الوطنية الفلسطينية في حالة «حماس». المقاومة العسكرية هي الجانب الأهم في هوية المقاومة لدى كل منهما. ويشكّل امتلاك إمكانات عسكرية مستقلة والحفاظ عليها هدفاً جوهرياً للتنظيمَين، لأنه يتيح لهما الإبقاء على نفوذهما. علاوةً على ذلك، يزعمان أنهما يخوضان مقاومة غير عسكرية يضعانها في إطار المقاومة الثقافية أو السياسية. على رغم أوجه التشابه حول المقاومة، هناك نقاط اختلاف في تفسير هذا المفهوم وتطبيقه. لا ترتبط الاختلافات بعقائدهما السياسية الإسلامية الشيعية أو السنّية بقدر ما ترتبط بالسياقَين حيث يعملان، والمصالح الاستراتيجية التي يسعيان خلفها. لقد بثّت هذه الدينامية مرونةً في مفهومَيهما للمقاومة، فتكيّف كلاهما مع البيئات المتغيِّرة في إطار محاولتهما إضفاء شرعية على ممارساتهما والحفاظ على وضعية التسلّح المستقلة.
«حزب الله»: إعادة تفسير المقاومة للحفاظ على نفوذ
أعاد هو، منذ تأسيسه، تحديد مفهومه مرات عدة. فبدايةً، رأى أن هدف المقاومة تحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي، الذي دام من 1982 إلى 2000. وعندما انسحبت إسرائيل أحادياً في أيار (مايو) 2000، اعتبر أن هذا انتصار للمقاومة وللبنان ككل.
بيد أن الانسحاب الإسرائيلي حمل في طياته أيضاً خطر إسقاط المبرّر الأصلي الذي كان الحزب يستخدمه للاحتفاظ بسلاحه. هكذا أصرّ على أن إسرائيل لا تزال تحتلّ أراضي لبنانية، غير أنه عمد أيضاً إلى توسيع تعريفه للمقاومة ليشمل الردع ضد إسرائيل، زاعِماً أن من شأن سلاحه أن يساعد على حماية لبنان من التهديد الإسرائيلي الدائم. حتى إنه تمكّن من إدراج هذا المفهوم المزدوج عن المقاومة، التحرير والردع، في البيان الوزاري للحكومة اللبنانية في 2005، وهي أول حكومة شارك فيها.
في 2013، عمد الحزب مجدداً إلى توسيع مفهومه عن المقاومة وسط مزيد من التغييرات السياسية. وآنذاك، كان قد انخرط رسمياً في النزاع السوري دعماً للرئيس بشار الأسد، في قرارٍ يتنافى مع الزعم الذي لطالما ردّده بأنه يقاتل من أجل المظلومين. وأعاد أمين عام الحزب، حسن نصرالله، تأطير مفهوم التنظيم مصوِّراً عمليات الحزب العسكرية بأنها معركة ضد التهديد الذي يطرحه الجهاديون السلفيون. لذا، ادّعى أن من شأن تدخّله في سورية أن يساهم في تعزيز استقرار لبنان.
تمكّنَ «حزب الله»، عبر إعادة تفسير المقاومة وفقاً للظروف المتغيِّرة، من الاحتفاظ بهامش للمناورة. فتكيّفَ مع التهديدات الجديدة لإضفاء شرعية على أجندته العسكرية في نظر قاعدته، وكذلك في نظر مجموعات أخرى في لبنان، وهي خطوة ذات أهمية في مجتمع منقسم. فضلاً عن ذلك، استطاع، من خلال إعادة تفسير دينامية للمقاومة، أن يحتفظ بجناحه العسكري، وبالتالي، بالنفوذ الذي يمارسه في لبنان.
«حماس»: لم تُحدث حركة «حماس» تبديلاً يُذكَر في مفهومها الأساسي عن المقاومة منذ تأسيسها في 1987. إنما على غرار الحزب، استخدمت فكرة المقاومة بأسلوب مرِن، فعمدت إلى التشديد عليها أو نزع التركيز عنها بحسب الوضع، لا سيما في الظروف الدقيقة، مثلما حدث خلال الانتخابات الفلسطينية، عندما تسلّمت مسؤوليات الحكم، وكذلك في المحاولات التي تبذلها للتصالح مع خصمها، حركة فتح العلمانية.
تستحق بعض الأمثلة المحددة تسليط الضوء عليها. فقد غابت الإشارات إلى المقاومة إلى حد كبير عن برنامج «حماس» في الانتخابات التشريعية الفلسطينية في 2006. فخلال الحملة، سعت إلى استقطاب شريحة واسعة من الناخبين المنتمين إلى معسكرات سياسية مختلفة، والذين لا يدعمون جميعهم النضال العسكري ضد إسرائيل.
وعلى النقيض، استخدمت «حماس» مفهوم المقاومة بطريقة مختلفة جدّاً بعدما سيطرت عسكرياً على غزة في 2007، فعمدت إلى مأسسة المقاومة في إطار هيكليات القطاع السياسية. وأصبح جناحها المسلّح، كتائب عز الدين القسام، مسؤولاً عن ضمان الاستقرار الخارجي للمنظومة السياسية في غزة في مواجهة إسرائيل وفتح على السواء، وكذلك الاستقرار الداخلي في وجه المجموعات السلفية العنيفة. تدرك حكومة «حماس» في غزة صعوبة أن تكون في الحكم وحركةً مقاوِمة في آنٍ. وعلى هذا الأساس، عمدت إلى التمييز بين ما تسمّيه المقاومة التكتيكية والمقاومة الاستراتيجية. ففيما تقبل تكتيكياً بفرضية دولة فلسطينية بالاستناد إلى حدود 1967، لا تزال تتطلع استراتيجياً إلى تحرير كامل فلسطين وفقاً لحدود ما قبل 1948. يُتيح هذا التمييز بين التكتيك والاستراتيجية ضبط التشنجات التي تشكّل جزءاً لا يتجزأ من دورها المزدوج في غزة.
وفي سياق تكييف مفهومها عن المقاومة مع الأوضاع المختلفة، أطلقت «حماس» أيضاً مفهوم المقاومة الشعبية. طُرِحت هذه الفكرة للمرة الأولى في 2011، في أعقاب محادثات المصالحة مع فتح، ومُطلِقها هو خالد مشعل الذي كان آنذاك رئيس مكتبها السياسي. رأى مشعل في المقاومة الشعبية تململاً مدنياً غير عنفي موجَّهاً ضد إسرائيل، وارتبط البعد الشعبي لهذه المقاربة بالتظاهرات التي عمّت العالم العربي في تلك الفترة. وكان المقصود إظهار استعدادها للتسوية مع فتح التي سلكت طريق الديبلوماسية بدل المقاومة المسلّحة. في مطلع 2018، أعادت «حماس» إحياء فكرة المقاومة الشعبية، تزامناً مع مسيرة العودة الكبرى في غزة التي أطلقتها جهات ناشطة في المجتمع المدني الفلسطيني. لقد طالب أنصار هذه المبادرة بعودة الفلسطينيين إلى أراضي 1948، ووجّهت «حماس» دعوة لافتة إلى الفلسطينيين للانضمام سلمياً إلى هذه التحرّكات.
على النقيض من مفهوم المقاومة الشعبية، تسلّط وثيقة المبادئ والسياسات العامة التي أطلقتها «حماس» في 2017، وهي أول وثيقة سياسية تنشرها منذ ميثاقها الصادر في 1988، الضوء على أن المقاومة المسلحة تبقى عنصر التركيز الأساسي بالنسبة لها. في الوقت نفسه، تشرح أن تصعيد المقاومة أو خفض وتيرتها يندرج في إطار استراتيجية إدارة النزاع. صحيحٌ أن المقاومة المسلّحة تشكّل العنصر الأساسي في مقاربة «حماس»، لكن عندما تساهم أشكال أخرى من المقاومة، كالمقاومة الشعبية، في تعزيز موقعها داخل الأراضي الفلسطينية أو خارجها، تعمد «حماس» إلى التركيز عليها بدل المقاومة المسلحة.
لطالما كان «حزب الله» و«حماس» حليفَين مقرّبين. قبل الانتفاضات العربية في 2011، كان يجمع بينهما تعاونٌ سياسي وعسكري، واصطفافٌ وثيق إلى جانب إيران وسورية. تاريخياً، كان «حزب الله» صاحب اليد العليا في الشراكة، إذ كان يؤمّن التدريب العسكري لمقاتلي «حماس»، ويُقدّم توصيات سياسية للحركة، ويشجّع المنابر الإعلامية التابعة له على دعم «حماس» والقضية الفلسطينية. كانت العلاقة بين التنظيمَين وطيدة جداً إلى درجة أن العديد من كبار المسؤولين في «حماس» كانوا يشغلون مكاتب ومقار إقامة في ضاحية بيروت الجنوبية المعروفة بأنها معقل ل«حزب الله». كان تأثير الحزب على «حماس» نابعاً بشكل أساسي من علاقاته الأوثق مع إيران، وقدرته على أن يشكّل رابطاً مهماً بين «حماس» وطهران.
قبل 2011، تعاونَ «حزب الله» و«حماس» أيضاً في إطار تحالف أوسع مع إيران وسورية، ما سُميَ محور المقاومة أو الممانعة. لم يكن المحور يستند إلى أسس طائفية، بل انبثق من توجّهات أعضائه المشتركة في مناهضة الغرب وإسرائيل، وانتقادهم للاصطفاف الودّي الذي يربط بعض الدول العربية بالولايات المتحدة. بيد أن أعضاء محور المقاومة تمكّنوا من السعي بصورة منفردة لتحقيق أهدافهم، شرط تقيّدهم بالإطار والتوجّه الأوسع للتحالف.
لقد تلقّى «حزب الله» و«حماس» على السواء مساعدات عسكرية ومالية من إيران. واكتسب الدعم الإيراني أهمية خاصة بالنسبة ل«حماس» إثر الحظر الاقتصادي الدولي والعزلة السياسية التي فُرِضت عليها بعد فوزها في الانتخابات التشريعية في 2006. وأصبح هذا الدعم أكثر حيوية عندما سيطرت عسكرياً على غزة في 2007.
بعدما تحولت الانتفاضة السورية التي اندلعت في آذار (مارس) 2011 إلى حرب شاملة بين المحتجّين والنظام، حصلت قطيعة بين «حماس» وكل من القيادة السورية ومحور المقاومة، وظهرت المؤشرات الأولى لهذا التباعد في النصف الأول من 2012، عندما بدأت «حماس» بتوجيه انتقادات علنية لنظام الأسد بسبب لجوئه إلى القمع العسكري للمعارضة السورية. وعندما اشتدّت حدّة النزاع، نقلت «حماس» مكتبها السياسي من دمشق (حيث كانت مقرها منذ 1999)، إلى العاصمة القطرية، الدوحة. وأثارت هذه القرارات خلافات في الرأي داخل الحركة، فأبدت كتائب عز الدين القسام استياءها بشكل خاص من مغادرة سورية، لأن الخطوة تسببت بانخفاض شديد في الدعم المالي والعسكري الذي كانت إيران تقدّمه لغزة، وللجناح العسكري تحديداً.
لكن بعيداً من الرد العنيف لنظام الأسد على المعارضة السورية، كان قرار «حماس» بالقطيعة مع سورية مرتبطاً بشكل أساسي بالتطورات الإقليمية، لا سيما في مصر. فصعود الرئيس المصري السابق محمد مرسي والإخوان هو الذي دفع، في نهاية المطاف، ب«حماس» إلى قطع علاقاتها بسورية وبقية محور المقاومة. تجدر الإشارة هنا إلى أن جماعة الإخوان في مصر هي بمثابة المنظمة الإيديولوجية الأم لحركة «حماس» التي اعتبرت أنها تستطيع تحقيق فائدة كبيرة، سياسياً واقتصادياً، من وصول الإخوان إلى السلطة في مصر وغيرها من بلدان الشرق الأوسط. وكانت «حماس» تأمل بأن يساهم تحالف وثيق مع الإخوان في تعزيز شرعيتها الدولية وإنهاء عزلة غزة الاقتصادية والسياسية. وتتوقّع أن يتمكّن الإخوان في مصر من الحلول مكان حلفائها السابقين: إيران وسورية و«حزب الله».
بعد انفصال «حماس» عن محور المقاومة، تراجع التعاون بينها وبين الحزب إلى الدرك الأدنى. وفيما استمرت الاتصالات على مستوى منخفض، تبادل الطرفان الانتقادات علناً بسبب هذا الانفصال. وشدّد أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني المنتمون إلى «حماس»، على أنه ليس للدعم العسكري الذي يقدّمه الحزب لنظام الأسد أي علاقة بالمقاومة، محذّرين من أن الحزب سيخسر صدقيته في العالم العربي.
في المقابل، اتّهم «حزب الله» «حماس» بخيانة قضية المقاومة ضد إسرائيل، والتقرّب كثيراً من الإخوان في مصر. وعلى رغم تدهور العلاقات لفترة معيّنة، عادت الروابط لتتحسّن بحلول النصف الأول من 2017. فمنذ ذلك الوقت، تجدّدت الاجتماعات بين مسؤولين كبار في الطرفين، وكان أبرزها اجتماع 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2017، عندما استقبل أمين عام الحزب، حسن نصرالله، نائب رئيس المكتب السياسي في «حماس»، صالح العاروري، في بيروت.
جاءت هذه المصالحة في أعقاب التقارب بين «حماس» وإيران. وكان السبب الرئيس خلف هذا التغيير إطاحة الرئيس المصري السابق مرسي في تموز (يوليو) 2013. وبعد هذا التغيير، شُنَّت حملة استهدفت الإخوان، فأصبحت «حماس» في وضع حرج. وأغلقت مصر حدودها مع غزة، فبات صعباً جداً على «حماس» إدارة القطاع وتلبية حاجات الفلسطينيين هناك، على رغم حصولها على الدعم المالي من قطر. ويشار إلى أن للقطريين توجّهاً داعِماً للإخوان و«حماس»، وقد ظلوا الراعي الثاني الأهم للحركة (بعد إيران) في غزة بعد 2006.
كانت التغييرات التي شهدتها القيادة السياسية ل«حماس» في 2017 هي التي أتاحت للحركة إعادة إحياء علاقاتها مع إيران. أولاً، في شباط (فبراير)، انتُخِب يحيى السنوار رئيساً جديداً لقيادة «حماس» السياسية في غزة، وهو مؤسّس الجناح العسكري للحركة، ويحظى بدعم كبير في صفوفها، كما يُعتبَر متشدّداً، ويرفض حل الدولتَين مع إسرائيل. يذكر أنه أمضى أكثر من عشرين عاماً في السجون الإسرائيلية ليُفرَج عنه بموجب صفقة لتبادل السجناء في 2011. وقد أدرجته الولايات المتحدة، في 2015، على قائمة الإرهاب العالمي. ونظراً إلى روابط السنوار الوثيقة مع كتائب القسام، وجدت «حماس» سهولة أكبر في رأب علاقاتها مع الإيرانيين.
ثانياً، في أيار (مايو) 2017، انتُخِب إسماعيل هنية رئيساً جديداً لمكتب «حماس» السياسي، فحل مكان القيادي المخضرم خالد مشعل الذي كان يُنظَر إليه بأنه معتدل. بعد انتخاب هنية، نُقِل المكتب السياسي، الذي كان يقع تقليدياً خارج الأراضي الفلسطينية، من قطر إلى غزة. وفي تشرين الأول (أكتوبر)، انتُخِب صالح العاروري، المؤسّس المشارك لجناح «حماس» العسكري، نائباً لرئيس المكتب السياسي. لقد ساهمت كل هذه التغييرات فضلاً عن نقل مقر المكتب السياسي في إفساح المجال أمام فصيل «حماس» في غزة، خصوصاً كتائب القسام، لتعزيز نفوذه داخل الحركة، ما سهّل أكثر فأكثر تجديد العلاقات مع إيران.
أما طهران فكان لديها دافعان اثنان لإعادة بناء روابطها مع «حماس». أولاً، تستطيع إيران، بدعمها ل«حماس»، أن تعزّز نفوذها وتأثيرها في الأراضي الفلسطينية– بمحاذاة إسرائيل، عدوها اللدود، والتي ترفض إيران حقّها في الوجود. ثانياً، من شأن علاقة بنّاءة معها أن تساعد طهران على تحسين نفوذها الجيوسياسي في مواجهة السعودية على نطاق أوسع في الشرق الأوسط.
وشاءت الصدفة أنه بُعيد إجراء «حماس» بعض هذه التغييرات القيادية، اندلعت الأزمة القطرية في 5 حزيران (يونيو) 2017. فشكّل ذلك سبباً إضافياً كي تحاول «حماس» ردم الهوّة مع شركائها السابقين. وتحت تأثير الضغوط للتوقّف عن دعم «حماس»، خفّض القطريون إلى حد كبير مساعداتهم المالية للحركة، مع العلم بأنهم لم يوقفوا هذا الدعم في شكل كامل. لقد منحت هذه الانتكاسة زخماً لعناصر «حماس» الذين دافعوا دائماً عن الحفاظ على العلاقات مع إيران. وبحلول أواخر آب (أغسطس)، أعلن السنوار عن استئناف العلاقة بين الجناح العسكري ل«حماس» وإيران. وشكّلت الزيارة التي قام بها وفدٌ رفيع المستوى من «حماس» إلى طهران بقيادة العاروري المنتخَب حديثاً، البادرة التي طبعت رسمياً المصالحة بين الجانبَين.
كان لنجاح «حماس» في تجديد روابطها مع إيران أثره على علاقاتها مع «حزب الله»، فتجدّدت الاجتماعات بين مسؤولين من التنظيمَين، ومنها الاجتماع الآنف الذكر بين نصرالله والعاروري في بيروت. في اليوم التالي، شارك هنية في المؤتمر العالمي الثاني لعلماء المقاومة الذي أقيم في بيروت، وحضره ما يزيد على مئتَي شخص من أكثر من ثمانين بلداً، بينهم نصرالله ونائبه نعيم قاسم.
وتُقدّم المصالحة بين الحزب و«حماس» فوائد للتنظيمَين معاً، خصوصاً «حماس». فقد أتاحت لها الفرصة للحد من عزلتها ومن تبعات قرارها المصيري بالوقوف إلى جانب الإخوان بدل محور المقاومة. كذلك قد يساهم استئناف العلاقات الودّية في التخفيف من وطأة الظروف الإنسانية والاقتصادية العسيرة في غزة. لكن على رغم فوائد هذا التقارب، تعلّمت «حماس» من أخطائها السابقة، وتحاول راهناً أن تتجنّب الذهاب بعيداً في تعويلها على شريك واحد من جديد. لهذا، وعلى رغم إعادة إحياء روابطها مع إيران و«حزب الله»، عمدت أيضاً إلى تحسين علاقاتها مع مصر والإمارات العربية المتحدة في الآونة الأخيرة.
كذلك أفاد «حزب الله» من المصالحة. ففي الأعوام الأخيرة الماضية، خسرَ الحزب من شعبيته وشرعيته في العالم العربي. فقد كشف استطلاع آراء أجراه مركز بيو للأبحاث في تموز 2014، أن نسبة المستطلعين في مختلف أنحاء المنطقة الذين عبّروا عن آراء غير مؤيّدة للحزب سجّلت زيادة لافتة بين 2007 و2014: من 41 إلى 83 في المئة في مصر، ومن 44 إلى 81 في الأردن، ومن 20 إلى 55 في الأراضي الفلسطينية. يذكر أن تدخّل «حزب الله» العسكري في سورية لعب على الأرجح دوراً في تراجع شعبيته.
وقد أظهر الاستطلاع نفسه أن شعبية «حماس» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تراجعت بين 2013 و2014. وعلى رغم هذه التعقيدات المحتملة، يأمل «حزب الله» بأن تمنحه المصالحة شرعية أكبر لدى العرب خارج إطار الطائفة الشيعية اللبنانية، نظراً إلى أن «حماس» تجمعها جذور سنّية مع غالبية العرب، ولأن القضية الفلسطينية لا تزال تحظى بدعم كبير في مختلف أرجاء الشرق الأوسط. ويتوقّع «حزب الله» الشيعي أن يساعده التقرّب من حركة «حماس» السنّية على التخلّص من الصبغة الطائفية التي وُصم بها منذ اتخذ قراره بتقديم دعم عسكري لنظام الأسد العلوي في سورية. لكن غالب الظن أن «حماس» ستتفادى أن تصبح مقربة من «حزب الله» وإيران بقدر ما كانت قبل 2011. وخلال العام المنصرم على وجه الخصوص، حاولت الحفاظ على استقلالية أكبر عبر بناء روابط مع دول مختلفة (وحتى متخاصمة أحياناً)، أو الحفاظ على روابطها معها، ومنها إيران والإمارات ومصر وقطر والجزائر وماليزيا. واللافت في هذا الإطار أن يحيى السنوار الذي لطالما اعتُبِر ذا توجّه موالٍ لإيران، هو مَن عمل بصورة براغماتية على تعزيز العلاقات مع مصر والإمارات. مما لا شك فيه أن العلاقة بين «حزب الله» و«حماس» ستبقى ذات أهمية للطرفَين، إنما غالب الظن أن «حماس» ستواصل، في الوقت نفسه، السعي إلى الاحتفاظ أقلّه إلى حدّ ما بهامش معيّن للمناورة على انفراد.
* ينشر هذا المقال بالتعاون مع مركز كارنيغي للشرق الأوسط
| |
|