| | التاريخ: آب ٢, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | كيف تُشوّه أرقى المبادئ الدستورية في لبنان: تعطيل، ثلث، طغيان أقلية، ائتلاف حكومي، زبائنية - أنطوان مسرّه | تنتشر في لبنان انحرافات وتتمأسس وتتحوّل الى أمر واقع وتكتسب شرعية مزيّفة من قبل مُثقفين لم يتعمقوا ولم يتابعوا الدراسات الدستورية المقارنة منذ سبعينيات القرن الماضي. تتعلق هذه الخروقات المناقضة للمعايير الدستورية العامة ولروحية الدستور اللبناني ونصه، بشؤون جوهرية أبرزها التالية: التعطيل، الثلث، طغيان أقلية، ائتلاف حكومي، زبائنية...
1- التعطيل والثلث: التعطيل مخالف أساسًا لروحية القانون الذي يهدف الى تسيير الأعمال والمؤسسات. لا أثر في أي منظومة حقوقية وفي الدستور اللبناني، لا ماضيًا ولا حاضرًا بعد تعديلات 1990 وقبلها، لا لثلث ولا لتعطيل. تتطلب استقالة الحكومة استقالة ثلث أعضائها (المادة 69). قد يكون هذا الثلث تعطيليا مختلطًا. واذا كان هدف هذا الثلث التعطيل، فهذا يُسمى قانونًا طغيان أقلية. واذا كان الهدف التعطيل، وليس انتظام المؤسسات، فهذا يُسمى قانونًا سوء نيّة، حيث ان حسن النية اطار قانوني بدونه يتحول القانون الى وسيلة أداتية على حساب صفته المعيارية.
يسعى القانون التجاري، كما القانون الدستوري، الى تجنب طغيان أقلية، كما طغيان أكثرية، من خلال إجراءات مُتعددة حرصًا على انتظام المؤسسة. تُشكل المادة 65 من الدستور اللبناني المعدّل روعة في المخيّلة الدستورية تجنبًا لطغيان أقلية وتجنبًا لطغيان أكثرية من خلال اشتراط أكثرية موصوفة لثلثين في 14 قضية أساسية مُحدّدة حصرًا في المادة 65. يُسمى ذلك أكثرية موصوفة، وليس ثلثًا ولا تعطيلاً.
2- الائتلاف الحكومي: يخضع تشكيل الحكومة في أنظمة رئاسية، أو برلمانية، أو برلمانية تعددية، لأربع قواعد: التضامن الوزاري، توفر معارضة خارج الحكومة، المسؤولية تجاه المجلس النيابي، الفعالية.
الدستور اللبناني بالغ الوضوح، واستنادًا الى الآباء المؤسسين، في وصف الحكومة في لبنان ليس بالسلطة التنفيذية، كما هو متداول في أكثر الدساتير، بل بشكل أوضح "بالسلطة الإجرائية". المجلس النيابي في مجتمع مؤلف من 18 طائفة هو إطار الحوار الدائم. ليس للحكومة في لبنان صفة تمثيلية بالمعنى الانتخابي. تضم الحكومة في لبنان وزراء من مختلف الطوائف من أصحاب الاختصاص والخبرة في الشأن العام في سبيل ممارسة سلطة "إجرائية" exécutoire أي، حسب لسان العرب، "جعل الأمور تجري".
لو كان النظام الدستوري اللبناني فيديرالياً جغرافيًا، كما في سويسرا أو بلجيكا، لكان جائزًا أن تكون الحكومة ائتلافًا واسعًا لقوى سياسية حزبية. لماذا؟ لأنه في نظام فيديرالي جغرافي تُتخذ أغلب القرارات في المقاطعات.
أما في نظام فيديرالي شخصي موحد، كما في لبنان، فاذا تحوّلت الحكومة الى برلمان مصغر فلا تضامن وزاري في الحكومة، ولا مسؤولية ومحاسبة تجاه المجلس النيابي، ويحصل خرق شامل لمبدأ الفصل بين السلطات. يتحوّل في الممارسة النظام الدستوري اللبناني الى نظام مجلسي يؤسس لدكتاتورية أقطاب. في حالات نادرة وحصرية أو تأسيسية وفي كل بلدان العالم قد تُشكّل حكومات وحدة وطنية تضم وزراء يُشاركون في الأهداف الأساسية.
نستنتج من الخبرات اللبنانية، منذ 1990 على الأقل، وبخاصة من خلال مذكرات لوزراء في الحكومات ومذكرات رمزي جريج الأخيرة (رمزي جريج، كلمات عابرة، بيروت، صادر، 2018، 510 ص، ص 64-67) إستحالة التضامن الوزاري وإستحالة الفعالية والمحاسبة في حكومات تُشكل برلمانًا مصغرًا.
3- الزبائنية: الزبائنية موجودة بدرجات مُتفاوتة في كل منظومة سياسية وفي مجتمعات لا يوجد فيها طوائف. ربط الزبائنية بقاعدة الكوتا أو، حسب تعبير أكثر دقة، بقاعدة التمييز الإيجابي التي تهدف الى تجنب العزل الدائم وضمان المشاركة الديموقراطية، يؤدي هذا الربط السببي الى تبرير علاقات نفوذ. تتوفر في المجتمع اللبناني اليوم كفاءات عالية وإمكانية تعيين أفضل الكفاءات لدى كل الطوائف بدون استثناء.
يوفر ربط الزبائنية بقاعدة التمييز الإيجابي لسياسيين التبرير التالي: "طالما ان النظام طائفي نريد حصتنا!" تخضع قاعدة التمييز الإيجابي لقواعد حقوقية وهي ليست خارج القانون. ليست قاعدة التمييز الايجابي حصة أي زعيم. هدفها تجنب العزل الدائم مع التقيد بموجبات الكفاءة والمصلحة العامة.
تهربًا من تشخيص الزبائنية في لبنان والعمل على معالجتها، يجتر البعض تصريف "الطائفية" وسجالات متداولة. تكمن معالجة الزبائنية في نشر ثقافة القاعدة الحقوقية، وفي تحرير الإدارة من علاقات النفوذ، وتحرير المواطن من التبعية للحصول على أبسط الحقوق الحياتية اليومية.
قد يُقال أن كل ذلك أصبح اليوم اوتوبيًا. أصبح كذلك بسبب التلاعب بالنظام البرلماني التعددي لجعله غير قابل للحكم إلا من خلال باب عال. الحاجة الى استعادة قواعد الاعراب في الدستور. والحاجة الى عدول كثيرين، لم يتابعوا الدراسات المقارنة منذ سبعينيات القرن الماضي، في تبرير الانحراف من خلال القول: "هذا هو النظام"! ليس هذا نظام وانتظام. بل هذه هي الممارسة.
عضو المجلس الدستوري
12 تموز 2018 | |
|