| | التاريخ: تموز ٨, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | «اللغز الجزائري» والديموقراطية الهجينة - لين أبي رعد | على الرغم من أن العديد من جيرانها يخوضون حروبا أهلية دموية، تمكنت الجزائر من مقاومة موجة الربيع العربي، لكنها تبقى لغزاً عصياً على الحل لكتلة كبيرة من المحللين، وتحديداً نتيجة قلة المعلومات والدراسات عنها.
في جلسة نقاش نظمها المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية (ISPI) في مدينة ميلانو الإيطالية، بالتعاون مع مركز كارنيغي للشرق الأوسط، خاض الباحثون دالية غانم يزبك وكاترينا روجيرو ونيكولا ميساجليا غمار هذه القضية. الأخيرة من جامعة ميلانو بيكوكا، طرحت السؤال الآتي: «لماذا لا نزال نحاول فهم هذا النظام (الجزائري) على الرغم من كونه لغزاً، مغلقاً، ومن المستحيل الوصول إليه؟». غانم يزبك، خبيرة الجزائر في مركز كارنيغي للشرق الأوسط، ترى أن أهمية الجزائر تنبع من كونها من أكبر دول العالم العربي، وشريكاً للولايات المتحدة في محاربة الإرهاب منذ أحداث 11 أيلول، وأيضاً دورها كوسيط سلام إقليمي.
بالنسبة إلى غانم يزبك، المؤلف جوزيبي دي لامبيدوزا يلخص مقاربة قادة الجزائر للسياسة بعبارته الآتية: «إذا أردنا إبقاء الأمور على حالها، فيتعيّن أن تتغيّر هذه الأمور». من هنا، تصف النظام السياسي الجزائري الذي خاض تغيرات عدة في العقود الأخيرة، ولكن بقى في جوفه نفسه. حاملاً دروس الحرب الأهلية حين اعتمد النظام على العنف والقمع من دون إفادة، يتجنب النظام الآن الاضطرابات المدنية من خلال منح تنازلات سياسية واقتصادية محدودة. على سبيل المثال، احتوى النظام ثورة الياسمين من خلال إصلاحات دستورية وتبرعات اقتصادية للشباب. ذاك أن النظام الجزائري اليوم بات بعيداً عن شكله الدكتاتوري في سبعينات القرن الماضي. اليوم هو، وفقاً لوصف غانم يزبك، «نظام هجين» يجمع بين عناصر الديكتاتورية والديمقراطية. بيد أن «الانتخابات والمعارضة وحرية التعبير موجودة، لكن هل تشكل تحدياً حقيقياً للنظام؟ الجواب هو لا». تُعطي يزبك غانم مثال التعددية السياسية التي فرضتها الدولة «بهدف امتصاص السخط الاجتماعي، [...] لتعزيز سيطرة الحكومة على المجتمع والحفاظ على النظام فوق كل شيء.» أكثر من 30 حزباً يشكلون خريطة المعارضة في الجزائر اليوم، دون أن يتمكنوا من تقديم بديل حقيقي عن النظام المهيمن. فضعفهم ليس فقط نتيجة قمعهم و- إستقطابهم من النظام بل من عدم تطبيقهم المبادئ الديمقراطية داخل الحزب. وتقول «إن نفس الأشخاص الذين يناضلون من أجل الديمقراطية في الجزائر غير قادرين على قبولها في صفوفهم». وتعطي مثال جبهة القوى الاشتراكية التي تربع زعيمها في منصبه على مدى السنوات الـ55 الماضية ، على رغم أنه في المنفى في سويسرا.
وراء هذه الواجهة الديمقراطية، يلعب الجيش دوراً رئيساً في السياسة. يبقى الجيش «المركز السلطة الرئيسي في الجزائر» كالمؤسسة «الأقدم والأكثر تنظيماً» في البلاد. هذا ناتج عن دور الجيش في تحرير الجزائر من القوات الفرنسية وتحقيق الاستقلال، وهو تاريخ قلّده لقب «حامي الأمة». وفي الواقع، أصبح الجيش متماهياً مع الأمة نفسها. بالنسبة إلى القادة العسكريين الذين حملوا مثل هذه الشرعية التاريخية، فإن التخلي التام عن أدوارهم السياسية لمصلحة مسؤولين مدنيين منتخبين، يخاطر بتعريض الأمة إلى المهالك. وتؤكد غانم يزبك أن هذا الأمر لا يقتصر على الجزائر، لكنه موجود في عدة بلدان في أميركا اللاتينية حيث لعب الجيش دوراً في الاستقلال. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع الجيش بأعلى نسب الثقة من بين مؤسسات الدولة وفق البارومتر العربي لعام 2017. تفسر غانم يزبك هذا الأمر بأن «جيش يسود ويدير ولكن لم يحكم في شكل مباشر» مما يحميه من المساءلة. ذاك أن الرؤية الشائعة بين العديد من الناس هي أن تحسين حياة المواطنين جزء من مسؤوليات الحكومة، لا المؤسسة العسكرية. تعجبت روجيريو، «كيف يمكن للجيش أن يتمتع بمثل هذه المستويات العالية من الثقة نظراً لاستجابته العنيفة أثناء الحرب ضد الإرهابيين في التسعينيات؟» فردت غانم يزبك بأن الكثير من الجزائريين ينظرون إلى الجيش كـ «المخلص» الذي من دونه كانت الجزائر لو أصبحت في التسعينيات «جمهورية ذات النمط الإيراني».
أما بالنسبة إلى الإصلاحات الاقتصادية، تؤكد غانم يزبك إن النخبة السياسية والتجارية والعسكرية هي الذي تستفيد من هذه الإصلاحات. توصف حالة الفساد في الجزائر كـ «طريقة للحكم» و «آلية حل النزاعات». لتوضيح وجهة نظرها ، تشير إلى محادثة أجرتها مع بعض أعضاء في الجيش ، والتي وصفوا أثناءها كيفية استخدام النظام «زبائنه» الأغنياء لترويض السخط الاجتماعي من خلال استثمارهم في مناطق إشكالية وتحسين الوضع الاقتصادي فيها. عبر دعم القادة السياسيين، تمكّن أولئك العاملون في القطاع الخاص من الدفع باتجاه سياسات تحرير الاقتصاد والخصخصة، بما يسمح لهم ولشركاتهم بالازدهار.
وعلى الرغم من المحادثات المتكررة في شأن تنويع الاقتصاد منذ عام 1989، لا توجد هناك أي إرادة سياسية لتنفيذها. فتساءلت غانم يزبك «كيف تطرح إصلاحات في بلد يتشابك فيه الجميع، والإصلاحات قد تؤذي مجموعة وتُفيد أخرى؟». وتذكر أن رئيس الوزراء السابق عبدالمجيد التبون وعد «بمحاربة الأموال القذرة» وحاول تقييد تراخيص الاستيراد والتصدير، لكنه لم يتمكن من إكمال ثلاثة أشهر من ولايته. «بيئة الأعمال غير الودية، البيروقراطية الثقيلة، والفساد» لا تشجع الاستثمار الأجنبي برأيها.
في الفترة الأخيرة، واجهت الجزائر العديد من المشكلات الهيكلية، بما فيها انخفاض نســـبة المـــشاركة في الانتــخابات، وارتفاع عدد المظاهرات، وانخفاض أسعار النفط، واستنزاف موارد النظام كما أشار إليها نيكولا ميساجليا. هل تستطيع الجزائر أن تحل هذه القضايا بنفس الطريقة؟ في حالة استنفاد الموارد بالكامل، تقول غانم يزبك، سيُضطر النظام إلى اللجوء إلى إدارة النزاع «في شكل عنيف»، مع الأخذ في الاعتبار دروس الماضي. على المدى القصير، من المرجح أن تكمل القيادة الجزائرية سياستـــها المتــمثلة في «الحد من التغيير من خلال التغيير»، مع دور كبير للجيش في إدارة السياسات، خصوصاً في ضوء خطر الجهاد والإرهاب. ماذا عن المرحلة ما بعد عبدالعزيز بوتفليقة، الذي يترأس البلاد منذ 1999؟ فبالنسبة إليها، «من يلي بوتفليقة سيكون «صورة نسخية» لنفس النظام الذي حكم في الـ55 عاماً الماضية، وسيأتي فقط بموافقة الجيش». توافق روجيرو على أنه ليس هناك تغيير جذري متوقع في المستقبل المنظور. من غير المحتمل أن يكون هناك «تغييراً سريعاً في النظام»، بل سيحدث «صعود لجيل الشباب يؤدي إلى تغيير بطيء».
| |
|