التاريخ: تموز ٥, ٢٠١٨
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
الشرق الأوسط والبحث عن نقاط ارتكاز - فريد الخازن
واقع غير مألوف يلازم الاوضاع السياسية والعسكرية في الشرق الاوسط، حيث المحاور مشتتة وموازين القوى غير حاسمة، محلياً واقليمياً ودولياً. شرق أوسط جديد، لا بالمعنى الذي ارتبط بالطموحات الاميركية في عراق ما بعد 2003، بل لجهة ما استجد من تحولات مفصلية في السنوات الاخيرة. لا حرب باردة بالمفهوم التقليدي في المرحلة الراهنة، وآخر ساحاتها الكوريتين، حيث تمت المصالحة المبدئية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية. أما في المنطقة، فلا سخونة ظاهرة في أفق الصراع بين الدول الكبرى. 

النزاع العربي - الاسرائيلي، قبل صفقة القدس وبعدها، لم يعد جامعاً، بل بات مصدر انقسام داخلي واقليمي. أما العروبة، جامعة كانت أم خلافية، فولّى زمنها: عروبة مصر الناصرية المتناغمة مع معسكر الشرق في مواجهة عروبة معسكر الغرب، وصولاً الى القضية الجامعة في "كفاح مسلح" حمل تطلعات التحرر والتحرير. كما ان الاسلام السياسي، اسير معادلتي التطرف والاعتدال، ليس أفضل حالاً، فالدين تتجاذبه مذهبية حادة والاعتدال وليد التطرف الأكثر عنفاً.

التحولات الداخلية الاكثر دلالة هي أيضاً من نوع آخر. في الماضي، تعسكرت أنظمة الحكم في غير بلد عربي باسم الاستقلال والتغيير والتطوير. سقط "جيل الهزيمة" في حرب 1948 ليحلّ مكانه جيل الثورة والتحرير. ولم تَغِب فلسطين عن القضايا المشتركة، وبين النكبة والنكسة، سقط الجيلان. الا ان السائد اليوم صراع أجيال، هموم أصحابه الحفاظ على المكتسبات والاستقرار المطلوب تعزيزاً لسلطة قائمة واخرى بناها الآباء والاجداد. في الماضي، كان للخصومات داخل "الصف الواحد" سياقها السياسي في الاطار الاقليمي العربي، بينما الصدام الذي وصل الى حد القطيعة بين السعودية وقطر والى الحرب في سوريا واليمن، وان لأسباب مختلفة، يتجاوز الصراع الداخلي ليصل الى محاور أوسع وأشمل. ومن وحي شعار "أبحث عن المرأة"، قد يكون الشعار الملائم للمحاور الاكثر اشتعالاً في المنطقة، ابحث عن ايران.

الحروب الدائرة ساحاتها عربية - سوريا واليمن وليبيا - والمحاور الاكثر تأثيراً في مسارها ليست فقط عربية، بل دولية واقليمية، ايران وتركيا واسرائيل تحديداً. فلا نقطة ارتكاز عربية سوى لجهة ساحات الاشتباك ومفاتيح الحلول اقليمية ودولية. السياسة الاميركية في المنطقة غير واضحة الوجهة والتوجه، لا جامع بين مكوناتها سوى التصدي لايران. روسيا من جهتها جاهزة للاستفادة من أي ثغرة، وهي تسعى لتعزيز نفوذها الاقليمي في سوريا وعبرها. واللافت ان ما من طرف محلي، اقليمي أو دولي إما قادر وإما راغب في الحسم عسكرياً أو سياسياً، خصوصاً ان بعض الاهداف والاولويات يتجاوز المنطقة وقضاياها.

هنا نصل الى معادلة تتداخل فيها السياسات المحلية مع الاقليمية والدولية. بين الدول الكبرى، حرب محاور على غير صعيد في بوصلة متحركة بلا قاعدة أو معيار، حيث الصدام قائم بين اميركا ترامب والاتحاد الاوروبي في حرب تجارية مستعرة. وهنا أيضاً لايران "حصتها" جراء انسحاب أميركا من اتفاق فيينا والخلاف بين واشنطن وموقّعي الاتفاق الآخرين.

لم يعد الشرق الاوسط بالاهمية التي طبعت مراحل سابقة بالنسبة الى الولايات المتحدة. نزاعات المنطقة، من اليمن الى سوريا مروراً بليبيا، ليست استراتيجية بالقدر الكافي في حسابات الادارة الاميركية. أما التصدي لايران فيأتي في سياق رد الفعل وبطلب عربي وإلحاح اسرائيلي وليس لان المسألة حيوية بحد ذاتها. ويزداد الارباك، شكلاً ومضموناً، ما دام الثابت في سياسة ترامب الخارجية عدم الثبات، وساحة الاشتباك في نهاية المطاف بلاد العرب وليس بلاد العم سام.