| | التاريخ: تموز ٤, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | العراق: تدارك أزمة الانتخابات - مشرق عباس | تدارك أزمة الانتخابات
أثبتت آخر التجارب الانتخابية في العراق، أن ثمة مشكلة تأسيسية في عدالة التمثيل، ومشكلة أخرى تتعلق بنزاهة الآليات الانتخابية، وثالثة تخص فلسفة الانتخابات وغاياتها في مجتمع شديد التنوع كالمجتمع العراقي.
ولا بد من الاعتراف بأن الوصول إلى تمثيل انتخابي متفق عليه، مهمة صعبة، فمن جهة تفرض الاشتراطات الدستورية التي تتعلق بكوتا النساء والأقليات، نمطاً معيناً من المنظومات الانتخابية، ومن جهة اخرى يعزز فقر قواعد البيانات السكانية والادارية، وغياب التعداد العام، وتقاعس مفوضيات الانتخابات القناعة بصعوبة تحقيق هذه المهمة.
لكن ما وصلت اليه العملية الانتخابية في العراق من تشكيك ومقاطعة واتهامات بات يفرض، بلا أدنى لبس، على المجتمع العراقي تعديل البنية الانتخابية برمتها.
في كواليس ورش العمل الانتخابية يتم طرح اشكاليات دستورية واجرائية وادارية اكثر تفصيلاً وجدية حول بعض المطالب السياسية باعتماد نظام (القائمة المغلقة والدائرة الواحدة)، أو الشعبية، باعتماد نظام (دائرة انتخابية لكل مقعد)، أو حتى الإبقاء على الطريقة الحالية (دوائر متعددة وقوائم شبه مفتوحة).
لكن دولاً كثيرة عبر العالم مرت باشكاليات مشابهة حول انظمتها الانتخابية، وكثير منها لجأ إلى ما يسمى نظام «التمثيل المختلط»، لتحقيق التكامل المطلوب بين إيجابيات الطرق الانتخابية المختلفة.
والمقترح المقدم يشير الى تحقيق نسبة 50 في المئة من مقاعد البرلمان من نظام الصوت الواحد، بما يسمح بالانتقال بعدد الدوائر الانتخابية من 18 حالياً تمثل المحافظات الى نحو 120 دائرة (الاقضية) تنتخب كل منها من مقعد الى 3 مقاعد بحسب الكثافة السكانية، على أن يتم في الوقت ذاته التصويت للقوائم الحزبية المغلقة على المستوى الوطني بـ50 في المئة من المقاعد مع ضمان «الكوتا» النسوية، وقد يضاف إلى ذلك تحقيق عتبة وطنية معينة للقوائم تجبرها على تحقيق اصوات في معظم المحافظات العراقية.
ويذهب الكثير من الباحثين في هذا الشأن الى أن نظام التمثيل الحالي (طريقة سانت ليغو) ليس أساس مشكلة الانتخابات العراق، بقدر الثغرات التي يفرضها النظام وتستثمرها القوى الحزبية التقليدية لتعزيز قوتها، ومن حيث المبدأ يبدو ذلك سلوكاً مشروعاً للاحزاب الكبيرة التي تدعم فرضيتها بان تقليص عدد الأحزاب في البرلمان يسهل تشكيل الحكومات ويحقق الاستقرار السياسي، لكن التجارب أثبتت عكس ذلك، فالأحزاب العراقية التي تصدرت في مرحلة ما بعد عام 2003 هي في الغالب تجمعات فئوية او مصلحية او اعتباطية لم تسهم قوتها البرلمانية في انتاج انماط حزبية صحية وطبيعية، كما انها لم تفلح في اخراج حكومات مستقرة، ناهيك عن كونها هددت وتهدد الأمن والسلم المجتمعي، وتقود إلى تقسيم البلاد.
المطلوب من اي قانون جديد للانتخابات في العراق ان يسمح بانتاج وتنمية قوى سياسية عابرة للاعتبارات الطائفية والقومية باعتبارها تمثل ازمة تكوينية في العراق، مثلما يشجع على نيل شخصيات مستقلة مقاعد برلمانية على أساس سمعتها وشعبيتها في الدوائر التي تترشح عنها.
إن المضي الى قانون انتخابات جديد يجب ان لا يكون مهمة اللحظات الاخيرة قبل انتخابات 2022 بل على كتلة الحكومة ان تتبنى هذا المطلب كجزء من برنامجها، الذي يجب ان يتضمن ايضاً تأسيس مفوضية انتخابات مستقلة ونزيهة وباليات عمل معقدة تعد مبكراً للانتخابات، وتستمر في إجراء تسجيل سنوي للناخبين وتحديث بياناتهم عبر فرق جوالة.
ويمكن الاحتجاج على ما سبق بالقول، إن القوى التي وصلت إلى البرلمان عبر آليات انتخابية معينة، لن تسمح في نهاية المطاف بتغيير تلك الآليات، وسوف تتبنى التسويف والمماطلة وتقديم الأعذار للدفع بقانون الانتخابات إلى نهاية الدورة البرلمانية.
وكل ذلك متوقع، لكن ماهو متوقع ايضاً، أن يكون التشكيك بنزاهة الانتخابات الحالية شعاراً اساسياً مرفوعاً للسنوات الاربع المقبلة وسيمثل تهديداً جدياً لمجمل الحياة السياسية.
لن يكون انقاذ العراق عبر قانون انتخابي بالتأكيد، لكن التمثيل الحقيقي والمنصف لإرادة الناخبين من شأنه أن يحقق الاستقرار السياسي المطلوب قبل المضي إلى الإصلاحات الأخرى. | |
|