| | التاريخ: تموز ١, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | لغة الثأر مرة أخرى - مشرق عباس | ليس أمام العراقيين فرص مفتوحة، فكل مرة تمنحنا الأقدار فرصة ما، يتم إهدارها على أيدي دعاة العنف وطالبي الانتقام والعاجزين عن فهم حقيقة الدولة.
المناسبة أن ألماً عاماً أصاب العراقيين وهم يتأملون جثث مخطوفين على يد تنظيم «داعش» بعد يومين من انتشار نداءات مؤثرة لأطفالهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي... صدمة الجثث فجرت مشاعر منفلتة كما كل صدمة سابقة، وخلفت ضغوطاً شعبية وسياسية، انتهت إلى إعلان للحكومة بإعدام عدد من المحكومين به.
واقع الحال، أنه ليس في العراق من يطلب بعد بحور الدم التي سالت على يد تنظيم «داعش» بكل ما حمله من إجرام وتمزيق وتشويه، بالتساهل في محاكمة المتورطين في التنظيم وإعدامهم، لكنّ ثمة فرقاً جوهرياً بين المحاكمة والإعدام للمذنبين في نطاق قاموس الدولة، أي دولة منذ أن بدأ التعريف، وبين تحويل الإعدام إلى مناسبة للتخفيف من الضغوط ومشاعر الثأر.
المشكلة مركبة إلى درجة أن المستعدين لطعن الدولة التي تحاول النهوض مصانة بدماء الآلاف من العراقيين وتضحياتهم خلال معركة التحرير من براثن «داعش»، لا يفهمون الدولة باعتبارها راعية القصاص القانوني، كأداة لإرضاء تعطشهم لإخماد عواطف الثأر المنفلتة، وعلى ذلك كان قرار الإعدام كأنه إرضاء كاف لتلك النزعة العاطفية.
وبالتأكيد، لم يعد بعد رؤية المشانق معلقة، مهماً السؤال عن هويات المعدومين، ولماذا يكون إعدامهم رد فعل، بديلاً عن أن يكون سياقاً قانونياً واضحاً، ولا البحث عما يعيق نظام العدالة في العراق، وما يحيط بالمحاكمات وظروفها، ولا ما يتعلق باحترام الدولة وسياقها والحرص على ألا تنهار مرة أخرى.
لنتذكر معاً أن الدولة العراقية، بعد صحوتها الجزئية من نكسة الحرب الأهلية 2006 – 2008، بدت أنها على الطريق الصحيح لمعالجة الأخطاء التي صاحبت بناء مشوهاً واعتباطياً عام 2003، وحينذاك كان الحكماء يتحدثون عن ضرورة أن تتم معالجة ذلك الخطأ الأساسي، بالعودة إلى آليات العدالة الانتقالية الضرورية.
إنها فرصة في متناول اليد، لكن «شطحت» الدولة الهشة فجأة، وانفعلت أمام إجرام منظم انفلت في انفجار مهول لوزارة الخارجية عام 2009، وتفاقم على شكل أيام سود متكررة، جلبت الحزن من جديد، وأطلقت الغضب، إلى درجة أن نحو 20 عملية عسكرية حملت مصطلح «الثأر» ومهدت في شكل مريب لظهور تنظيم «داعش» كنسخة أكثر دموية.
لحظة اندحار «داعش» كانت بمثابة حدث استثنائي، فللمرة الأولى منذ سنوات يفهم العراقيون حربهم، وللمرة الأولى تبدو لغة الدولة كأنها مفهومة، وتتصاعد معها عبارات الاحترام لمعنى أن يكون المجتمع العراقي بتنوعاته المختلفة مستعداً لإبرام عقد اجتماعي جديد، يضمن الاحتفاظ بوحدة البلاد، ويقر السلم الأهلي والتوازن في العلاقات الخارجية، والتوجه إلى بناء ما خربته سنوات الارتباك والتخبط.
لم يكن هناك نية سياسية لتحديث عقد السلطات مع المجتمع، وتم إهمال النصائح بأن العراق في حاجة إلى تسوية كبرى، تتيح الإجابة عن الأسئلة المعلقة منذ سنوات حول الدستور والخلافات والصلاحيات والمساواة الاجتماعية وتكريس المواطنة.
من الغريب أن يكون موسم الانتخابات موسم خراب، لا يأمل أحد بتحويل احتفال ديموقراطي إلى موعد متجدد لتوقع الأزمات والنكسات، لكن هذا يحدث في العراق مراراً، وهذا ما تفهمه القوى السياسية، المنكبة على انتظار ضرب الأمن، أو المساهمة فيه حتى، ليكون في الإمكان تحسين موقفها التفاوضي.
ظهر ذلك جلياً في التعامل مع أزمة الرهائن، فأبواق الأحزاب، كانت مستعدة لهدية «داعش» وربما كانت تتمناها، فهي مناسبة ليخرج من يقول من جديد، أن الجيش الذي خرج من الموصل على أناشيد النصر، ضعيف، وفاسد ومنهار، وأن الحل يجب أن يتم بتسليم مجموعات مسلحة عقائدية، ملف الأمن! ربما يجدر القول مجدداً أن من يتولى حكم العراق اليوم أو غداً، وما ستحصل عليه القوى السياسية المتصيدة في الأزمات من مكاسب، لن يكون لها معنى إذا أضاع العراقيين من جديد إيمانهم بالدولة مرة أخرى، فالفرص ليست مجانية، والدول لا تبنيها الانفعالات، ولا تحركها أهواء المنفعلين. | |
|