| | التاريخ: تموز ١, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | في الأردن نبحث عن آثار الضبع ونحن نراه - إبراهيم غرايبة | أعاد حراك «الدوار الرابع» في عمّان والذي حدث في الثلاثين من أيار (مايو) الماضي وأسقط الحكومة، متاهة الجدل الأردني الذي انطلق في الربيع العربي، الكل يبحث عن الإصلاح ويريده، النظام السياسي ومكوناته من الحكومات والمؤسسات الإعلامية، والشارع بمكوناته وأطيافه، لكن أحداً لا يريد أن يراه بالوضوح الذي هو عليه لدرجة أنه لم يعد يحتاج إلى بحث أو جدل، ونفضل جميعاً بدلاً من ذلك أن نبحث عنه ونتجادل حوله من دون أن نقترب منه.
الحكومة تقدم بيانات ومؤتمرات صحافية وحوارات مثل الحملات الإعلانية لتسويق المناديل الورقية، ولا تقول سوى محتوى ووعود ضحلة. وفي المقابل، فإن الحراك الجماهيري والنقابي والسياسي المعارض ما زال يمارس المعارضة مثل هواية جميلة في أوقات الفراغ!
أطل رئيس الوزراء الجديد عمر الرزاز في مؤتمر صحافي ليقدم مبادرة الحكومة الجديدة للإصلاح وسط اهتمام إعلامي وجماهيري غير مسبوق، لكنه لم يقل شيئاً مما توقعه الناس ببداهة عن الاتجاهات الأساسية لإدارة الأولويات الرئيسية والاحتياجات الأساسية والموارد العامة بعدالة وكفاءة، وبدلاً من ذلك قدم وعوداً وأفكاراً لا يمكن وصفها حتى عند اللجوء إلى أقصى حدود حسن النية إلا أنها لا شيء!
لم يقل أحد في الأردن بعد لماذا تظل الطاقة أزمة ولغزاً محيراً واحتكاراً إقطاعياً فظيعاً في الوقت الذي تخطو الأمم والدول لتحويلها إلى مورد متاح وغير مكلف، ولماذا يظل الماء شحيحاً ومكلفاً ويكلف الخزينة وزير الماء السابق ثلاثة دولارات للمتر الواحد في الوقت الذي تقدمه إسرائيل الدولة لمجاورة في نفس الظروف البيئية والمناخية على أساس تجاري ربحي بثلاثة أرباع الدولار! ولماذا تكون الزراعة في بلد مثل الأردن قطاعاً منهاراً لا يمثل نسبة تذكر في العمل والاقتصاد؟ وأما التعليم الذي وصل إلى مرحلة معقولة واقتربت نسبة استيعاب الأطفال في المدارس إلى مائة في المائة فإنه يعود إلى الانحدار السريع، حيث تقترب نسبة التسرب من المدارس من 10 في المائة، وتلجأ نسبة كبيرة من المواطنين إلى التعليم الخاص على نحو يفوق طاقتها وقدرتها على الاستمرار، ما يعني أن استمرار الحال القائم سيزيد نسبة التسرب من التعليم، والحال أن المدارس القائمة اليوم والتي لم تزد بنسبة تذكر منذ أواخر الثمانينات لم تعد قادرة على استيعاب أكثر من نصف التلاميذ، وسوف تتزايد نسبة التسرب وعدم معرفة القراءة والكتابة على نحو متواصل إذا لم تقدم الحكومة على مبادرات وحلول جريئة وإبداعية. وتمضي الخدمات الصحية أيضاً إلى الانهيار، فمستشفيات وزارة الصحة غير قادرة على استيعاب المواطنين، ولم يعد يذهب الناس إليها إلا ليموتوا، ولا تزيد نسبة فرص التغطية الصحية في القطاع الخاص والخدمات الطبية العسكرية عن نصف المواطنين، وأما الرعاية الاجتماعية الموجهة لكبار السن والمعوقين فهي مرحلة لم ندركها بعد في الأردن!
وبدأت المتوالية الطبيعية لهذه التحولات بالعمل، فتمكن ملاحظة التقسيم الاجتماعي الذي يتشكل في الأردن اليوم ويأخذ عنوان عمان والمحافظات، تعبيراً عن التوزيع غير العادل للفرص والإنفاق العام، وفي ذلك يتحول ثلاثة أرباع المواطنين إلى محليين (locals) كما يوصفون فعلياً في وسائل الإعلام، ومهمشين اجتماعياً واقتصادياً، والحال أنها عودة إلى التقسيم الأصلي للمجتمعات والناس منذ تشكيل الدولة الحديثة قبل مائة عام، والموروث عن المرحلة السابقة ومنذ مئات السنين. القلة المهيمنة من النخب، والغالبية الفقيرة والمتوسطة، أو كما تعبر عنها المقولة الأنثروبولوجية التقليدية: القلعة والربض. تحايلت الأوليغاركيا بما هي القلة الاحتكارية المهيمنة على الموارد والنفوذ على هذا التقسيم الاستفزازي بحيل وتقسيمات كثيرة تمويهية، مثل الحكومة والمعارضة، الحكومة التي ظلت في واقع الحال طبقة مغلقة لا يتسرب إليها إلا الأبناء والأحفاد والأتباع وقليل من الوافدين إليها لأغراض الصيانة والتجميل، والمعارضة التي ظلت على الدوام طبقات وفئات اجتماعية تتحايل بالقومية واليسارية والتحرير والإسلامية لإعادة تنظيم هذا الهامش العملاق الممتد من المدن والقرى والأحياء والجماعات العشوائية. وعلى نحو ما، فإن التقسيم الاجتماعي الاقتصادي الجديد يكاد يرمز إليه بالعمالة الوافدة (النخبة المهيمنة) والعمالة سائبة من الغالبية: المحليين أو المحافظات. | |
|