| | التاريخ: حزيران ٢٣, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | إيران عندما تفسد الانتخابات العراقية وتربك القوى السياسية - نجاح عبدالله سليمان | مما لا شك فيه أن الانتخابات البرلمانية العراقية، حدثت في مجتمع متعدد الطوائف والقوميات، لذلك فهي تكتسب أهمية كبيرة، لعدم اقتصارها على تشكيل الحكومة فقط، وإنما تشمل السلطتين التنفيذية والبرلمانية، ويمتد تأثيرها إلى السلطة القضائية، حيث جرى العرف بعد الاحتلال الأميركي للعراق على محاصصة الرئاسات (الجمهورية، البرلمان، الوزراء) بين الأكراد والسنة والشيعة. وشهدت نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية الأخيرة، مفاجآت عدة، تمثّل أهمها بتصدر تحالف «سائرون» بقيادة الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، على حساب ائتلاف «النصر» بزعامة رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته حيدر العبادي والائتلافات الشيعية التي تراهن عليها إيران؛ نظراً إلى طبيعة علاقتها الفاترة بمقتدى الصدر الذي يتهمها بالتدخل في شؤون العراق. وبينما تراهن طهران على الحفاظ على مكتسباتها في العراق، تحاول القوى الإقليمية والدولية إعادة تشكيل منظومة الحكم، في وقت تتوجس المنطقة من تداعيات الاستراتيجية الأميركية تجاه إيران، بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي (الإيراني)، والتصعيد العسكري في سورية بين كيان الاحتلال الإسرائيلي وإيران، خصوصاً بعد أن تصدّرت القوائم الشيعية نتائج الانتخابات على حساب القوائم السنية.
ويلاحظ أن الانتخابات جرت بنظام التصويت الإلكتروني الذي يطبق للمرة الأولى، وبعد محطات مفصلية حدثت خلال المرحلة الماضية، أبرزها إفشال نتائج استفتاء استقلال إقليم كردستان العراق، وما أعقبه من تصدع في العلاقة بين المكونات الكردية، وكذلك بعد تحويل «الحشد الشعبي» إلى مؤسسة رسمية ومستقلة.
وسط كل ما سبق، تعاني الطائفة السنية العراقية الضعف والتشرذم وغياب المرجعية، وتعرض مناطقها للتجريف من جراء الحروب التي شهدتها خلال السنوات الماضية وتسببت في نزوح مئات الآلاف واعتقال عشرات الآلاف. وتكللت هذه الحالة بفوز ائتلاف «النصر»، الذي ضمّ في قوائمه شخصيات سنية، بقيادة حيدر العبادي، في محافظة نينوى أحد المعاقل السنية؛ للمرة الأولى.
وشكّلت قضية الفساد إجماعاً في دعاية مختلف الائتلافات، فيما بقي سلاح المليشيات محل خلاف بين كثير من الأطراف، خصوصاً بعد ترشح بعض قيادات «الحشد الشعبي» في الانتخابات. وشاب العملية الانتخابية «التزوير»، إذ طالب إياد علاوي (قائمة الوطنية) بإلغاء نتائجها وتحويل الحكومة الحالية إلى حكومة تصريف أعمال. بدوره أرجع رئيس البرلمان العراقي السابق، سليم الجبوري، سبب خسارته إلى ما وصفه بالمؤامرة ضده، عبر حشد طائفي وقومي.
وتصدّر تحالف «سائرون» الانتخابات بـ54 مقعداً، من أصل 329 مقعداً، وهو تحالف يضم أتباع الصدر، والحزب الشيوعي العراقي، وجمهوره من العوام، وعقب إعلان النتيجة تظاهر مؤيدوه ضد إيران، مطالبين إياها بالخروج من العراق. وقد أسهم انتقاد الصدر للفساد والتدخل الخارجي في فوز ائتلافه، وحوّله من زعيم طائفي تتهم ميليشياته (جيش المهدي) بتصفية كثيرين من أبناء السنّة، إلى زعيم وطني. وتعتبر قائمة (سائرون) الأعلى صوتاً في تبني خطاب (وطني عروبي)، وفي الحديث عن (العبور) فوق الطائفية وتجاوزها لتسويق نفسها أمام الناخبين؛ لكنها لم تحصل على أيِّ مقعد من مقاعد البرلمان في المحافظات السُّنيّة، وكذلك في المحافظات الكردية. لذلك لا يمكن الركون إلى خطاب التيار الصدري من دون وقفة عند خلفياته ودوافعه في ما يتعلق بموقفه من إيران وتدخلها.
وحلّ تحالف «الفتح» برئاسة هادي العامري، في المرتبة الثانية بـ47 مقعداً، وهو يضم 18 كياناً من أجنحة سياسية لفصائل «الحشد الشعبي»، أبرزها «منظمة بدر» بقيادة العامري نفسه، وجماعة «عصائب أهل الحق» بزعامة قيس الخزعلي، وقوى أخرى منضوية تحت مظلة «الحشد الشعبي»، ويعد الخيار الأول لإيران. ويعد ائتلاف «دولة القانون» أبرز الخاسرين في الانتخابات بعد فقدانه ثلثي مقاعده النيابية، بحصوله على 26 مقعداً فقط، مقابل 90 مقعداً في انتخابات 2014.
ويحاول نوري المالكي توظيف علاقته بإيران لتمارس ضغوطها على بقية الكتل الشيعية، لمساعدته في العودة إلى السلطة، لكن غالبية الائتلافات تتهرب من مشاركته، نظراً لسجله في الفساد والإقصاء. وطالب ائتلاف «الوطنية» بزعامة إياد علاوي، بإعادة الانتخابات، وتشكيل حكومة تصريف أعمال، مشيراً إلى أن «نسبة المشاركة وفق إحصاءات جهات رسمية هي عشرون في المئة»، وقال الائتلاف إن «مراكز الاقتراع كانت مخترقة من الكيانات السياسية المهيمنة على السلطة».
ائتلاف «الحكمة» بزعامة عمار الحكيم، حصل على 19 مقعداً، وسارع زعيمه إلى زيارة مقتدى الصدر، وأعلن أن ائتلافه يمثل مع ائتلاف «سائرون» قاعدة الكتلة الرئيسية القادرة على تشكيل الحكومة.
أما الأحزاب السنية المشاركة في الانتخابات فقد توزعت على قوائم عدة، أبرزها (ائتلاف الوطنية) بزعامة إياد علاوي، نائب رئيس الجمهورية، الذي يقدم نفسه باعتباره علمانياً، ورئيس مجلس النواب سليم الجبوري. والسنة هم الخاسر الأكبر في الانتخابات؛ بسبب ضعف النخب وصراعها، وفقدان الحليف الإقليمي، بالإضافة إلى تداعيات الحروب التي جرت في مناطقهم خلال الأعوام الماضية.
كذلك دخلت الأحزاب الكردية هذه الانتخابات بقوائم مستقلة، تنافست في ما بينها، في وقت يشوب علاقاتها الكثير من الخلافات التي ضاعفها إفشال نتائج الاستفتاء على استقلال إقليمها عن العراق. فالحزب الديموقراطي فاز بنحو 25 مقعداً في البرلمان الاتحادي، في حين حصل الاتحاد الوطني الكردستاني على 18 مقعداً، وحصلت حركة التغيير على 5 مقاعد، وحراك الجيل الجديد على 4 مقاعد، وهناك مقعدان لكل من التحالف من أجل الديموقراطية والعدالة، والاتحاد الإسلامي، والجماعة الإسلامية.
وتشكّل نتائج الانتخابات العراقية، إجمالاً تحدياً لإيران، ولقدرتها على إعادة تجميع الكتلة الشيعية، في تحالف يتقاسم السلطة، مع إشراك ممثلين عن الأكراد والسنة، وقد تناقلت مصادر إعلامية وجود قاسم سليماني في بغداد لإنجازه هذه المهمة. فسبق أن نقل عن إيران، أنها قالت علانية قبل الانتخابات إنها لن تسمح لكتلة الصدر، التي تمثل تحالفاً متبايناً من الشيعة والشيوعيين وجماعات علمانية أخرى، بتولي الحكم. وهنا تجد إيران نفسها مجبرة على التحكم في النظام الحاكم في العراق، باعتباره خط الدفاع الأخير عن أمنها القومي، في ظل الضغوط الأميركية عليها، والقصف الإسرائيلي المتكرر لقواعدها في سورية.
لا أحد ينكر ما يحظى به العراق من أهمية استراتيجية لدى واشنطن، أما انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وإعلانها استراتيجيتها الجديدة ضد إيران، فقد أعادا العراق إلى صدارة الاهتمام الأميركي، بعد أن كان شهد تراجعاً خلال الفترة الرئاسية الأخيرة لأوباما. وتعمل إدارة ترامب على احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة، والحد من تهديده كيان الاحتلال الإسرائيلي، في سياق فلسفة ترامب القائمة على ضرورة جني مكتسبات مالية من الوجود العسكري الأميركي في المنطقة.
احتمال إعادة الانتخابات وارد في واحدة من مرحلتين؛ الأولى في حال طالت فترة المفاوضات وتعثر تشكيل الحكومة، من جراء فشل الكتل على الاتفاق على تقاسم المناصب والوزارات، أو التشكيك في نتائج الانتخابات، أو إلغاء بعضها. والثانية، بعد تشكيل الحكومة، حين تتعرض أعمالها للإعاقة، وتُسحَب الثقة منها أو من بعض ممثلي مكوناتها، وهو ما يفكك تحالف الحكم أو بتدخل السلطات القضائية في أي مرحلة. والعوامل المساعدة لهذا، تقارب نتائج الانتخابات وغياب الكتلة (الضامنة) المتصدرة بفارق كبير يمكِّنها من تجميع الكتل الأخرى حولها، واشتراط موافقة البرلمان على برنامج الحكومة وعلى كل وزير على حدة في تصويت منفصل بالأغلبية المطلقة.
وإضافة إلى ذلك، يدور صراع الزعامة، بين قيادة الكتل المتطلعة لتشكيل الحكومة، في ظل بيئة استقطاب محلي وإقليمي، واستراتيجية أميركية تتوعد بالحد من نفوذ إيران في العراق ودول المنطقة. وإن كان ما يحدث على الأرض في العراق هو توغل إيراني بالفعل، فقد أفسد على العراق والعراقيين فرحتهم نحو استقرار مفقود للعقد الثالث، فإلى متى يبقى هذا الدور الخبيث متمثلاً في إيران عندما تفسد الانتخابات العراقية؟ كذلك فإن رهانات القوى يحصد ثمنها العراق والعراقيون.
* كاتبة مصرية | |
|