| | التاريخ: حزيران ١٦, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | «تجديد» الإسلام السياسي من ... منبج - مرح البقاعي | «منبج على أعتاب مرحلة جديدة، فقد بدأ فيها تسليم مقاليد الأمور لإدارة مدنية يديرها أهلها. لقد اطلعنا على التجربة وقلنا للإخوة في الإدارة المدنية والمجلس العسكري إن تجربتهم لا يمكن أن تنجح إذا تم إقصاء جزء من أهلها، وبخاصة الشخصيات الوطنية المدنية والعسكرية، وعقدنا لقاءات مع أهلنا من منبج في منطقة درع الفرات. تركيزنا الآن على إعادة اللحمة إلى المدينة ومجتمعها المدني، لتكون منبج نموذجاً سورياً يُحتذى. لا أحد في منبج يطالب بالوجود الأميركي أو التركي، وهذا الوجود أو ذاك سببه الآن وجود هواجس يمكن حلها بالتفاهم بين الجميع».
هكذا حدثني نائب رئيس «حركة التجديد الوطني»، محمد سرميني، حين سألته عن أسباب وأهداف زيارته الأخيرة إلى منبج ضمن وفد من الحركة الحديثة العهد (تأسست عام 2017)، والتي أخذت حيزاً رسمياً وإشهاراً إعلامياً لافتاً. الزيارة جاءت تزامناً مع إعلان واشنطن وأنقرة عن خارطة طريق لمدينة منبج بعد انسحاب وحدات حماية الشعب الكردية منها تنفيذاً للبند الأساس في الخارطة.
من نافلة القول إن الزيارة تحمل نكهة أميركية بتوابل ومقبلات تركية (وما أشهرها وأشهاها!). فترتيب الأمور الأمنية واللوجيستية والإدارية في منبج يأتي تالياً لدخول تركيا وحلفائها من قوات درع الفرات إلى عفرين وفرض إدارة مدنية عليها بالمذاق التركي نفسه. وإذا اقتبسنا من الواقع الجغرافي والسكاني للمدينتين، كونهما تقعان غرب نهر الفرات وبأغلبية كردية (قبل التهجير القسري)، نستطيع أن نفهم التناقض في التصريحات التركية من جهة، والأميركية من جهة أخرى، إثر ساعات فقط من إعلان خارطة طريق منبج بتوافق الدولتين.
فقد أشار المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، ايدريان غالاوي: «إن خارطة الطريق التي وضعتها الولايات المتحدة وتركيا حول منبج تنطبق على هذه المدينة فقط، وليس على مناطق أخرى في سورية»، وذلك رداً على ما صرح به وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، عن إمكان «نقل نموذج خارطة الطريق في شأن منبج إلى مناطق أخرى تنشط بها وحدات حماية الشعب الكردية»، الوحدات التي تشكّل جزءاً أساساً من قوات سورية الديموقراطية. ومن تناقض التصريحين نستطيع أن نقرأ المشهد المستجد في الشمال السوري، حيث المصالح التركية مصانة من الحليف الأطلسي في جوار حلب وإدلب ضمن دائرة نفوذ أنقرة وحلفائها غرب الفرات، غير أن شرق الفرات له ترتيبات وأحلاف لن تنفضّ على المدى المنظور بين الولايات المتحدة وحلفائها الكرد في قتال داعش. وليست التغريدة التي وضعها وزير الخارجية الأميركي على حسابه الخاص ببعيدة عن هذا السياق. فقد غرّد قائلاً: «نرحب بإطلاق قوات سورية الديموقراطية عملياتها ضد داعش في مدينة الدشيشة في ريف الحسكة. لنا الثقة الكاملة بشركائنا ونفتخر بتعاوننا معهم لتطهير سورية من بطش داعش وبناء مستقبل أفضل لكل السوريين».
مما تقدّم نستطيع أن نجزم بأن أميركا لن تساوم أو تتخلى عن شركائها الكرد ترجيحاً لمصلحة تركيا، بل الأمر يتعلق باقتسام النفوذ حسب الأولويات الأميركية، وكذا ضبط إيقاع الطموح الكردي في سورية كما حدث سابقاً في كردستان العراق إثر إطلاق الاستفتاء على استقلال الإقليم الذي أطاح بالرئيس مسعود برزاني بعد أن حذّرت واشنطن من تبعات هكذا استفتاء.
أما عن حركة التجديد الوطني ولماذا وقع عليها الخيار لتكون زيارتها لمنبج فاتحة الزيارات على رغم الظروف الأمنية المعقدة، فقد نجد الإجابة في رؤية هذه الحركة التي ترتكز على «إعادة النظر في الموقف السلبي للإسلاميين من الدولة الوطنية ومشروعها التنموي، وضرورة فصل المؤسسات الدينية عن مؤسسات الدولة الحديثة، ومدى ملاءمة العلمانية للحالة السورية، فضلاً عن أهمية تفكيك نموذج الإسلام السياسي المتشدّد». وفي السؤال عما إذا كانت الحركة هي «تجديد» لجماعة الإخوان المسلمين أوتدوير لها بما يتماشى مع خارطة النفوذ الجديدة في سورية، فإن وثائق الحركة تشير إلى أن «أبرز ما تعرضت له الحركة من انتقادات شديدة نتيجة لخطها السياسي البراغماتي جاء من جماعة الإخوان المسلمين السورية التقليدية، التي تبرأت من رئيس حركة التجديد الوطني، بما أكد نظرة بعض المراقبين إليها كحركة منشقة تمثل تمرد الجيل الجديد».
أما مؤسسات المجتمع المدني في منبج التي بأغلبها تتشكَّل من «الجيل الجديد» فقد أصدرت بياناً ترفض فيه بصورة قطعية الوجود التركي في المدينة.
فصل المقال يكمن في رمزية زيارة «التجديد» من حيث المكان والتوقيت، وبالتالي من حيث النتائج. فالأرض (غرب الفرات) غدت ذات لون تركي بموافقة أميركية معلنة، والتوقيت أقرته خارطة الطريق التي التزم بها الجانب الكردي وقام بسحب وحدات حماية الشعب خارج منبج (لانتهاء مهمتها في محاربة داعش كما جاء في بيان الانسحاب). أما النتائج فتبنى على هوية الوفد الزائر التي ترسل رسائل في اتجاهات متعددة - إقليمياً ودولياً - عن تحولات الإسلام السياسي في سورية، وحقيقة افتراقه عن جماعة الإخوان المسلمين ومتشدديها، وكم تقترب هذه الحقيقة من إعادة إنتاج فكر سياسي إسلامي أكثر اعتدالاً ينسجم مع نهج حزب العدالة والتنمية التركي في تعايشه مع علمانية الدولة، ويدعم إعادة انتخاب رجب طيب أردوغان لولاية رئاسية جديدة من خلال السوريين المجنّسين تركياً، إذ أكدت أنقرة أنها ستمنح جنسيتها لما يقارب 300 ألف سوري من ذوي الكفاءات على مراحل، بينما بلغ عدد المجنّسين الذين يحق لهم التصويت حالياً 17500 سوري تركي.
* كاتبة سورية | |
|