| | التاريخ: حزيران ٥, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | عزل الحركة النسائية عن المجتمع المدني - فهمية شرف الدين | درجت الادبيات التي رافقت الدعوة الى اعادة النظر بالروايات الكبرى في نهاية القرن العشرين ان تعطي اولوية للحركات الاجتماعية باعتبارها حواصل اجتماعية لقضايا التغيير. وقد ساهم المنظرون والباحثون الاجتماعيون في اعادة النظر بمفاهيم كثيرة لعل ابرزها هو مفهوم المجتمع المدني. ولان كان السجال حول المجتمع المدني وجذوره المعرفية لا يزال يخترق الخطاب النظري والسياسي ويتخذ ابعاداً ايديولوجية مختلفة تتصل بمستويات العلاقة بالآخر فإن ذلك لم يمنع هذا المفهوم من التمدد والانتشار، وتحميله مسؤوليات ليس اقلها عبء تحقيق الديموقراطية واقامة دولة القانون، وقد يكون التساؤل حول دور المجتمع المدني في تفعيل مشاركة المرأة في الحياة السياسية نموذجاً لهذه الرؤية التي احالت مسؤولية التغيير الى جماعات لم تثبت قدرتها على انجاز التغيير حتى الآن. ولست هنا لأشير الى ما يحصل في البلاد العربية التي شهدت تحشيداً سرعان ما اطلق عليه تسمية المجتمع المدني، من دون النظر الى آليات نشأته وآليات انتظامه، فالمجتمع المدني ليس حشداً من الناس بل هو اطار تنظم فيه علاقات الافراد والجماعات على أسس ديموقراطية، مع ما تحمل هذه الكلمة من حقوق سياسية واقتصادية وثقافية.
ويصبح التساؤل الاول هنا ليس فقط عن وجود مجتمع مدني في لبنان في ظل استقطابات طائفية ومذهبية تحول في رأي دون بلورة مجتمع مدني قادر على حمل اهداف وقيم تغيرية تنتمي الى قيم دولة المؤسسات بالمعنى الحديث للكلمة، بل على قدرة هذا المجتمع المدني ان وجد على احتواء الافكار والمفاهيم التي رافقت صعوده في مواطن نشأته الاولى (الكلام هنا على دولة كل المواطنين على دولة الحقوق). وقد أوضحت مسارات الانتخابات النيابية التي جرت مؤخراً كم كان "المجتمع المدني" ضعيفا ومفككاً.
التساؤل الثاني يتمحور حول عزل الحركات النسائية عن المجتمع المدني، وفي رأي ان هذا العزل مؤسس على الرؤية التقليدية للأدوار الجندرية التي تعزل كل ما له علاقة بالمرأة في مجالٍ خاص، يهتم بشؤون المرأة واحتياجاتها العملية. ويقع التساؤل هنا حول الحركات النسائية وقدرتها على التحول الى حركة اجتماعية تضع اهدافها الخصوصية من ضمن سلة المطالب التي يرفعها المجتمع المدني.
لا نستطيع وليس مقبولاً ان تبقى الحركة النسائية حركة قطاعية تهتم فقط بأهدافها، فالمشاركة في صنع القرار التي هي مطلب اساسي للحركة النسائية لا بد ان تمر بالانخراط العضوي بالمطالب العامة التي ترفعها المنظمات الحقوقية والسياسية، كتطبيق الدستور وسيادة القانون واحترام الحقوق وفي رأسها المساواة الكاملة والحريات العامة.
واذا كنت من المعترضين دائماً على فكرة الوحدة والتوحيد لما لهذه المفاهيم من اثر سلبي على قدرة الافراد الابداعية وحقوقهم الانسانية، الا انني اعرف جيداً ان القصد من الاشارة الى توحيد الاجندة يضمن توحيد الاهداف وليس توحيد الممارسات والاساليب.
لقد سنحت لي الفرصة منذ عشر سنوات لأقوم بدراسة نظرية حول كيفية مقاربة تاريخ الحركات النسائية في العالم العربي وقادني ذلك الى مراجعة تاريخ حركات نسائية عالمية كالحركة النسائية الفرنسية والاميركية ووجدت ان نجاح الحركات النسائية كان يتقاطع دائماً مع الحركات الاجتماعية ومع الاحداث التاريخية التي تكون خصوصية هذا البلد او ذاك. وقد اشارت سارة ايفنز في كتابها "الحرية" الى دور حركة الحقوق المدنية في تعزيز نضال المرأة الاميركية لنيل حقوقها كاملة، كما ان قراءة تاريخ تطور الحركات النسائية اللبنانية يظهر الاثر الموضوعي لاعتراض المحامين على اقصاء النساء من قانون الانتخاب سنة 1952 الذي صحح في 1953 وأتاح للمرأة المشاركة السياسية.
يجب ان لا ننسى ان تظاهرات النساء من اجل الاستقلال ادت الى لفت النظر الى ادوار جديدة للنساء لم تكن على جدول اعمال الحركات النسائية قبل ذلك.
ولن استرسل بشرح العقبات والعوائق التي حالت وتحول دون هذه المشاركة ولدينا ثبت طويل للمراجع والمصادر.
ما نحن بحاجة اليه هو الاجابة عن السؤال الاساسي هل تحولت الحركات النسائية الى حركات اجتماعية مع ما يعنيه ذلك من انخراط عملي في النضال من اجل تحسين شروط الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؟ مثلاً موقف الحركات النسائية من انتخاب رئيس الجمهورية.
والسؤال الثاني هل تجاوز المجتمع المدني الافكار التقليدية حول الادوار الجندرية للنساء والرجال وهل لدى منظماته السياسية والثقافية والاقتصادية رؤية قائمة على المساواة بين الجنسين؟ هل تعتبر المساواة هدفاً اساسياً للمجتمع المدني
ان توحيد الاجندة بين المجتمع المدني والهيئات النسائية لا يمكن ان يتحقق من دون مراجعة جدية للرؤية كما للغايات التي يسعى اليها المجتمع المدني بكل قطاعاته على ان تكون الرؤية شاملة لأهداف الحركات النسائية واهمها المساواة الكاملة في الادوار بين الرجل والمرأة.
ما العمل اذاً، وكيف نبني التحالفات مع قطاعات المجتمع المدني؟ وهل تستطيع الحركات تعزيز تفاعلها مع المجتمع المدني؟
الإجابة ليست صعبة. وامامنا تجارب كثيرة ادت كما نعلم الى تقاطعات اساسية خاصة في السياسة وتتضمن الاجابة الدعوة الى الالتزام بمبدأ المساواة بين الجنسين، والمساواة لا تعني فقط المساواة امام القانون، بل هي اعتراف قيمي وسلوكي بحقوق المرأة باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من حقوق الانسان. لكن الإجابة الاهم هي التي على المجتمع المدني ان يقدمها وهي اجابة تتجاوز الدعم المطلوب لمطالب النساء نحو تبني كامل لهذه المطالب واعتبارها جزءاً من النضال الوطني امامنا تجربة الآن، لعلنا ننجح في بناء التحالفات، فننجح في تحقيق المطالب.
أستاذة في الجامعة اللبنانية - عضوة سابقة في الهيئة الوطنية للمرأة | |
|