| | التاريخ: حزيران ٥, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | نصيحة بعدما أصبح الكلام عن مكافحة الفساد (في لبنان) مَضْحَكة - جهاد الزين | يمكن للرئيس ميشال عون أن يعيد الاعتبار "اللغوي" إلى شعار مكافحة الفساد عبر بعض "الإجراءات". أتكلم هنا عن الكلام عن مكافحة الفساد لا عن مكافحة الفساد والأمران مختلفان ولو كانا متّصلَيْن.
هنا بعض الاقتراحات من موقعي كصحافي مراقب للكلام السياسي، الكلام الذي يرسم بيئات التعبير في البلد ويؤثِّر بل يقرر منحى جدية المضمون أو عدمه.
1- اليوم ينقسم العالم من زاوية الكلام عن مكافحة الفساد إلى قسمين ليسا بعيدين عن قسمة الدول المتقدمة والدول المتخلفة وإن كانت هناك بعض الاستثناءات سلبا أو إيجابا، إنما التصنيف العام يطابق عمليا بين فئتين: أولى تضم الدول المتقدمة، مكافحة الفساد هو جزء يومي من آلية النظام السياسي في كل منها، والثانية الدول المتخلفة ومنها الفاشلة حيث لا مكافحة فساد حقيقية فيها بل يسيطر الفساد بكل أشكاله على حياتها السياسية ولو كان الكلام عن مكافحة الفساد كثيفا ومألوفا ويوميا فيها. لبنان، لا شك، هو في الفئة الثانية.
هناك مؤشر علمي يربط بين نسبة الكلام عن مكافحة الفساد في مجتمع سياسي ما، وبين غياب آليات المكافحة بأشكالها السياسية والقضائية والبوليسية.
لا أعرف إذا كان هذا المؤشر استخدم أو حتى وُضِع في لبنان ولكن مؤسسات بحثية جادة تعتمده في "مراقبة" العديد من البلدان المتخلفة.
2- نحن مقبلون على وضع، على الأرجح سيكثر فيه ابتذال استخدام تعبير مكافحة الفساد، إلى حد يمكن القول معه أن مرحلة جديدة من الابتذال ستبدأ قريبا في البلد على يد قوى نافذة ستضعنا أمام حالة عبثية من استحالة إصلاح النظام السياسي.
3- يمكنك فخامة الرئيس على ضوء ما سبق أن تدعو في بيان خاص وحتى في بيانات متلاحقة إلى مطالبة القوى السياسية بالحد من الكلام عن مكافحة الفساد والتقدم مقابل ذلك ببرنامج مؤسساتي عملي يحدد الملفات الأساسية للفساد وبالتالي أولويات المكافحة بدل استمرار التشدق بالرغبة في مكافحة الفساد.
مقصد هذا الاقتراح الذي يتعلق بالكلام أن تسعى رئاسة الجمهورية إلى وقف، أو الحد من، الثرثرات المؤذية والممنهجة عن مكافحة الفساد بما يعيد الاعتبار لهذا الشعار. باختصار أنتَ مطالَبٌ بخلق حالة تهيب حول تناول مسألة مكافحة الفساد على الأقل على مستوى الدولة.
4- مقابل ذلك هذا التحرك الضد كلامي أو الضد استسهال الكلام لماذا لا تطرح كرئيس للدولة مباشرة على الرأي العام ونخبه سؤالا عن تشكيل استراتيجية لمكافحة الفساد بغية خلق نقاش فعلي حول هذا الموضوع الصعب والذي بات يبدو يائسا للكثيرين. وهو نقاش يجب أن ينطلق من أصعب نقطة، طرحها أحد السياسيين الظرفاء مؤخرا بجدية كاملة، وهي أن "الشعب اللبناني فاسد"، بتعبير آخر أن ثقافة الفساد تسيطر على المجتمع اللبناني كله أو ما يُسمّى نمط الحياة اللبناني وليس فقط طبقته السياسية.
هنا لا بد من الاستدراك أن هذا النمط له وجوهه المتداخلة كونه في "البلد المهم - الدولة التافهة" لبنان... وسبق أن سجلت الدراسات حول لبنان في الخمسينات والستينات من القرن المنصرم مظاهر تعقيد هذه المسألة. كما تلك المتعلقة بالأنشطة الخارجة على القانون وما تضخه من أموال في الناتج المحلي! لذلك المسألة هنا تتعلق بالممارسات داخل الدولة قبل أي شيء آخر. وهي أبعد من مجرد رشى ينالها هذا الموظف أو ذاك المسؤول، على أهميتها القصوى، لأن الفساد - الماكرو في الدولة بات حالةً مُمأسَسةً ولها حراسها الأقوياء الذين هم أنفسهم يتحدثون عن مكافحة الفساد!
لنبدأ ضد الكلام... استسهال الكلام. كل إجراء عملي هو أثمن من ملايين الكلمات الفارغة. استراتيجية (الكلام عن ) مكافحة الفساد أكثر إلحاحا من الاستراتيجية الدفاعية! وكلاهما تتعلقان بالأمان الوطني الذي يصنعه في هدنته الحالية فقط توافق دولي مشكور. | |
|