| | التاريخ: حزيران ٣, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | بين الضريبة والإضراب: متاهة المواطن ومكابداته - موسى برهومة | لم يكن الإضراب، الذي شهده الأردن الأربعاء الماضي، وليدَ قانون الضريبة المعدّل فقط، بل كان ثمرة تراكمات مشحونة بالغضب، عبرت عن نفسها بالكثافة العددية التي شاركت في الإضراب الذي دعت إليه النقابات المهنية، وحثت المواطنين على الالتزام به، فكانت النتائج مبهرة، ومنذرة بما هو أبعد من مجرد احتجاج عابر.
المواطن الأردني يرزح تحت نير ضغوطات اقتصادية غير مسبوقة، حيث إنّ الغلاء وصل حدوداً لم يعد أبناء الطبقة الوسطى قادرين على تحملها، فما بالك بالطبقة الفقيرة التي تشكل، بحسب تقديرات البنك الدولي، أكثر من ثلث الشعب الأردني الذي يكابد الأمرّين من أجل تأمين الحاجات الأساسية للحد الأدنى من العيش الكريم؟
والذين يعملون في الخليج يقارنون بين عمّان ومدينتي دبي وأبو ظبي، على سبيل المثل، فيجدون أنّ الغلاء في العاصمة الأردنية يتعدى هاتين المدينتين الإماراتيتين اللتين تتميزان بدخول عالية قادرة على مواكبة الغلاء، في مقابل دخل الأردني المتآكل، إذ لا يتجاوز معدل دخل 85 بالمائة من الأسر الأردنية أكثر من 534 ديناراً (زهاء 750 دولاراً)، وفق أرقام أصدرتها دائرة الإحصاءات العامة حول مسح دخل ونفقات الأسرة لعام 2013 /2014.
ويصارع الأردن من أجل البقاء في ظل تحديات اقتصادية وسياسية استنزفت مقدراته، فضلاً عن استشراء الفساد، وضعف الرقابة عليه واهتراء آليات المساءلة والشفافية، ما جعل الديْن العام للمملكة يبلغ أكثر من 38 بليون دولار، أو ما نسبته 6.95 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، بحسب وزير المالية الحالي.
وكان الأردن أطلق خطة لتحفيز النمو الاقتصادي 2018 - 2022 اشتملت على إستراتيجيات اقتصادية ومالية، موزعة قطاعياً تعمل على تأطير ملامح الرؤية والسياسات المتعلقة بكل قطاع لمجالات النمو. بيْد أنّ المواطن الأردني لم يلمس من عناوين تلك الخطة إلا مزيداً من فرض الضرائب التي لم يعد يحتمل معها صبراً، فكان الإضراب الأخير، وستكون هناك إضرابات تتبعه، وقد يخرج الأمر عن السيطرة، ما لم يتم التعامل مع العاصفة بحذر وحكمة.
وعكست مواقع التواصل الاجتماعي التذمر الشديد لدى قطاعات واسعة من الشعب الأردني التي دعت إلى الإضراب وحفّزت على المشاركة فيه بفعالية، فيما خط ناشطون عبارات ومنشورات كشفت عن جوانب الضيق من استهداف الحكومات المتواصل لجيب المواطن التي أدمتها الثقوب.
ومما كُتب على موقع «الفيسبوك»: في المجتمعات، التي فتح الله عليها، يُقبِل المواطن على دفع الضريبة عن طيب خاطر، وقلّما يتهرّب من الضرائب، لأنه يعلم علم اليقين أنّ هذه الضرائب ستصبّ في خدمته وخدمة عائلته ومستقبله، وستعمل على توفير الأمان النفسي له.
ولكنّ الأردني، الذي أصبح جيبُه المثقوب الهدفَ الوحيدَ للحكومات، يتبرّم من دفع الضرائب ويحتجّ عليها، ويعلن الإضراب بسببها، لأنه يشعر بأنها جباية بلا مردود، فهو:
1- يُنفق على تدريس أبنائه في المدارس الخاصة، لأنّ التدريس الحكومي دون المستوى المطلوب.
2- يصرف على علاجه في المستشفيات الخاصة، ويدفع كلف التأمين، لأنّ غالبية مستشفيات الحكومة «مسالخ» والتأمين الصحي المجاني مثل حلم إبليس في الجنة.
3- يشتري سيارة، فيدفع أضعاف ثمنها للضرائب والجمارك. ويدفع من أجل ترخيصها مبلغاً وقدره.
4- يعبّئ سيارته بنزيناً تتقاضى الحكومة أضعاف سعره.
5- يشتري منزلاً متواضعاً، فيُجبَر على دفع ضرائب مسقفات سنوية.
6- يشتري بطاقة هاتف موبايل، فيدفع عليها ضريبة بقيمة 56 في المئة.
7- أما ضريبة المبيعات فحدّث ولا حرج.
ومضى المعلق يقول: في العالم، الذي فتح الله عليه، يُعرّف المواطن بأنه «دافع الضريبة»؛ لأنّ العلاقة بين الضريبة والخدمات التي يتلقاها المواطن كبيرة جداً، ومثمرة: تعليماً وعلاجاً وضماناً اجتماعياً وتأميناً صحياً، وخدمات في الشوارع والحدائق والمرافق العمومية، وسوى ذلك من أسباب الراحة والرفاهية التي تجعل التهرّب الضريبة عيباً ومجلَبة للعار!
وختم: ما زلتُ أكرر مقولة حكيم قال، منذ سالف العصور، إنّ «الدورق يمتلئ قطرةً قطرة»...
فهل من متّعظ؟! | |
|