التاريخ: أيار ٣٠, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
انتخابات مشكوك في صدقيتها - مشرق عباس
سواء نجح البرلمان العراقي في إلغاء جزء من نتائج الانتخابات، أم لم ينجح، وسواء تمكنت لجنة التحقيق الحكومية من إجبار المفوضية المستقلة للانتخابات على إعادة جزء من العد والفرز اليدوي أم لم تفعل، فإن الانتخابات العراقية التي أجريت في 12 من الشهر الجاري قد تعرضت لطعون وشكوك كبرى لا يمكن علاجها سترافق الوضع السياسي الهش في العراق وتؤثر فيه وتغذي العداء نحوه.

وابتداء، فإن البرلمان العراقي الذي انتهت ولايته تقريباً ويحاول قبل أن يغلق أبوابه تحقيق تغيير في نتائج الانتخابات، هو البرلمان نفسه الذي اختار بالإجماع مفوضية الانتخابات الحالية بعد أن ضرب عرض الحائط مصطلح «المستقلة» ووزع مناصبها بين أحزابه، كما أن البرلمان نفسه الذي أقر قانون انتخابات غير عادل يفتح الباب أمام الطعن والتزوير والشكوك لكنه يضمن أوزان القوى الكبرى ويضعف فرص التغيير، وهو البرلمان الذي فرض استخدام آليات العد والفرز والتحقق عبر أجهزة إلكترونية من السهل الطعن بها ومن السهل اختراقها وتزوير نتائجها.

واقع الحال أن البرلمان المغادر هو أكثر من ارتكب الأخطاء، وأكثر من أضاع فرص الإصلاح، وأكثر من طعن بالوحدة الوطنية، وأكثر من حول منبره إلى ساحة تصفية حسابات سياسية على أكوام جثث العراقيين، وعلى ركام مدنهم.

ومنذ البداية لم يُخضع النواب الذين يحللون اليوم بحماسة نتائج الانتخابات بعد أن فقدوا مقاعدهم، قانون الانتخابات إلى الفحص الموضوعي، لم يفكروا لماذا كانت النخب العراقية تصر على ضرورة تغييره؟ ولماذا تظاهر العراقيون من أجل قانون جديد؟ ولم يعيروا اهتماماً في تلك المرحلة التي سمحوا بها بتمرير قانون انتخابات مليء بالثغرات، بذلك الفخ الذي دفعوا إليه بلادهم من جديد، بعد أن كانت الفرصة مواتية لإنقاذها في مرحلة ما بعد «داعش».

الأكثر أن هؤلاء النواب الذين يتشدقون بالدستور وبمعرفتهم بنصوصه، والتزامهم به، سمحوا عبر استخدام آليات التصويت الإلكتروني المراوغة التي لا يفهمون بها، ولم يستعينوا بخبراء ليساعدوهم في الفهم، بنسف مادتين أساسيتين من الدستور هما المادة 5 والمادة 49 اللتان شددتا على أن يكون «الاقتراع سرياً» الأمر الذي اثبت خبراء التكنولوجيا عدم تحققه في الانتخابات العراقية، بسبب ثغرات في أجهزة التحقق وأجهزة العد الإلكتروني قد تسمح في ظروف مقاطعة قاعدة البيانات للأجهزة بكشف اسم وعنوان وطريقة تصويت كل ناخب.

كان من الواضح عندما بدأت أحزاب في وقت مبكر شراء بطاقات الانتخاب من الأهالي، أنها تمتلك معلومات كافية عن آليات التصويت القابلة للاختراق، وأن دراسات تمت على أسلوب التعامل مع أجهزة التحقق وأجهزة العد والفرز، وأن التجربة التي أريد لها أن تقلل من التزوير كانت في الحقيقة معبراً سهلاً للتزوير.

في لحظة تشكيلها لم تكن مفوضية الانتخابات التي تقاسمت مواقعها الأحزاب شفافة وصادقة في التعاطي مع الشكوك حول أجهزة العد والفرز والتحقق، كما أنها لم تكن شفافة في مرحلة إعلان نسب التصويت المشكوك فيها، ولا في طريقة عرض نتائج الانتخابات، والطعون التي سيقت بعد ظهور النتائج، ما جعلها طرفاً في الفوضى التي تنتشر اليوم في العراق وتفرض نفسها على المشهد مهددة بخيارات كارثية.

لن يكون مفيداً إحداث تغيير جذري في نتائج الانتخابات بناء على الطعون، فلو طبقت بالفعل قرارات البرلمان غير الملزمة للمفوضية، ستفتح الباب لمتوالية جديدة من الطعون التي لا يمكن إيقافها، كما أن التعامل مع الانتخابات باعتبارها أمراً واقعاً سينسف آخر مقومات الوضع السياسي المضطرب ويعمق قطيعته مع الشارع العراقي.

إن الحلول المطروحة لمعالجة الأخطار التي تفرضها اليوم عملية انتخابية مطعون في نزاهتها تكاد تكون مقفلة النهايات، وربما يحتاج الأمر أكثر من أي وقت سابق إلى مراجعة شاملة لقانون الانتخابات وآلياتها والجهات التي تشرف عليها، وأن تسمح هذه المراجعة السياسية التي قد تمنح فترة عامين فقط، بإجراء انتخابات مبكرة بإشراف دولي، وبرؤية جديدة هدفها ضمان السلم الاجتماعي لا العمل على نسفه.