| | التاريخ: أيار ٢٨, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | موازنة "المواطِنة والمواطن" بين أيدي النواب: أرقام ومؤشرات خطرة | سلوى بعلبكي
اكثر من نصف النواب دخلوا البرلمان للمرة الأولى الخميس الماضي، بينهم عدد لافت من رجال أعمال يعوّل عليهم للمساهمة في انقاذ اقتصاد البلاد بعدما نجحوا في تأسيس مؤسساتهم واعمالهم الخاصة ووصل بعضها الى خارج حدود الوطن. فهل ستكون أولوياتهم التشريع لمصلحة المواطن والاقتصاد ومراقبة عمل الحكومة الجديدة؟
بين ايدي النواب وثيقة اقتصادية بالغة الاهمية هي "المواطنة والمواطن للعام 2018" التي أصدرتها وزارة المال ومعهد باسل فليحان المالي من ضمن سلسلة موجهة الى المواطن بقصد الافساح في المجال أمام الرأي العام من مواطنين ومواطنات وقطاع خاص ومختلف مكوّنات المجتمع المدني للحوار وإبداء الرأي والتفاعل حول أولويات الحكومة الاقتصادية والاجتماعية وأوجه إنفاق المال العام وطرق تمويله، ولممارسة دورهم في المساءلة والمحاسبة بصورة مستنيرة.
الوثيقة تصدر للمرة الأولى وتقدم معطيات الموازنة المُقرّة في مجلس النواب السابق وتعرض أبرز التوجّهات الماليّة للحكومة، اضافة إلى البنود الإصلاحية الملحوظة. واللافت فيها هو تطور الوضع الاقتصادي في الاعوام السابقة إذ يتبين ارتفاع العجز الذي وصل الى 5200 مليار ليرة من دون ان يشمل سلفة الخزينة لمصلحة مؤسسة الكهرباء التي إن احتسبت يصبح العجز 7304 مليارات ليرة.
ويؤكد مطلعون على الوثيقة أن اهميتها، اضافة الى ما تتضمنه من أرقام ومؤشرات يجب التوقف عندها طويلاً، في أنها ستحسن من مؤشرات الشفافية، لا سيما مؤشر الموازنة المفتوحة حيث تقدَّر درجة لبنان بنحو 3 من أصل 100 درجة، في حين ان المتوسط العالمي لهذا المؤشر هو 42. لكنهم في المقابل يؤكدون أن الشفافية وحدها ليست كافية إن لم تترافق مع مشاركة حقيقية للمجتمع المدني والقطاع الخاص في تحديد اولويات الانفاق وأوجهه، خصوصا ان الحكومة العتيدة في صدد البدء بتحضير مشروع موازنة 2019، فكيف سيتم ذلك وهل ستؤخذ في الاعتبار اولويات المواطنين والاقتصاد؟
الوثيقة تبين أن ابرز نفقات الموازنة العامة هي الرواتب والاجور وملحقاتها التي بلغت 42% من النفقات الاجمالية، وهذه النسبة مرتفعة مقارنة بمثيلاتها في دول أخرى (36% في مصر على سبيل المثال)، علما ان مصادر عدة ترجح أن تكون هذه النسبة اعلى اذا ما تم احتساب المبالغ التي تُدفع لتغطية رواتب المستشارين وموظفي مشاريع الامم المتحدة في الادارات العامة، وكذلك أجور العاملين لدى مقدمي الخدمات المتعاقدين مع مؤسسة كهرباء لبنان، على سبيل المثال، ومصالح المياه. ورغم هذا الانفاق الكبير على القوى العاملة، ورغم ما وعدت به الحكومة من تحسين للانتاجية والخدمات للمواطنين مع تحسين أوضاع العاملين في الدولة، لم يلاحظ المواطن اي تحسن يُذكر، بدليل أن الهوة لا تزال كبيرة بين الدولة والمواطن الذي يعاني من اهمال على جميع المستويات.
فهل سيتقدم النواب الجدد باقتراحات لزيادة انتاجية الادارة ورأب الصدع بين المواطن والدولة؟ وهل يمكنهم ادخال قوانين جديدة تتعلق بالوظيفة العامة مثل تضارب المصالح (كأن لا يسمح بتوظيف الاقرباء في الادارة نفسها)، أو الحد من التوظيف السياسي والتوجه نحو ادارة حديثة للقوى العاملة بناء على الحاجات الاساسية والكفايات؟ وهل ستكون الحكومة قادرة فعلا على تنفيذ ما وعدت به من ترشيد التعويضات التي يتقاضاها الموظفون عن أعمال اللجان، وتحديد سقف لإعطاء المكافآت السنوية للموظفين والعاملين في الإدارات والمؤسسات العامة والقطاع البلدي وسائر أشخاص القانون العام، ومنع نقل اعتمادات إضافية من الرواتب وملحقاتها إلى المكافآت والأعمال الإضافية، علما أن هذه الاصلاحات مقرة في موازنة 2018؟ وكيف ستستطيع في مرحلة لاحقة خفض هذه الكتلة بما يتناسب مع التزاماتها في مؤتمر "سيدر"، في وقت لا يزال التوظيف قائماً على قدم وساق، وزيادات الاجور في المؤسسات العامة تقر تباعا في مجلس الوزراء؟
كل هذه الامور تحصل في ظل تنامي خدمة الدين التي تساهم في تغذية كتلة الدين العام، والتي باتت تقارب 151% من الناتج المحلي مقارنة بـ 139% في عام 2014. فهل سيعطي النواب الاولوية لاستراتيجية ذكية تسمح باحتواء الدين وتحقيق منحى تراجعي ووضع سياسات عامة تعيد النمو المنتج، خصوصا ان عددا منهم هم من كبار رجال الاعمال والصناعيين الذين يدركون بالفعل مكامن الخلل في النظام الريعي القائم؟
أرقام
23891 مليار ليرة هي إجمالي نفقات الموازنة العامة لعام 2018
21720.7 مليار ليرة نفقات جارية (تشغيلية) في موازنة 2018
2170.5 مليار ليرة نفقات استثمارية في موازنة 2018
18,686 مليار ليرة إيرادات متوقّعة لعام 2018 | |
|