| | التاريخ: أيار ١٧, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | انتخابات لبنان لا طائل منها؟ أنطوان قربان | عند سماع المسؤولين عن القوى السياسية الرئيسة، نرى أن كل فريق يعبّر عن بهجته الشديدة بصخب وضجيج احتفالاً بالنصر الانتخابي لمعسكره السياسي - الطائفي. هل يعني ذلك أن قانون الانتخابات الجديد نجح في تجديد الإستابلشمنت السياسي؟ بالطبع ينطبق ذلك على بعض الحالات، لكنها لا تُغيّر فعلياً المعطيات. الانطباع الذي نستمدّه هو أن الدولة اللبنانية، بوصفها جهة ناظمة مركزية للحياة السياسية، لم يتعزّز موقعها من خلال هذه العملية الانتخابية. لقد أظهرت الانتخابات، بعد حصولها، الطابع الواهي للذرائع التي تُساق لتبرير تمديد ولاية المجلس النيابي. لبنان قادر على تنظيم عملية انتخابية في أي وقت، وفي يوم واحد في جميع أنحاء البلاد. ما يطرح إشكالية هو تعداد الأصوات وتوزيع المقاعد، وفقاً لقواعد النسبية المعتمدة.
من هذا المنطلق، ما هي المحصّلة السياسية لـ"عرس الديموقراطية"، وفقاً للشعار الدائم الترداد؟ أقل ما يُقال هو أنه من الخطأ البحث عن تقدّم ما. كل صيحات النصر تُعلن انتصار العشائرية الطائفية. يؤكّد الثنائي الشيعي "حزب الله"-"أمل" قبضته المطلقة على الطائفة الشيعية وهيمنته على مجمل الحياة العامة، بفعل ترسانته غير الشرعية وروحه الميليشياوية. يبقى "تيار المستقبل"، وهو حزب الرئيس سعد الحريري، القطب الأساسي لدى الطائفة السنّية. لسوء الحظ، يبدو أن دوره الوطني يتعرّض للتحدّي. فهل لا يزال يحمل لواء مشروع "لبنان الرسالة" الذي جسّده رفيق الحريري واتفاق الطائف؟ لقد تعرّض هذا الحزب لمضايقات كثيرة إلى درجة أنه بات مرغماً الآن على أن يكون مجرد زعامة سنّية، وهو دور تُنافِسه عليه قوى سنّية أخرى موالية من دون شروط للنظام في دمشق، وتعود إلى مجلس النواب برفقة وجوه أخرى غير مسلمة موالية للنظام السوري. أما وليد جنبلاط فقد نجح في الحفاظ على صورة الزعيم الأول لدى الطائفة الدرزية، إنما أيضاً على الصورة التي انطبع بها في موقع الزعيم الوطني. وفي الأوساط المسيحية، تمكّنت هذه العملية الانتخابية من إعادة إرساء التوازن بين القوى داخل القطبية الثنائية المؤلّفة من حزب "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، و"التيار الوطني الحر"، أي تيار الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل. في حين حافظ "التيار الوطني الحر" على مواقعه، حقّقت "القوات اللبنانية" اختراقاً مدهشاً عبر مضاعفة عدد نوّابها في المجلس. وهذا يحمل بلا شك مؤشرات بأنه ستكون هناك صراعات قوية قائمة على المنافسة. أما في ما يتعلق بالقوى السياسية الأخرى، فلا تزال مواقعها على ما كانت عليه إلى حد ما. من هنا، يُطرَح السؤال: ما الذي أنتجته إذاً هذه العملية الانتخابية؟ الجواب بغاية البساطة. لقد ثبّتت الوضع غير السويّ الذي كان سائداً من قبل، أي التفسّخ الشديد للدولة والامّحاء شبه الكامل لدورها السياسي في موقع الجهة الناظمة المركزية. وموقع الرئاسة نفسه لا يُفلت من هذا الاستنتاج المؤلم. رئيس الجمهورية هو الأول بين الموارنة والمسيحيين، ورئيس الوزراء الأول بين السنّة، ورئيس مجلس النواب الأول بين الشيعة. لا جدوى من البحث عن شعب لبناني موحَّد وسط هذه الثلاثية الشيعية-السنّية-المسيحية، ناهيك عن الفارس الرابع، الدروز. إنما أين هي الدولة التي تؤمّن اللحمة بين مختلف هذه المكوّنات؟ لقد أعطى سمير جعجع التوصيف الأفضل لهذا الوضع بإعلانه أنه يجب أن تنصبّ الأولوية راهناً على الخدمات: الطرقات، النفايات، الاتصالات، إلخ. وفقاً لهذا المنطق، من الأجدى بلا شك أن تكون هناك مساكنة موقّتة مع "حزب الله"، الذي هو بمثابة دولة داخل الدولة، بانتظار أيام أفضل. هكذا تجري الأمور، للأسف، منذ عام 1968. تبقى السيادة اللبنانية رهينة مصالح استراتيجية خارج الحدود. هذه هي بالضبط "حرب الآخرين ومن أجل الآخرين" التي تحدّث عنها الراحل غسان تويني.
أستاذ في الجامعة اليسوعية | |
|