| | التاريخ: أيار ٥, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | سمير فرنجية أم حزب الله؟ - أنطوان قربان | قبل بضعة أسابيع فقط، كان يُنظَر إلى الديكتاتور الكوري الشمالي كيم جونغ - أون بأنه لاهثٌ وراء الأبوكاليبس مع ترسانته من الصواريخ الباليستية والاختبارات النووية. لقد صدّق العالم فعلاً أنه يقف عند حدود الكارثة بعد ردود الفعل غير الملائمة التي صدرت، أقله على "تويتر"، عن الرئيس الأميركي غير القابل للتوقّع دونالد ترامب. وها نحن نرى فجأةً، ومن دون سابق إنذار، رئيسَي الكوريتين، كيم جونغ - أون ومون جيه - إن، يقفان جنباً إلى جنب ويتصافحان، ويتبادلان ابتسامات عريضة ولياقات جميلة مطبوعة بالمودّة تترك بعيداً وراءها الحرب الكورية (1952) والحرب الباردة. ترتسم معالم عالمٍ جديد وتُنحَت، أمام أنظارنا، على وقع أحداث غير منتظرة.
صورة المصافحة بين كيم ومون، وهما يعبران في الاتجاهَين الخط الحدودي الأكثر انسداداً منذ عام 1952، تُجسّد صورة قوية، هي صورة قوة السلام التي لا تُقهَر. وهذه الصورة تحديداً هي التي لم يكف الراحل سمير فرنجية عن السعي إلى نقلها، فهو يُكرّر بلا كلل، في جميع أفكاره وكتاباته، أنه في نهاية نفق العنف الأكثر تطرفاً تلوح الآفاق السلمية للعيش المشترك المستعاد. من المناسب على وجه الخصوص التذكير برؤية سمير فرنجية الصائبة عشية الانتخابات التشريعية اللبنانية التي تُنظَّم بموجب قانون انتخابي شديد الانحطاط لأنه يؤجّج أسوأ النزعات التي تغذّيها الطائفية وضربات الغدر. يكفي أن نتأمّل في مجموعة الصور العملاقة المعلّقة على الطرقات. نادراً ما نقرأ، تحت هذه الصور، شعاراً سياسياً ذا مغزى. لقد فهِم المرشحون ومنظّمو حملاتهم الإعلانية جيداً الطبيعة المنحرفة لهذا القانون. تحت الرؤوس المبتسمة الجميلة والتي خضعت لتعديل تجميلي في "اللوك" أو للمسات "الفوتوشوب"، نجد دائماً ذكر الهويّة المذهبية/الطائفية للمقعد النيابي المنشود. وهذه الهوية هي التي تبقى مطبوعة في ذهن المواطن-الناخب، وكأن الهدف من الحملة الانتخابية بكاملها هو اختيار ممثّلين عن هذه الطوائف بغية التقاط صورة عائلية.
هل من رهانات سياسية معلَنة؟ لا وجود لها على الإطلاق. انتخبوني كي أشغل المقعد المخصص لطائفتي، هذه هي الرسالة التي توجّهها تلك الصور، وليس من رسالة أخرى. من النادر أن نقع على شعارات تتحدث عن الرهان السياسي الحقيقي الذي عبّر عنه منذ فترة وجيزة، وبوضوح شديد، أحد أبرز شخصيات "حزب الله"، النائب نواف الموسوي، عندما قال: "سوف تقرر الانتخابات المقبلة هوية لبنان". تابع الموسوي، في ترسيم إضافي لخط التصدّع والهوّة اللذين فرضهما حزبه: "الصراع في لبنان هو بين هوية سعودية تساوي الهوية الإسرائيلية، وبين عروبة النهج المقاوم الحاضر لمقاومة العدو الصهيوني في كل ساحة من ساحات المواجهة حتى لو امتدت إلى ماليزيا، أو كانت بتونس [...] وما نريده للبنان أن يكون له العروبة الحقيقية، وأما عروبتهم، فهي عروبة زائفة والاستسلام للكيان الصهيوني". يندرج هذا الخطاب في إطار الخط الذي يدأب "حزب الله" على سلوكه منذ الثمانينات: تحويل لبنان مجتمعاً حربياً من أجل فرض طوبى جمهوريةٍ إسلامية منسوخة عن النموذج الإيراني لعام 1979.
في عالمٍ يُحبّذ، أقله ظاهرياً، ديبلوماسية اليد الممدودة، وفق ما رأينا في اللقاء بين كيم ومون، أيُّ مستقبلٍ لجنون "حزب الله" الحربي؟ لا مستقبل في المبدأ. لا بد من أن هذه الميليشيا تدرك ذلك. ربما لهذا السبب ترتدي الانتخابات التشريعية اللبنانية أهمية حيوية بالنسبة إليها. لا شك في أن "حزب الله" يأمل، بفضل القانون الانتخابي المفصَّل على مقاس نظرته الخاصة إلى العالم، بتعزيز مكتسباته السياسية التي يُراكمها منذ اغتيال رفيق الحريري عام 2005، عبر وضع يده على مقدّرات الدولة اللبنانية اعتباراً من 7 أيار الجاري. هذا هو معنى تغيير الهوية الذي تحدّث عنه نواف الموسوي.
ينبغي على المواطن اللبناني، الأمين لرؤية منفتحة وتعدّدية عن بلاده، ألا يقع في الفخ، ويختار خط سمير فرنجية السيادي والسلمي، ويجسّد بطريقة ملموسة، في لبنان، بادرة كيم - مون عبر قطع الطريق، في صناديق الاقتراع، على المغامرة الحربية لـ"حزب الله" وحلفائه والتي دمّرت لبنان أكثر من مرة.
أستاذ في الجامعة اليسوعية | |
|