| | التاريخ: نيسان ٢١, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | روسيا «المنتصرة» وإدارة الصراع السوري بالوهم - سميرة المسالمة | من جديد يمكن السؤال عن إمكان قراءة الضربات»الجراحية» الأميركية والفرنسية والبريطانية في سورية، على أنها واحدة من الأدوات الدبلوماسية الغربية المعتمدة في تقليم أظافر إيران في المنطقة، وإعادة الوعي لروسيا لإدراك حجم دورها الموكل لها في الملف السوري، بعيداً عن «عنتريات» الرئيس فلاديمير بوتن، وتضخم الأنا، الذي عانى من أعراضه إثر نجاحه في عقد اتفاق ثلاثي ضم إليه كل من إيران وتركيا، لنزع حلب من تحت سيطرة المعارضة السورية، وإنشاء مسار تفاوضي جديد في العاصمة الكازاخستانية «آستانة»، يوازي بل يعطل مسار جنيف التفاوضي الأممي الذي يرعاه المجتمع الدولي، وهو ما كان بمكن أن يدفع بالأطراف السورية إلى إيجاد حل سياسي عادل يقوض سلطة نظام الأسد لمصلحة إقامة دولة ذات حكم غير طائفي ديمقراطية تعددية.
الانتصار المتبادل بين كل الأطراف المعنيين بهذه الضربات (سواء الضارب أو المضروب) له دلالاته التي يمكن مناقشتها، فالحلف الثلاثي انتصر في سياق إبعاد وهم التفرد الروسي، وانسياقه وراء وهم تحالفاته، بأن موسكو قادرة على صياغة مفهوم الشرق الأوسط الجديد بدءاً من سورية، وفق رؤيتها ومصالحها وتوافقاتها، وهو -في الآن ذاته- نصر على القدرات الإيرانية العاجزة عن حماية حليفها حتى إعلامياً، وبالتالي فإن الرسالة التي لم توجه أساساً إلى النظام السوري هي بأن القرار في المحصلة النهائية، ورغم تمدد مساحة نفوذه ميدانياً، هو قرار فوق داخلي (سوري- روسي)، أي أن أميركا في اللحظة التي تراها هي مناسبة وموجبة التدخل، ستفعل، بعيداُ عن أي مظلة يستظل بها النظام ومن يدعمه، ومن هنا يمكن قراءة أهمية الضربات للحلف الأميركي الغربي على رغم أنها غير مؤلمة عسكرياً، وغير مجدية ميدانياً.
من جهته، فإن احتفالات النظام «المنتصر» على الحلف الثلاثي الذي ضرب مواقع بحث وإنتاج وتخزين الترسانة الكيماوية وفق إعلان التحالف، ليست ذات موضوع جديد عليه، فهو الذي احتفى مسبقاً بانتصاره على حمص المدمرة، وحلب التي خرجت من موقعها كأكبر منتج لاقتصاد سورية، والغوطة التي لم يبق من مسمياتها ومعالمها «الغناء» إلا مواقع الدمار، والآثار الوحشية التي مارستها القوات النظامية وحلفائها، والتي أدت إلى قتل وتهجير عشرات الآلاف من سكانها الأصليين، فالنظام السوري من منظوره انتصر على ما أمله «المعارضون» له من أن تكون هذه الضربة هي الشعرة التي تقصم ظهر النظام، وهي أي الضربة، باعتبارها لم تهدف إلى ذلك، ولن تهدف أي ضربات غيرها، سواء حدثت أم لوحت الدول على استخدامها مرة أخرى، ما يعطي النظام فرصة الاحتفاء بانتصاره على المعارضة التي تصر حتى اللحظة على إدارة الصراع «بالوهم» المقابل لوهم النظام، من دون الاستفادة من تراكم حجم التخاذل الدولي خلال سبع سنوات في صياغة دور حقيقي لها كطرف وليس كأداة في معادلة الصراع الدائر على سورية وفيها.
يمكن التعاطي مع ضربات الحلف الثلاثي من مبدأ أنها عملية تأديب للنظام على استخدامه السلاح الكيماوي ضد الشعب السوري، فيما لو كانت هذه الدول تريد تجاهل الدورين الروسي والإيراني في إدارة العمليات القتالية في سورية، وهو ما تعبر عنه تصريحات كل من حليفي النظام على أنهما كانا السبب المباشر في حماية النظام من السقوط والهزيمة أمام المعارضة، والتصريحات الغربية حول الدور الروسي في نزع السلاح الكيماوي من النظام وفق القرار الأممي 2118، الذي تم التوصل إليه بين الجانبين الروسي والأميركي لتجنب تلقي النظام ضربة عسكرية إثر هجمات النظام الكيماوية على الغوطة الشرقية عام 2013، ما يعني أن العملية التأديبية ليست ذات معنى إذا كان هدفها النظام السوري المتهالك عسكرياً وسياسياً، ولكنها في حقيقة الأمر عملية تقويمية لإعادة توجيه مسار الصراع وفق تقاسم جديد، يخرج منه لاعبون، ليدخل آخرون، في عملية تبادل أدوار ومصالح وإبعاد شبهات.
من جهتها، يمكن لروسيا اعتبار الضربات العسكرية تصريح جديد لها، بالتعامل مع المجتمع الدولي «منفردة» هذه المرة كممثل وحيد للنظام السوري، دون أيحرج من شريكتها إيران، ودون العودة لرأي النظام الذي يرى مصلحته المطلقة (كسلطة حاكمة وأشخاص منتفعين) تحت العباءة الإيرانية، وليست الروسية، وهذا يفسر تأكيد الولايات المتحدة الأميركية بأنها لن تفاوض النظام في شكل مباشر، وضمناً فإنها لن تقبل بالجلوس مع إيران للتفاوض حول سورية، وهي التي تعتمد سياسة تحجيمها وكفكفة ذيولها الممتدة في المنطقة، وعلى وجه الخصوص من على الحدود السورية الإسرائيلية، بل وهي التي ترى أن أحد أهم أهداف استمرار الوجود الأميركي في سورية بعد محاربة داعش، وضمان عدم العودة لاستخدام الكيماوي من جديد في سورية، هو ضمان نقطة مراقبة جيدة لمتابعة أعمال إيران أو نشاطاتها، وبالتالي إعادة تشكيل المحاصصات وفق ما تقتضيه المصالح الإقليمية والدولية، ومراعاة حصة الغرب الذي ترى فرنسا أنها تمثله في سورية، وهو ما لا يتناقض مع استمرار الحديث عن رغبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في انسحاب القوات الأميركية من سورية، والتي يمكن أن تحل مكانها القوات الفرنسية لإدارة الصراع وتوجيهه بما يخدم المصلحة الأوربية ودورها من جهة، ويحقق المصالح الأميركية ورعاياها من الكرد في سورية.
لا يمكن لأحد أن يدعي الانتصار في الحروب ذات الطبيعة التكنولوجية، لأن الخسائر عادة هي سيد الموقف على كل الأصعدة، فحتى من يحقق أهدافه القتالية تكون خسائره المادية والشعبية داخل مجتمعاته فادحة، لكن في الحالة السورية الخاصة كل الأطراف «منتصرة»، فالنظام الذي استسلم للضربات التي اجتاحت أراضيه «منتصراً»، لأنه أسقط حسابات معارضته في نزع السلطة منه، والمعارضة «منتصرة» لأن الضربات نزعت الدرع الواقي الذي شكلته موسكو للنظام في أروقة مجلس الأمن، عبر 12 فيتو ضد أي قرار يحد من استخدام النظام للسلاح ضد شعبه، وروسيا بدفاعها عن النظام شكلت نصرها السياسي على شركائها (النظام وإيران).
وفي ظل كل هذه الانتصارات وأطرافها المتعددين، وحده الشعب السوري غارق في هزائمه أينما كانت الضربات موجهة، وأي كان من يوجهها، وفرصة نجاته من هذه الحرب لا تحددها الجهات المحتفلة بانتصاراتها الوهمية، ولكن بما يمكن استثماره دولياً من حاصل مجموع الخسائر في هذه الحرب الطويلة، ومدى رغبة المنتصرين «الحقيقيين» في حماية الأمن والسلم الدوليين، من خلال جر الأطراف «الموهومة بالنصر» إلى طاولة مفاوضات تهزم وحشية الحرب، وتحدد معالم الطريق إلى ولادة الجمهورية السورية الثالثة، بما يتيح الفرصة للسوريين بإعادة إنتاج دورهم في بناء السلام والاستقرار في سورية وما حولها، وهذا لن يتوفر ما لم تأخذ المفاوضات المرجوة شكلاً جديداً ينهي حالة العبث بدم السوريين، ومضموناً تفاوضياً لا يتم فيه تقاسم السلطة بين أمراء حرب مدعومين بحلفائهم الدوليين على الضفتين المتقابلتين.
* كاتبة سورية. | |
|