| | التاريخ: نيسان ١٨, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | دلالات امتداد احتجاجات كردستان العراق إلى مناطق نفوذ بارزاني | اربيل – باسم فرنسيس
شكل ما عرف بـ «كسر الصمت» إثر امتداد الاحتجاجات والإضرابات إلى عمق النطاق «الأصفر» الخاضع لنفوذ الحزب «الديموقراطي» بزعامة مسعود بارزاني، نقطة تحول قد تدفع الحزبين الرئيسين «التقليديين» الحاكمين إلى مراجعة سياساتهما تحت الضغط الشعبي المتصاعد على خلفية إخفاقات وأزمات مزمنة ســياسياً واقتـــصادياً، أودت بمعـــظم مكاسب الإقليم المحققة على مدى ربع قرن.
تعود أولى التظاهرات والاعتصامات في الإقليم إلى شباط (فبراير) عام 2011 في مدينة السليمانية، مركز مناطق «النطاق الأخضر» الخاضع لنفوذ «الاتحاد الوطني» حزب رئيس الجمهورية الراحل جلال طالباني، مشحونة بموجة احتجاجات كانت تجتاح بعض بلدان المحيط العربي التي أطلق عليها «الربيع العربي» والرامية إلى تغيير الرؤساء والأنظمة.
وتمحورت المطالب المصاحبة لتفاقم الأزمة السياسية، حول استشراء الفساد وهدر المال العام وتغيير نظام الحكم، قبل أن تُخمد بالقوة إثر نشوب أعمال عنف سقط خلالها قتلى وجرحى، عندما هاجم متظاهرون مقر حزب بارزاني، أعقبتها اعتداءات مضادة على مقار للمعارضة في أربيل ودهوك.
في السنوات اللاحقة شهدت مناطق «النطاق الأخضر» احتجاجات متفرقة دون نظيرتها في «النطاق الأصفر»، في وقت كانت الأزمة السياسية تتفاقم بين المعارضة والسلطة حول منصب الرئاسة والتحول إلى نظام حكم برلماني، أدت إلى تعطيل البرلمان بعد منع رئيس البرلمان من دخول أربيل.
تلك المشكلات تزامنت مع دخول الإقليم أزمة مالية غير مسبوقة بفعل عوامل بدأت مع انهيار الاتفاق مع بغداد حول صادرات النفط الكردي، ومن ثم الهبوط الحاد في أسعار النفط، ودخول الإقليم في حرب مع تنظيم «داعش» وإيوائه أكثر من مليون ونصف المليون نازح عراقي ولاجئ سوري، لتتجه الحكومة إلى تطبيق «نظام الادخار الإجباري» وخفض الرواتب بنسب 15 إلى 75 في المئة.
وفيما كانت الحرب على «داعش» تقترب من نهايتها، اتجه الحزبان بقيادة بارزاني نحو إجراء استفتاء لتقرير المصير، من دون غطاء إقليمي ودولي، وبدأت بغداد بالتنـــسيق مع الجارتين تركيا وإيران باتخاذ إجراءات عقابية لتفرض حظراً على مطارات الإقليم وغلق معابره مع إيران، وشن عملية لفرض سيطرتها على المناطق المتنازع عليها وكركوك وآبار نفط، ما أدى إلى فقدان الإقليم نحو نصف إيراداته، ليضطر تحت ضغط دولي بقيادة واشنطن إلى الدخول في مفاوضات مع السلطة الاتحادية.
عادت التظاهرات وبقوة إلى الواجهة في «النطاق الأخضر»، وأعلنت ثلاث قوى الانسحاب من الائتلاف الحكومي لينحصر بين الحزبين الرئيسين، وسرعان ما أقدما على إخماد الاحتجاجات بالقوة عقب اندلاع أعمال عنف واعتداءات على المقار الحزبية والمؤسسات الحكومية.
خيم الهدوء وســــط حالة من التفاؤل بفعل حصول تقدم في التفاهمات بين حكومتي أربيل وبغداد وانفراج تدريجي للأزمة، ووعود بإطلاق الرواتب في مواعيدها من دون استقطاعات وتلقي الإقليم دفعة مالية، قبل أن يصدم موظفو القطاع العام بإعلان حكومة الإقليم الإبقاء على نظام الادخار لعدم توافر الإيرادات المطلوبة.
الاحتجاجات تجددت تحت «الصدمة»، وامتدت إلى أقصى مناطق «النطاق الأصفر»، وأجبرت الحكومة على إجراء مراجعة في نسبة الاستقطاعات وخفضها بنسبة تراوح بين 30 و10 في المئة من الراتب، وأثارت الخطوة سجالات وقراءات متباينة حول مستقبل الأحزاب التقليدية وما ستؤول إليه نتائج الانتخابات المقبلة من توازنات وتحالفات في ظل انشطار الخريطة الانتخابية الكردية.
وقال المحلل السياسي ياسين طه إن «التظاهرات شملت أربيل وصولا إلى الحـــدود التــركية في خطوة غير مسبوقة في تاريخ التــجربة الكردية الــحديثة المبنية على الفصل بين مقاطعتي أربيل ومعها دهوك مع السليمانية. كثيرون اعتبروا التمكن من التظاهر في ظل سلطات حزب بارزاني المعروفة بالمركزية والأكثر تماســكاً قياساً بحليفه الاتحاد الوطني كسراً لحاجز الصمت والخوف في الوقت ذاته».
وأضاف طه لـ «الحياة» حول الموضوع: «بما أنها كانت مطلبية ومحصورة أمنياً وسياسياً فمن المستبعد أن تتطور إلى المطالبة بإسقاط السلطة نظراً لغياب أو تغييب البديل المناسب في ظل محيط ملتهب من كل الجوانب، التجارب أثبتت في المنطقة أن إسقاط السلطات والأحزاب الحاملة لشعار القومية ونصرة المكون والمذهب صعب للغاية في المنظومات العرقية والطائفية على غرار النظام السائد الآن في العراق».
وأكد أن «الحكومة الكردية فقدت الكثير من صدقيتها ورصيدها السياسي لدى القاعدة الكردية بسبب التخبط وغياب الشفافية وعدم امتلاكها رؤية واضحة وأخطائها الكارثية المستمرة منذ سنوات طويلة، وهي تشكو في الوقت ذاته من الغبن وعدم الاستجابة لمطالبها من قبل بغداد في مفارقة غريبة».
طه قال أيضاً إن «هذه السلطة لم تعد تمتلك الشرعية الأخلاقية لتمثيل الشعب الكردي إلا بعد إصلاح نفسها ومراجعة شاملة لأدائها وعرض نفسها على التصويت الشعبي مجدداً في الانتخابات المرتقبة، لكن الآخرين يضطرون للتعامل معها كأمر واقع وبسبب غياب البديل الشرعي في الوقت الراهن، إضافة إلى تحمل المنطقة فراغاً سياسياً وأمنياً وإدارياً في ظل الكوارث المحدقة بالمنطقة في الوقت الراهن وعلى المستويات كافة».
ووصف رئيس كتلة «الاتحاد الوطني» في البرلمان الاتحادي أريز عبدالله هذا التطور بأنه «بشرى لمرحلة جديدة من النضال المدني»، وقال: «إذا كان بعض الأشخاص أو الجهات نظروا إلى تظاهرات أربيل كمؤشر مخيف أو مقلق، فإنني أرى فيها انتقــالاً إلى مرحــلة جــديدة من النضال المدني والسلمي الشامل، انطلاقاً من فكرة أن أي وطن يفــتقر إلى الاحتجاجات معناه أن هناك دكتاتورية وظلماً وقمعاً، لأن التظاهر يعد عاملاً لتوعية المجتمع والإصرار على الحقوق، ومن الخطأ النظر إليها بعين الشك والعدائية، بل الترحيب بهذا التقدم، شرط التزام الطرفين المتظاهرين والسلطة بالابتعاد عن العنف».
لائحة مشتركة لاتحادات المعلمين التابعة لقوى المعارضة ومستــقلون اعتبروا أن استجابة السلطات لإجراء تعديل على نظام الادخار «جاء تحت ضغط الاحتجاجات وخوف الحكومة من غضب المعلمين وكل شرائح مجتمع كردستان، وأن الجهود لم تذهب سدى في هدم نطاق الخوف والقمع وألا يبقى مثل هذا النطاق داخل حدود معينة نهائياً»، وبي أن «ذلك يؤكد حقيقة أن الاحتجاجات والمعاناة في أي بقعة من الإقليم هي نتيجة سياسات حكومة فاشلة».
وذهب الباحث وأستاذ العلوم السياسية في جامعة صلاح الدين باربيل كامران منتك إلى أن «السلطة في الإقليم لم تعد قادرة على الاستماع إلى مطالب المتظاهرين، لأنها فقدت علاقاتها بالشعب بسبب القوى الإقليمية، والتوتر القائم في المنطقة في ظل فقدان التوازنات».
ولفت إلى أن «السلطة السياسية لو أرادت أن تفهم رسالة الاحتجاجات فإن الأمر لا يتعلق بالرواتب فقط، بل عليها أن تترك الساحة، عندما يهتف الشارع ويصيح، يسقط اللصوص، على السلطة أن تستجيب، لأن وظيفتها هي الحفاظ على الثروة الوطنية والشعب».
ورأى سيروان رشاد أحد المعلمين المحتجين لـ «الحياة» أن «كسر الصمت في أربيل ودهوك جاء عندما بلغت المهانة الذروة، وشعر الجميع بالإحباط، بعد أن أعلنت الحكومة المضي بنظام ادخار الرواتب على رغم التفاهمات مع بغداد، ووعود متكررة بإلغاء هذا النظام».
وأكد أن «السلطات في النطاق الأصفر لم تكن تولي أهمية لتأثير الاحتجاجات لكونها محصورة في حلقة ضيقة، إلا أن امتدادها لأربيل ودهوك، أجبرها على الخضوع ولو جزئياً للمطالب، بعد أن عجزت عن إسكات المتظاهرين على رغم الترهيب والقمع»، ولفت إلى أن «النقمة لم تعد محصورة بشرائح محددة، بل بلغت حتى جماهير الحزب الحاكم».
من جانبه قال أزاد فتاح إن «التظاهرات في المنطقة الصفراء تحمل أهمية بالغة حققت عدة أهداف، وهي المطالبة بتأمين المعيشة وفي الوقت ذاته كسر حاجز الصمت، بعد أن انتزعت المبررات التي كانت تتبجح بها الحكومة في أن الاحتجاج سياسي ينحصر حول مناطق النطاق الأخضر وتتم إثارتها وافتعالها من قبل أحزاب».
ورفض نشطاء الشكوك والاتهامات التي أثيرت وتداولتها وسائل الإعلام بأن «الاحتجاجات كانت بفعل الصراع السياسي داخل الحزبين الحاكمين، في أربيل ودهوك بين رئيس مجلس أمن الإقليم مسرور بارزاني مع نجل عمه رئيس الحكومة نيجيرفان بارزاني، وفي السليمانية بين مسؤول جهاز الأمن والمعلومات لاهور شيخ جنكي ونائب رئيس الحكومة قباد طالباني»، في حين اتهمت السلطات أحزاب المعارضة ومرشحيها للانتخابات العراقية المقبلة بـ «ركوب» موجة الاحتجاجات لأهداف انتخابية. | |
|