| | التاريخ: نيسان ١٧, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | رسائل سياسية للضربة الثلاثية ضد الأسد - بشير عبدالفتاح | حدد الثالوث الدولي المشارك في الضربة العسكرية ضد نظام الأسد، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، أهداف الضربة العسكرية التي حصلت قبل أيام وتزامنت مع وصول بعثة التحقيق التابعة لمنظمة حظر انتشار الأسلحة الكيماوية إلى سورية، في معاقبة نظام الأسد على معاودته استخدام الأسلحة الكيماوية المحظورة ضد المدنيين، وتدمير البنية التحتية الخاصة بالترسانة السورية من تلك الأسلحة حتى لا يتسنى للنظام مواصلة إنتاجها أو تطويرها أو استخدامها مجدداً ضد المدنيين السوريين أو ترهيب المعارضة بواسطتها، في تحدٍ للقانون الدولي وخرق فاضح للاتفاقات الدولية ذات الصلة التي وقعتها سورية، خصوصاً بعدما فشلت روسيا، تواطؤاً أو عجزاً، في تدمير تلك الترسانة الكيماوية السورية المحظورة أو لجم نزعة الأسد إلى استخدامها، خلافاً لما تعهدته لإدارة أوباما ولمجلس الأمن عام 2013.
وبناء عليه، أكد الثالوث الغربي أن الضربة التكتيكية التي انحصر نطاق أهدافها في دمشق ومحيطها، بينما استهدفت بصواريخ أطلقت من فرقاطات وقاذفات 3 منشآت رئيسة للأسلحة الكيماوية، بينها مركز للبحوث الكيميائية في حي برزة الدمشقي، ما أدى إلى تدمير مبنى يحتوي على مركز تعليم ومختبرات تستخدم في تطوير أسلحة كيماوية وبيولوجية وإنتاجها واختبارها، علاوة على قاعدة جوية غرب دمشق قرب الحدود اللبنانية، لن تتبعها ضربات أخرى، كما شدد على أنها لا تتوخى تغيير النظام.
وبينما أعلن ترامب انتهاء المهمة التي استخدمت فيها ثلاث دول قوة نيرانية صاروخية تمثل ضعفَي مثيلتها التي استخدمت في الضربة التي وجهتها واشنطن للأسد في نيسان (أبريل) من العام الماضي، بعدما أجهزت على غالبية قدرات الأسد وترسانته من الأسلحة الكيماوية وشلت جاهزيته لتنفيذ هجوم كيماوي جديد ضد شعبه، أصيبت المعارضة السورية بالإحباط وخيبة الأمل كون الضربة التي شاركت فيها ثلاث من أقوى دول العالم، واستخدمت فيها طائرات مقاتلة متطورة من طراز «تورنيدو» و«تايفون» البريطانية، وتسع مقاتلات فرنسية من طرازي «رافال» و«ميراج»، وقاذفات «بي 1» أميركية، علاوة على صواريخ متطورة أبرزها «كروز توماهوك» الذكية الموجهة، كانت أوهن من أن تؤتي أكلها وتردع الأسد الذي تمكن من التحايل والالتفاف عليها وتفادي تداعياتها السلبية. وقد أعلنت كل من دمشق وموسكو أن القدرات العسكرية للأسد لم تتأثر بهذه الضربة، إذ لم تتضرر المطارات والقواعد المستهدفة، فيما لم تقع خسائر بشرية.
بدوره، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن مراكز الأبحاث والمقرات العسكرية التي طالتها الضربات الغربية كانت خالية تماماً إلا من بضعة عناصر حراسة، لأن الجيش السوري اتخذ تدابير احترازية قبل وقوع الضربة بأكثر من ثلاثة أيام، وأخلى مطارات وقواعد عسكرية استراتيجية عدة بينها قيادة الأركان ومبنى وزارة الدفاع في دمشق. كما نقل الأسد قوات ومعدات وطائرات حديثة إلى مطارات وقواعد أكثر تحصيناً وتشرف عليها روسيا، مثل مقاتلات «ميغ 29» و «سوخوي 35» التي نقلت إلى قاعدة حميميم الجوية الروسية ومناطق أخرى أكثر أمناً، وكأن إدارة ترامب قد أبت إلا أن تتيح متسعاً من الوقت أمام الأسد لإعادة نشر قواته وطائراته بما يقلل خسائره جراء أي ضربة. وحتى توفر لطائرات الأسد ملاذاً آمناً، تجنبت الضربة الاقتراب من نطاق شبكات ومجال الدفاعات الجوية الروسية في قاعدتي حميميم الجوية وطرطوس البحرية.
اكتسى إقدام كل من ترامب وماي وماكرون على اتخاذ قرار توجيه الضربة الثلاثية الأخيرة للأسد من دون طلب موافقة برلماناتهم أو الأمم المتحدة، بجرأة لم تخل من مجازفة، لا سيما أن الموقف السياسي الداخلي لثلاثتهم يتسم بارتباك لافت. فعلاوة على احتدام الجدل بين ترامب والمؤسسات الاستخباراتية والأمنية والعسكرية الأميركية بخصوص سورية، سواء لجهة سحب القوات الأميركية منها أو بخصوص توجيه ضربة عسكرية ضد نظامها، اتخذ ترامب قرار الضربة الأخيرة بعد تردد وجدل استراتيجي حامي الوطيس مع تلك المؤسسات وبقية أجنحة إدارته. أما ماكرون وماي، فيعد قرارهما المشاركة في الضربة الثلاثية ضد سورية أول قرار من نوعه بعمل عسكري خارج بلديهما يتخذانه من دون الرجوع إلى برلمانيهما أو الحصول على دعم أممي دولي. يأتي هذا بينما يواجه ماكرون منافسة سياسية شرسة من خصومه السياسيين في تيار اليمين المتطرف داخل بلاده، فيما تكابد تيريزا ماي مزيجاً من التداعيات المؤلمة للبريكزيت والرفض العارم من المعارضة لأي انخراط عسكري بريطاني في الأزمة السورية.
وجاء التقويم المتناقض لنتائج الضربة الثلاثية من جانب طرفيها، ليلقي بمزيد من الغيوم على فهم آثارها وتداعياتها. فبينما أعلنت الدول الثلاث المشاركة أن نظام الأسد لم يطلق سوى أربعين صاروخاً ضد 110 صواريخ موجهة بدقة عالية أطلقها الحلفاء بعدما وصلت إلى أهدافها داخل سورية، بما ثيبت عدم جدوى الصواريخ السورية لأنها كانت بدائية إلى حد ما، وغير موجهة، ومن ثم اقتصر خطرها الحقيقي على المدنيين من سكان المناطق السورية التي سقطت فوقها، ادعت كل من روسيا وسورية رواية معاكسة تماماً، فمقارنة بعملية نيسان 2017 التي تم خلالها تدمير قرابة ثلاثين صاروخاً من بين 59 صاروخاً أميركياً من طراز «كروز توماهوك» أطلقت وقتذاك، أعلنت قيادة الجيش السوري هذه المرة أنه تم إطلاق نحو 110 صوارخ باتجاه أهداف سورية في دمشق ومحيطها، بيد أن الدفاعات الجوية السورية تصدت لها بكفاءة وأسقطت 71 صاروخاً، بما يشكل نسبة 70 في المئة، بحسب زعم نظام دمشق، ما دفع روسيا للإشادة بأداء الدفاعات الجوية السورية من طراز «إس 200» التي لم يتم تحديثها منذ سبعينات القرن الماضي.
وفي حين ذهب بعض التوقعات إلى إمكان استهداف الضربة الثلاثية مواقع ومنشآت عسكرية حيوية تابعة لإيران داخل سورية بقصد تقليم نفوذ طهران هناك وعلى مستوى المنطقة برمتها، أو حتى توجيه رسائل استراتيجية بليغة لموسكو عبر سورية، أبت الدول الثلاث إلا أن تنأى الضربة عن أية مرام سياسية تتجاوز مهمة نزع السلاح الكيماوي السوري، ليس فقط تجنباً لأي رد فعل انتقامي من روسيا أو إيران، ولكن لإظهار الضربة كما لو كانت إجراءً عقابياً قانونياً دولياً للأسد على انتهاكه الشرعية الدولية واستخدام السلاح الكيماوي المحظور ضد المدنيين الأبرياء، وتفكيك برنامجه التسليحي الكيماوي، وتحذير أي دولة أخرى من الإقدام على استخدام أسلحة الدمار الشامل في قابل الأيام.
وبينما تعهدت روسيا تزويد سورية منظومات صواريخ «إس 300»، وهو ما تعهدته عقب ضربة العام الماضي من دون أن تنفذه، استجابة للضغوط الإسرائيلية، لم يكن الحديث عن مفاوضات بين موسكو والغرب لتقويض الوجود الإيراني داخل سورية مقابل إرجاء أي عمل عسكري غربي أو تحجيمه، سوى طرح غير واقعي في ضوء تعاظم النفوذ الإيراني على الأرض السورية في شكل معقد حتى قبل اندلاع الأزمة السورية عام 2011، بحكم التلاقي المتعدد السبب بين نظام الأسد وطهران وما قدمته الأخيرة من تضحيات مادية وبشرية هائلة لإنقاذ نظام الأسد وسط العواصف العاتية التي تتقاذفه، فضلاً عن إمكان أن يفضي تمرير صفقة من هذا القبيل إلى تصعيد الاحتقان والتوتر الموجودين أصلاً بين موسكو وطهران بشأن توزيع النفوذ والغنائم داخل سورية.
يبدو أن ترامب اتخذ القرار بالضربة الثلاثية توخياً لحسم الجدل داخل إدارته والحفاظ على مصداقية التهديد ضد نظام الأسد وحليفيه في موسكو وطهران. وأكدت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي ضرورة ألا يساور النظام السوري وحلفاءه أدنى شك إزاء عزم المجتمع الدولي على لجم تطلعاته إلى استخدام الأسلحة المحظورة ضد شعبه، فيما أعربت الدول الثلاث عن تطلعها إلى أن ترسل الضربة رسالة تحذيرية واضحة إلى أي شخص آخر تسول له نفسه استخدام الأسلحة الكيماوية بغير عقاب.
* كاتب مصري | |
|