| | التاريخ: نيسان ١٤, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | السنة الرابعة لسيطرة قوى الأمر الواقع: عناصر لحل سياسي في اليمن - حسّان أبي عكر | تتفاقم الأزمة اليمنية وتتباعد الأطراف عن بعضها، وتتحوّل القضيّة إلى صراع إقليمي من جهة وإلى مأساة إنسانيّة من جهة أخرى، لا تخفف الهجرة من حدتها، نظراً لانعزال اليمن عن محيطها جغرافياً أو لفقر البلدان الإفريقية المجاورة لها. ومع كل حديث جديد فيها قبل إطلاق صواريخ أو غارات مقابلة، تتراكم الخلافات وتتعقد إمكانات الولوج إلى حلول سياسيّة أو العودة على الأقل إلى مربع سابق في لعبة إقليمية كثيرة المربعات، ويتمسّك كل طرف داخلي بشرعيته الدولية أو الثورية أو المذهبية، ودون تراجع (...)
كان مقتل الرئيس علي عبد الله صالح أو اغتياله في أواخر العام الماضي 2017 (من قبل حلفائه المؤقتين)، تكريساً لهذا الانفصال وحتى إشعار آخر.
نقول مقتل الرئيس علي صالح أو اغتياله من قبل حلفائه تبعاً لوجهة نظر كل طرف لهذا الأمر. فالرئيس علي عبد الله صالح قال أن حكمه الذي دام 33 سنة كان كالرقص على رؤوس الثعابين! ويقول المثل الشعبي اليمني:
"آخرة المحنّش للحنش"! أي الذي احترف ترقيص الأفعى أو الحنش وقع أخيراً ضحيّة هذا الحنش!
وها نحن نعود فعلياً إلى زمن ما قبل الوحدة، بعد موت الرئيس علي صالح (...) ومع استمرار الحوارات التمهيدية والتحضير لإيجاد الهيئات التأسيسيّة للمرحلة القادمة بعد انتهاء صلاحيّة مجلس النوّاب والشورى، بدأت الأحجام السياسيّة تتغيّر في اليمن وزاد انعدام الثقة بين الأطراف المشاركين. وجاءت "ثورات" العالم العربي لتلقي بأثرها على اليمن، خاصّة ثورة مصر وصعود الأخوان المسلمين و"ثورة سوريا" السلميّة قبل أن تتحوّل إلى جحيم يشارك فيه معظم الواقدين. هكذا يمكن اختصار الوضع السياسي قبل ثلاث سنوات، أي قبل قيام المشهد الحالي بالعناصر التالية:
- الرئيس اليمني علي صالح تنازل عن منصبه لنائبه عبد ربه منصور هادي، ولكنّه لم يتنازل عن سلطته المعنويّة القويّة والمتمثلة بسيطرته على الجيش وعلى المؤتمر الشعبي العام الذي هو رئيسه ونائب الرئيس الجديد نائبه! وأخطر ما في الأمر أن علي صالح لم يعد موثوقاً به لدى حكام الخليج، واتخذت بحقّه إجراءات عقابيّة دوليّة مما دفعه إلى عرقلة الحلول ثم الارتداد نحو الاتجاه المعاكس.
- السلطة "الشرعيّة" لم تتمكّن من ممارسة دورها التأسيسي والمرحلي في إيجاد المؤسسات والتحضير للإنتخابات بسبب العرقلات والمماحكات بين الأطراف وذلك رغم الاحتضان الدولي لهذه السلطة. ولا بدّ من التذكير بتقليد يمني غير معلن كان له دور في الفشل: رئيس جمهوريّة من الجنوب غير مقبول في الشمال! خاصّة إذا كان غير ذي تمثيل وليس له امتداد قبلي.
- كان لتورط أطراف عربيّة وإقليميّة في المرحلة الدمويّة من حرب سوريا تأثيره على المعادلات اليمنية. فتبدّلت أحجام الأطراف المحليّة:
▪ الإسلاميّون اليمنيون باتوا متهمين بالإرهاب وتأييد حكم الاخوان في مصر.
▪ أنصار الله بدأوا يتوسّعون من شمال الشمال (صعدة وجوارها) نحو الجنوب، ويقضون على زعامات قبلية زيدية (آل الأحمر) بحجة القضاء على النزعة القبلية ونشر الأفكار الحوثيّة.
وليس من الغريب ملاحظة الإنكفاء السعودي عن سوريا مع ازدياد التفاعل الحوثي مع إيران فقهياً وسياسياً وعسكرياً، وهذا ما لا ينكره أحد.
هكذا إذاً وبعد أكثر من ثلاث سنوات من عام 2014 تبدّلت المعادلات:
▪ سلطة الأمر الضائع مقابل سلطة الأمر الواقع كما يقول صحافي يمني.
▪ من كان يملك خيمة واحدة في ساحات العاصمة مقابل انكفاء معظم العناصر وحربها إلى الجنوب أو نحو الخارج، ومن بقي منهم بقي في حكومة الأمر الضائع الشرعيّة، ولا قدرة له على لعب دور - خاصّة ممثلي الشمال اليمني الواقع تحت "الاحتلال".
كما أن مخرجات الحوار الوطني المحنّطة والتي تطالب بها الحكومة الشرعيّة لم تعد تعبّر عن الواقع الحالي...
لذا أصبح المبعوث الأممي الثاني إسماعيل ولد الشيخ أحمد محاصراً بين مجموعة الأمر الواقع التي لا تقبل بالحلول السابقة وتتهمه هو ومؤسسته الدوليّة بالعمالة، وبين سلطة الأمر الضائع التي تتهمه بالتنازل عن مقررات الشرعيّة وتطالب "الإنقلابيين" بالتراجع.
إذاً عشيّة انطلاق المبعوث الأممي البريطاني الجديد في مهمّته الاستطلاعيّة والتي بدأها بمقابلة الرئيس عبد ربه منصور في المملكة العربية السعوديّة حيث يقيم معظم وقته وتنادي بعض الأصوات القريبة منه بتسهيل عودته إلى عدن! وعلى وقع شائعات عن اتصالات سريّة أو وساطات من غير طرف، عشيّة هذا الجو السياسي نضع التصورات المتواضعة التالية برسم المبعوث الأممي وبرسم الأطراف التي يهمها حل قضيّة اليمن وعدم التذاكي أو التباكي على المأساة الإنسانيّة، التي تشارك الأطراف في تعميقها واستمرارها:
1- إنّ الأسس السابقة أو مخرجات الحوار التي يتم العمل على الاسترشاد بها ولو على مراحل، هذه الأسس لم تعد تنطبق على الأمر الواقع الحالي. ولا بدّ من الجرأة للبحث عن عناصر جديدة مكمّلة ترضي الطرفين. حتى ولو أدّى الأمر إلى ذهاب أو إبتعاد بعض الوجوه والقيادات عن المسرح الحالي.
2- لا بدّ من سلطة دوليّة وأممية وازنة ترعى وتراقب مهمّة المبعوث الدولي، مع التركيز أن توجيه المفاوضات إلى خارج نطاق الأمم المتحدة لا يعطي النتيجة المرجوة، ولا حتى يسهّل الاعمار في الفترة اللاحقة.
3- إن وقف إطلاق النار أو العمليات العسكرية والمطلوبة فوراً على كل الجبهات لا يتحقق إلا إذا انبثقت أرضيّة سياسيّة مقبول بها وللإنطلاق منها، مع الاعتراف أن العمليات العسكريّة لم تنجح كثيراً بجلب أنصار الله إلى المفاوضات، لا بل يمكن القول أنها تعطي نتيجة عكسيّة. كذلك إطلاق الصواريخ العابرة للحدود التي لها أثر معنوي فقط.
4- إن الأوضاع العسكريّة والسياسيّة والجغرافيّة وحتى المذهبيّة تدفع إلى ملاحظة وجود يمنين: جنوبي وشمالي. فلا بد من فيديراليّة ترضي أطرافاً عديدة من اليمنيين خاصّة في الجنوب لأن عدداً من المتضررين من وحدة 1990 ما زالوا موجودين على الساحة الجنوبية ويطالبون بالانفصال.
هذه الفيديرالية يمكن أن تؤسّس في فترة سلميّة لاحقة إما إلى المطالبة بالعودة إلى الاندماج أو إلى تمتين وتمكين حل الدولتين.
5- إيجاد مجلس رئاسي مؤقت مؤلف من ثلاثة أو خمسة حكماء يعمل على إعادة المؤسسات التشريعيّة والتنفيذيّة، وتشكيل حكومة وحدة وطنيّة يتشارك فيها جميع القوى المحبّة للسلام والمتمثلة بأحجامها الحقيقيّة في المجتمع اليمني. هذا المجلس الرئاسي ليس جديداً على اليمن. وقد انبثق هذا الحل بعد عام 1970 وحكم الرئيس عبد الرحمن الارياني نتيجة ذلك. وهناك أطراف يمنية حالياً تنادي بهذا المجلس مثل الرئيس اليمني الجنوبي السابق علي ناصر محمد والذي يقترح كذلك تشكيل حكومة يرأسها جنوبي إذا كان رئيس المجلس الرئاسي من الشمال...
حينذاك تصبح مخرجات الحوار الوطني السابقة منطلقاً لمفاوضات يمنية جديدة في اليمن أو في الخارج مع الأخذ بعين الاعتبار الوضع السياسي الجديد.
أخيراً،
إن الوضع المأساوي والمتفجّر في كل من سوريا وليبيا والعراق يطغى على الاهتمام باليمن، خاصّة أن بعض الأطراف الإقليميين ينضمون في تلك المواقع ويحركون المسرح اليمني إما بالغارات أو بالصواريخ العابرة للحدود على أنواعها.
ليس من المتوقع أن يبدأ الحل الفعلي في اليمن أو وضعه على السكة على الأقل قبل اتضاح نتائج الحل في سوريا. كما أنه ليس بالضرورة أن يكون هذا الحل على الطريقة السوريّة؛ ولكن تبقى المفاوضات الجارية للحل العتيد نموذجاً للاعتماد لتشابك وتشابه الأطراف الإقليمية.
فهل يطول الحل السوري لتبدأ عمليّة عودة النازحين وبدء عمليّة الإعمار؟
وهل ينتظر الشعب اليمني ازدياد مأساته الإنسانيّة للولوج إلى مرحلة السلام؟
وهل الأطراف اليمنيون جادون في تحمّل قسطٍ أكبر في صوغ مستقبلهم بعد اعتراف واقعي متبادل؟
وأخيراً، هل تكون عمليات إعادة الإعمار والبناء في سوريا واليمن دون رضى وموافقة واستعداد الممولين الإقليميين على الخطوط السياسيّة للأنظمة التي ستقوم بعد ذلك؟
سفير لبنان السابق في اليمن
(أجزاء من مقالة أطول) | |
|