التاريخ: نيسان ٧, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
دروس أفريقية للعالم العربي - رؤوف بكر
بينما يغرق الشرق الأوسط بأخبار الحروب والأزمات في غير بلدٍ، وينشغل السوريون، على سبيل المثل، بتتبع مصير ممتلكات أهالي عفرين المسروقة وإذلال سكان الغوطة بشعار «الأسد مقابل الماء»، يتم تغير تدريجي وجوهري بهدوء في منطقةٍ لطالما نالت من تندر وتعالي العرب الشيء الكثير.

ففي غضون نحو عام، تنحى زعماء أربع دول أفريقية غالبيتها وازنة، هي جنوب أفريقيا وإثيوبيا وزيمبابوي بالإضافة إلى غامبيا.

الرئيس الغامبي يحيى جامع قبِل على مضض نتائج الانتخابات التي أتت بمرشحٍ مغمور يدعى آداما بارو بديلاً منه، بعدما حكم بلاده قرابة 22 عاماً. ومع أن جامع حاول الالتفاف على خيار الشعب، لكنه في الوقت نفسه لم يسع إلى إشعال فتيل حرب أهلية مستغلاً سطوته على أجهزة الدولة، فاستسلم لضغوطات «المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا» ورحل من دون إراقة الدماء. أما زيمبابوي، فشهدت انقلاباً ناعماً أطاح روبرت موغابي الذي ابتلع السلطة 37 عاماً. تبين في حالة موغابي أن في زيمبابوي مؤسسات دولة لها استقلالية معتبرة تمكنها من توحيد الجهود لاستبداله، حتى لو كان الهدف المحافظة على الوضع القائم مع بعض التغيير. نجحت تلك المؤسسات، وتحديداً الحزب الحاكم والجيش، في منع الرئيس من توريث الحكم إلى زوجته غريس وتالياً تحويل النظام إلى شركة عائلية.

ولعل إثيوبيا تبدو مثالاً بارزاً على تطور الحياة الحزبية ونضج العلاقة بين مكونات المجتمع في الدول الأفريقية. فرئيس الوزراء ديسلين هيلا ماريام، المسيحي، لم يجد بداً من تقديم الاستقالة على خلفية الاحتجاجات التي قادها ناشطون من عرقية الأورومو، وغالبيتهم مسلمون، ضد الحكومة. وبعد اجتماعاتٍ ماراثونية للتحالف الحكومي، تم انتخاب أبي أحمد، عبر جولتين من التصويت، كأول رئيس وزراء مسلم من الأورومو.

أما جنوب أفريقيا، فقد برهنت الديموقراطية التي تأسست فيها بعد انهيار نظام الفصل العنصري على نضجها خلال المواجهة بين حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم والرئيس جاكوب زوما، الذي خيّره الأول بين تقديم استقالته ومواجهة تصويت سحب الثقة في البرلمان على خلفية اتهامات بالفساد. واضطر زوما إلى التنحي في خطابٍ قال فيه إنه آثر الاستقالة على أن يموت أحد من أجله أو ينقسم الحزب بسببه.

وقد يكون مفيداً الحديث عن التجربة الرواندية التي نجحت في تقديم نموذجٍ فريد للتعايش في بلدٍ خسر مليوناً من مواطنيه في مئة يوم باقتتالٍ عرقي قبل حوالى ربع قرن. وعلى رغم قبضة رئيسها بول كاغامي الحديدية على الحكم، فإن الكراهية بين الهوتو والتوتسي لم تعد الشغل الشاغل بين إخوة الوطن. فقد أقيمت قرى نموذجية يعيش فيها الجلاد والضحية جنباً إلى جنب، كما قرية «إمبيو» في مقاطعة بوغسيرا، بعدما أدرك الجميع أن سياسة العين بالعين قد تترك الجميع عمياناً. وابتدع الروانديون نظام محاكمٍ قبلي يسمى «غاشاشا» عالج 1.9 مليون قضية، حيث يجتمع المدعي والمدعى عليه وجهاً لوجه في الهواء الطلق، بحضور الشهود والقضاة، ويكتفي الجاني بالاعتذار الصادق ومسامحة المتضرر للانتفاع من إسقاط نصف مدة العقوبة.

في كل تلك البلدان الأفريقية الفقيرة المنهكة بمشاكلها الاجتماعية المحكومة بأنظمة مستبدة أو فاسدة في أحسن الأحوال، والتي ورثت تركة ثقيلة منذ استقلالها، لم يكن هناك داعٍ للحرب ولم يسقط قتيل واحد من أجل تغيير رأس الهرم كما حصل في سورية الأسد وعراق صدام وليبيا القذافي. بل أثبتت أن فيها وعياً اجتماعياً يحميها من تحول شعبها إلى لاجئين ومسلحي ميليشيات، وفيها حياة حزبية ووطنية عسكرية تضع حداً لشطط الحاكم حين الضرورة، لم ولا تتوافر لدى القيادات المدنية أو العسكرية في هذا البلد الشرق الأوسطي أو ذاك.

* صحافي سوري