| | التاريخ: نيسان ٦, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | آخر الخطوط الحمر في المقتلة السورية - سميرة المسالمة | أسئلة كثيرة توجع مؤيدي النظام كما حاضنة المعارضة، تدور اليوم بين السوريين على اختلاف مواقعهم، في ظل انهزام المشروع التغييري لطبيعة النظام الأمني السوري، أمام المشروع الدولي في تقاسم النفوذ على سورية وتحويلها إلى «كانتونات» تابعة لمن يحميها عسكرياً، ويستغلها اقتصادياً.
من تلك الأسئلة: مَن يحمي مَن، الجيش يحمي الشعب أم الشعب يحمي الجيش؟ هل يمكن لمن يدعي قيادة المعارك اعتماد الخطط العسكرية بناء على سياسة الأرض المحروقة، أم بناء على القدرات التي تحمي من يدافع عنهم هذا الجيش، سواء كانوا من المعارضة أو النظام؟ هل الاعتراف بفشل مواجهات المعارضة المسلحة ضد النظام الذي يملك جيشاً نظامياً، ومساندة من دولتين كبيرتين (روسيا وإيران)، بكل ما لديهما من سلاح وعتاد وجنود، هو هزيمة للثورة كما يدعي بعض أمراء الحرب في سوريا، أم هو هزيمة لمشاريعهم المتطفلة على ثورة سلمية لشعب أعزل؟
فجيش النظام الموكل له حماية السوريين من انتهاكات تطاول حدوده، ترك هذه المهمة، ليتولى حماية أركان النظام الحاكم من الغضب الشعبي عليهم، معلناً حربه الطويلة على السوريين، وبمساندة من جيوش دولية (إيران، روسيا) إضافة إلى المليشيات الطائفية ذات الجنسية المتعددة، واتبع سياسة التهجير والتدمير تحت عنوان «التحرير» ضد «التحرير المضاد» الذي عملت عليه فصائل المعارضة، ما وضعنا أمام عمليتي «تحرير» باتجاهين متعاكسين مرة من الفصائل المسلحة، وأخرى من النظام، في ظل تجاهل إرادة المدنيين من أهالي المناطق المحررة بالمعنيين السابقين «للتحرير»، وعدم مشاركتهم القرار، في الوقت الذي تحمّل هؤلاء كل تبعات العمليات الحربية المترافقة بقصف همجي أدت إلى مقتل الآلاف منهم وتدمير بيوتهم ومنازلهم وكامل بنيتهم الخدمية.
على الجهة المقابلة كان لفصائل الجيش الحر خلال العامين الأولين مهمة أساسية، وهي حماية المتظاهرين ومناطقهم من تغول الجيش النظامي، ورد عدوانه عن المدنيين، حيث تولى هذه المهمة «منشقون» عن ذات الجيش وهم من الذين رفضوا تغيير بوصلة سلاحهم من مواجهة العدو الذي يحتل أراضيهم، إلى قتل السوريين المطالبين بالحرية والعدالة ومأسسة حقوق المواطنة المتساوية، إلا أن مواجهة النظام لهذه الظاهرة بأقصى درجات العنف من جهة، وفتح أبواب التدخل الدولي على مصراعيه لمواجهة الثورة، أثار شهية دول كثيرة للضلوع بأدوار عديدة داخل الأراضي السورية، مكنتهم من تحويل الصراع من سياسي إلى مسلح، وانتزعت من خلال تشكيلاتها الفصائلية دور «المنشقين» في قيادة الحراك، وحولتهم إلى شبه سجناء داخل مخيمات اللجوء، ما سهل قيادة هذه الفصائل من قبل تلك الدول وعبر أدوات محلية لتنشأ ظاهرة المناطق «المحررة» التي وجد فيها النظام فرصة سانحة لتبرير معاركه العنيفة ضدها تارة، وتركها تحت حكم الفصائل مخففاً عنه تحمل أعباءها المالية والاقتصادية والسياسية.
فحيث كانت تلك المناطق المحررة تمثل انتصاراً «للمعارضة» المسلحة، كانت سبباً في تجميع النظام قواه والاستفراد بمناطق أخرى، اعتبرها رئيس النظام بشار الأسد لها الأولوية في الدفاع عنها وإخضاعها لسيطرته، معلناً ذلك في خطابه عام (2015) حيث قال: «إن الجيش اضطر للتخلي عن مواقع بهدف الاحتفاظ بمناطق أخرى أكثر أهمية في الحرب ضد جماعات معارضة» ما يعني أن النظام سار منذ بداية المواجهة العسكرية المنظمة مع الفصائل المسلحة وفق مخطط «سورية المفيدة» للنظام، ووفق أولويات تستدعيها حركة قواته في مواجهة التحركات غير المدروسة «للفصائل المعارضة»، وذات المرجعيات المختلفة في أجنداتها ووجهات نظرها وخبراتها في ساحات المعارك.
لم تخفِ روسيا وإيران خريطة نفوذهما في سورية بعد ذلك الخطاب ومع بدء التدخل العسكري الروسي المعلن في العام ذاته، وقد توضحت هذه الخريطة للمعارضة خلال انعقاد الجلسة الأولى لمسار آستانة بعد استرجاع النظام حلب نهاية عام 2016، وبدت معالم التقسيم واضحة مع تركيا الضامن الثالث لهذا المسار الجانبي، الذي أخرج المعارضة السياسية من دورها المفاوض تحت الرعاية الأممية في جنيف، لتكون اتفاقات آستانة بمثابة اتفاقيات نزع سلاح المعارضة وأسنانها تدريجياً، والاستكانة الكاملة لإرادة الدول الثلاث في إدارة الصراع وفق خطة حلف (روسي- إيراني- تركي) في مواجهة حلف أميركي فرنسي غربي، رسم منذ بداية الاحتجاجات والثورة السورية، وتطور النزاع، جملة من الخطوط الحمر للنظام السوري، شكلت متاهة المقتلة السورية خلال السنوات السبع بدل أن تكون رادعاً له في محاكاته لمطالب الشعب السلمية.
وإذ تتوضح معالم الجبهتين الدوليتين بالقيادتين الأميركية ضد الروسية، فإنه في الوقت ذاته، لايمكن إغفال حقيقة أن المحور الروسي أسس على الأرض خطوطه الحمراء، بما يتوافق ومطامعه السورية، والتي منها يمكن أن يفاوض إلى ماهو أبعد من ذلك، وفقاً لمصلحة كل من الدول الثلاث التي تتقارب وتتباعد في آن معاً:
فحيث تريد موسكو المقايضة بجملة ملفات مقابل إفساح المجال للمحور الآخر بالمشاركة بحصيلة المقتلة السورية، تراهن إيران على وجودها ذي الطبيعة الطائفية لضمان خط سير حركتها من طهران حتى بغداد فدمشق إلى بيروت، كما ترى في الملف السوري أداة للمقايضة بما يتعلق بالعقوبات المفروضة عليها، وبإغلاق ملف التهديدات الأميركية بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، واستبدال التهديدات باستكمال نواقص الاتفاق «المختلف حوله» أميركياً، بينما تسعى تركيا إلى الهيمنة على المناطق المحاذية لحدودها، تحت بند حماية أمنها القومي، وإبعاد خطر المواجهة مع حزب العمال الكردستاني على أراضيها، وحصر الصراع خارج حدودها سواء في سورية أو في العراق، ما يضمن للرئيس رجب طيب أردوغان تنفيذ وعوده بإنهاء الحزب الذي يصنفه ارهابياً، والتخلص تدريجياً من معارضته الداخلية بالترويع والترهيب، من دون إخلال بأمن واستقرار تركيا.
ووفقاً لكل ما تقدم يكون سؤال الحاضنة الشعبية للثورة السورية، وليست الحاضنة للفصائل، تلك التي نادت بالحرية سلمياً، عن سياسات الفصائل المسلحة في مناطقها مشروعاً، وعن أسباب دخولها معارك تنتهي بالتفاوض من أجل خروجها وسلامتها، واستعادة أدوارها في مناطق أخرى، بينما يتم تهجير المدنيين بجريرة تلك المعارك التي لم يؤخذ بها رأيهم بداية ولا نهاية، ولم يتوان خلالها النظام السوري عن استخدام كل أنواع أسلحته، بما فيها تلك التي شكلت «خطاً أحمر» على مدار سنوات الحرب، لتكون الغوطة آخر تلك الخطوط الحمر، التي ترسم ألف إشارة استفهام حول دور الأمم المتحدة أيضاً في المقتلة السورية، وماهي عائدات تلك المعارك على «واقع العملية التفاوضية تحت الرعاية الأممية» التي ربما اختصرت في شكل الحل الذي اقترحته روسيا عبر مؤتمرها في «سوتشي» بتشكيل لجنة لصياغة الدستور ليس إلا يقرر أعضاؤها الشركاء الثلاثة روسيا وإيران وتركيا بعيداً عن أي دور لإرادة السوريين نظاماً ومعارضة؟
* كاتبة سورية. | |
|