| | التاريخ: نيسان ٢, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | تشاؤم - حازم الامين | في مثلث الحرب المذهبية المشرقي، أي العراق وسورية ولبنان، ثمة فراغ هائل اسمه العرب السنة، في هذا الفراغ ولد «داعش»، وفي هذا الفراغ تم أيضاً القضاء عليه! واليوم تغيب هذه الجماعة، أي العرب السنّة، عن جميع البرامج البديلة، ونحن هنا ما زلنا نتحدث عن مثلث الحرب الأهلية المذهبية. فالجماعة في عرف الجماعات الشقيقة قد هُزمت، ولا قوى سنية يمكن إحلالها في هذا الفراغ.
علينا إذاً أن ننتظر مولوداً جديداً. سليل «داعش» أو نظيره، يعيد تذكيرنا بأن هذا الفراغ ليس حقيقياً، وأن ثمة ما يشتغل على الأرض لا صدى سياسياً له حتى الآن، إلا أنه سيفرض نفسه قريباً. في العراق لا أثر للسنّة العرب في العملية السياسية الجارية، وفي سورية تلحق بهم الهزيمة تلو الأخرى، وفي لبنان جرى إلحاقهم بمشروع دولة «حزب الله».
اليوم يجري الحديث عن أن بشار الأسد باقٍ في منصبه. هذه هزيمة للجماعة التي اضطهدها، والتي انتفضت عليه. وفي العراق انتخابات نيابية أعقبت هزيمة تنظيم «داعش»، والسنّة العرب هم الحلقة الأضعف في هذه الانتخابات. وفي لبنان، حيث الطوائف حقيقة لا يمكن لأحد تجاوزها، ينافس السنّة خصومهم في الانتخابات ضمن حقيقة قبولهم بهوية الدولة بصفتها «دولة حزب الله».
هذه الحال لا يُنتظر منها استقراراً. ثمة خلل ولاّد للحروب. بدأنا نسمع مؤشرات عن معاودة «داعش» تنظيم صفوفه في بعض بؤر الفراغ في العراق. وفي سورية سينسحب الأميركيون على ما قال رئيسهم، وسيعني انسحابهم ترك السنّة العرب مع بشار الأسد والميليشيا الإيرانية وجهاً لوجه. الأمر لن يطول كثيراً قبل أن يولّد هذا الاختلال مسخاً.
وإذا كانت الحال اللبنانية أقل كارثية من شقيقتيها السورية والعراقية، إلا أنها لن تنجو إذا ما استيقظ المسخ مجدداً. فالنفس المذهبية أمارة بالسوء، وما الهزيمة في هذا الإقليم إلا عملية انتظارٍ لانتقام وشيك.
أن تُمنع القوى السياسية الممثلة لهذه الجماعة في الدول الثلاث من التأثير في مستقبل بلدانها، فهذا ما سيستدرج حروباً. إنه درس لم نتعلمه من حروب أهلية ما زلنا نتخبط فيها منذ عقود. إلحاق الهزيمة بجماعة أهلية، لن يعقبه استئناف لحياة طبيعية، ولن تعقبه دول مستقرة.
الانتخابات في العراق وفي لبنان ستكون أشبه باستئناف للحروب، أما في سورية فالمأساة مضاعفة، ذاك أن العالم بصدد إعادة تطويب بشار الأسد رئيساً. إنه الفراغ نفسه، الفراغ الذي سيبتلع أي محاولة لتثبيت معادلة «النصر والهزيمة». الفراغ الذي وُلد «داعش» في صلبه، والذي هُزم أيضاً في صلبه.
السنّة العرب في المثلث المشرقي خارج النقاش اليوم. في العراق ستدور المنافسة بين الشيعة والشيعة في الانتخابات، وبين الشيعة والأكراد. لا أثر للسنّة العرب ولنتائج اقتراعهم في مستقبل العراق. وفي سورية سينقضّ الأتراك على الأكراد، ومن المرجح أن تُسدّد أنقرة فواتير قبول العالم بنفوذها عبر تسليمها مزيداً من المدن والمناطق للنظام ولموسكو وطهران. وفي لبنان من المرجح أن يفوز سعد الحريري بالانتخابات، إلا أن الحريري صار رجلاً آخر بعد أن وجد نفسه وحيداً في العراء في مواجهة «حزب الله» الممتد من المحيط إلى الخليج.
هذا مشهد مختل تماماً. ولن يطول بنا الانتظار كثيراً. وإذا كانت المؤشرات العراقية غير كافية للقول إن داعشاً ما يلوح، يبقى أن الجماعات الأهلية لم يسبق أن قبلت بـ «ستاتيكو» الهزيمة.
في العراق استأنف التنظيم بعض نشاطه، وفي سورية ننتظر انسحاباً أميركياً سيولّد فراغاً هائلاً، ولبنان ليس بعيداً عما يجري في جارتيه.
من غير الحكمة أن ينتظر المرء غير الحروب في ظل هذا الفراغ. | |
|