| | التاريخ: آذار ٢٢, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | تركيا ومعركة عفرين - رضوان زيادة | انتهت تقريباً معركة السيطرة التركية على مدينة عفرين السورية ذات الغالبية الكردية بتمكن القوات التركية بالتعاون مع فصائل عسكرية سورية من دخول مركز المدينة، وهي العملية التي أطلقت عليها تركيا أسم «غصن الزيتون» لكن يبدو أن تقدم القوات التركية مدعومة من فصائل «الجيش السوري الحر» هو تقدم ثابت وغير قابل للتراجع بهدف السيطرة على مناطق أخرى تقع تحت سيطرة قوات ميليشيات وحدات الحماية الكردية PYD، تراجعت في اتجاه مركز المدينة في البداية ثم انسحبت منها انسحاباً كاملاً، والاعتماد على شن عمليات مفاجئة ضد القوات التركية بهدف تأخير تقدمها.
تبدو التكلفة العسكرية والسياسية بالنسبة إلى تركيا مرتفعة، فعملية «غصن الزيتون» أصعب عسكرية من العمليات السابقة التي قامت بها تركيا داخل الأراضي السورية من مثل معركة السيطرة على جرابلس أو عملية «درع الفرات» التي سيطرت من خلالها على مدينة الباب والتي اعتمدت فيها القوات التركية على مساندة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة جواً وعلى قوات الجيش السوري الحر براً لطرد تنظيم «داعش» من تلك المناطق.
لكن عملية غصن الزيتون هنا مختلفة إذ تقف الولايات المتحدة على الحياد أو بالأصح الحياد السلبي حيث وجه مسؤولون في إدارة ترامب انتقادات خفية وغير صريحة للعملية التركية وطالبوا الحكومة التركية بخفضها للحد الأدنى بهدف التركيز على محاربة داعش.
تعكس «غصن الزيتون» عملياً اتخاذ قرار نهائي وحاسم على مستوى الحكومة التركية بإنهاء وجود قوات الحماية الكردية على الحدود التركية الجنوبــية مع سورية والقيام بذلك عسكريا ومهما كلف الأمر سياسياً، فتركيا لم تعد تــثـق بالوعـود الأميركية وأصبح لديها شكوك كبيـرة في صدقيـة الإدارة الأميركيـة وحقيقة ما ترغب القيام به في سورية، وبالتالي تكون تركيا قد حسمت ترددها على مدى الأعوام الثلاث الماضية مستندة على وعود أميركية بسحب السلاح من هذه الميليشات بمجرد انتهاء العمليات ضد داعش أو تزويد الحكومة التركية بمعلومـات تفصيلية عن شحنات الأسلحة وغير ذلك مما كان قادراً على تخدير الحكومة التركية على مدى السنوات الماضية، لكن يبدو أن أزمة الثقة بين الطرفين انتهت وأن العلاقات التركية – الأميركية مرشحة للتوتر بشكل أكبر مع طلب الرئيس أردوغان من الحكومة الأميركية سحـب قواتــها من منبج التي أعلنت الحكومة التركية أنها ستكون الوجهة الثانية بعد انتهاء العمليات العسكرية في عفرين.
كما أن تركيا تبدو جادة اليوم أكثر من أي وقت مضى في إعادة تأهيل هذه المجموعات المختلفة تحت مسمى الجيش السوري الحر والاعتماد عليها في عملية غصن الزيتون، ولذلك جمعت الفصائل المختلفة المكونة من فيلق الشام» و «نور الدين زنكي» وغيرها بهدف دفعها إلى المشاركة في العملية ولإعطاء دور سوري أكبر من العملية، ولذلك تبدو خسائر الجيش السوري الحر أكبر من خسائر القوات التركية كون الجيش الحر أخذ دوراً رئيساً في التقدم على محاور مختلفة من ناحية جنديرس جنوب غربي منطقة عفرين ومن محور قسطل جندور وجبل برصايا غربي مدينة إعزاز، كل ذلك معزز بالطيران الحربي التركي الذي استهدف مواقع للوحدات الكردية في قرى بمحيط عفرين، مع قصف من راجمات الصواريخ المتمركزة في محيط أطمة، شمال إدلب، وتركز على تلة قسطل وقرى كفرصفرة، وحمام، وديوا، في محور جنديرس من الجهة الجنوبية الغربية لناحية عفرين.
أما بالنسبة إلى التكلفة الإنسانية فكانت مرتفعة للغاية بسبب لجوء عدد كبير من النازحين السوريين ولجوؤهم إلى منطقة عفرين التي حافظت على استقرار نسبي منذ عام 2013 هو ما دفع الكثير من العائلات المدنية للهروب من ريفي حلب وإدلب واللجوء إلى عفرين خوفاً من تساقط البراميل المتفجرة العشوائية التي خص بها نظام الأسد مناطق المعارضة الخاضعة لسيطرة الجيش السوري الحر منذ عام 2013 في حين اتسمت المناطق التي تحت سيطرة وحدات الحماية الكردية بهدوء نسبي، ولذلك فبعد عملية غصن الزيتون من المتوقع تهجير عدد كبير من هذا العائلات التي استوطنت في عفرين وفي الوقت ذاته فإن الصراع على المدينة ذات الغالبية الكردية ربما يأخذ بعداً عصائبياً ويشجع بعض العائلات الكردية للالتحاق بمليشيات وحدات الحماية، ولذلك على تركيا أن تتوقع أن توجهها نحو منبج لن يكون بالسهولة ذاتها، إذ ربما تستمر عملياتها العسكرية لأشهر أو أسابيع وليس أيام كما كانت الخطة ألأولية.
في شكل عام يمكن القول أن عملية غصن الزيتون ربما تفتح الباب لعملية إعادة هيكلة كاملة للجيش الحر بحيث يلعب كقوات استقرار أو حفظ سلام في المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة المسلحة إذا دفعت المعارضة السياسية ممثلة بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية بورقة توحيد وتنظيم الجيش الحر كأولوية للاستقرار في خطة ما بعد القضاء على «داعش» أو المنظمات الإرهابية الأخرى كوحدات الحماية الكردية كما تصنفها تركيا كمنظمة إرهابية.
لكن ذلك يتطلب الكثير من الجهود الدولية والإقليمية والمساهمات المالية التي ترتكز على القبول بالجيش الحر، بوصفه قوة الاستقرار المحلية في مناطق الشمال السوري التي خرجت عن سيطرة نظام الأسد ومرت بسنوات من الألم وغياب الخدمات الأساسية بسبب القصف العشوائي المستمر من النظام، وبسبب عدم قدرة الأطراف الدولية أو الإقليمية على حماية هذه المناطق الممتدة على الشريط الحدودي التركي– السوري.
* كاتب سوري | |
|