| | التاريخ: آذار ١٥, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | الانتخابات اللبنانية:الزبائنية لحشد التأييد سامي عطاالله - زينة الحلو | يرى الكثيرون في اعتماد لبنان نظام التمثيل النسبي خطوة باتجاه تبنّي نظامٍ أكثر تمثيلاً يهدف إلى اختيار أحد أبرز صناع القرار في البلاد. فوفقاً للدستور اللبناني، النواب مسؤولون عن انتخاب رئيس الجمهورية بشكل جماعي، فضلاً عن منح الثقة للحكومات الجديدة، ووضع السياسات الوطنية، من ضمنها الموازنة العامة، ومساءلة الحكومة من خلال ممارسة وظيفتهم الرقابية، إلى جانب مهام أخرى. بيد أنّ القانون الانتخابي الجديد تقوّضه بعض أبرز مبادئه التي تحافظ على شبكات الزبائنية إذ يفرض، إلى جانب أمور أخرى، اعتماد الصوت التفضيلي وإعادة تقسيم الدوائر تماشياً مع المحاصصة الطائفية السائدة في البرلمان. ولو أخذنا كلّ هذه الأمور بالاعتبار، حريٌ بنا أن ننظر في هيكليات السلطة والتكتيكات الكامنة وراء العملية الانتخابية.
ولا بدّ من الإعتراف أيضاً بأنه بقدر أهمية الدور الذي يلعبه القانون الانتخابي في تحديد نتائج الانتخابات، بقدر ما يلعب السلوك الانتخابي دورا في تلك النتائج، إن لم يكن أكثر. بعبارة أوضح، يحصل تجاهل أو حتى تحايل على كيفية إدارة الأحزاب والمرشحين لحملاتهم الانتخابية، وحشد الناخبين وإقناعهم، والتلاعب بوسائل الإعلام، والتأثير في الرأي العام، وشراء الأصوات. أضف إلى ذلك أنّ الناخبين بشكل عام ليسوا مدركين لهذه الحيَل. لن تسعى هذه المقالة إلى تسليط الضوء على كافة الأساليب التي تلجأ إليها الأحزاب والقوى السياسية من أجل الفوز في الانتخابات، حيث معالم القانون الانتخابي نفسه يتمّ تغييرها، بل ستعالج قضية الزبائنية وهي العلاقة القائمة بين الأحزاب والناخبين بحيث يوفر الأحزاب أو الزعماء الخدمات أو الوظائف للناخبين مقابل ولائهم السياسي. في حين أن بعض الناس يصوّتون على أساس قناعاتهم الطائفية أو الأيديولوجية، كثيرون آخرون يدعمون حزباً أو مرشحاً معيناً بدلاً من آخر، بناءً على الخدمات المقدمة للناخبين أو الأموال النقدية المدفوعة يوم الانتخابات.
في الواقع يتماشى توفير الخدمات وشراء الأصوات جنباً إلى جنب مع النظام الانتخابي الأكثري الذي كان قائماً. فبمجرد أن تتفق الأطراف على كيفية تقصيم الدوائر الانتخابية في ظل النظام الأكثري، لا يبقى عليها سوى تعبئة عدد معين من الناخبين في هذه الدوائر لكي يتم انتخابها. في المبدأ، يُفترض بالنظام الانتخابي القائم على النسبية أن يحول دون التقسيم الكيفي للدوائر الانتخابية بقصد الحصول على أغلبية الأصوات، وبخاصةٍ في حال اعتماد الدوائر الكبيرة حيث لكلّ صوت أهميته.
هذا النظام يجعل شراء الأصوات وتوفير الخدمات أكثر كلفة، حيث تضطر الأحزاب السياسية إلى وضع استراتيجيات جديدة لحشد الناخبين لصالحها. إلا أن القانون الانتخابي الجديد قد نجح في الحفاظ على بعض أبرز جوانب الزبائنية، وبالتحديد من خلال اعتماد الصوت التفضيلي، ورفع سقف الإنفاق على الانتخابات، وتضخيم عدد مندوبي الانتخابات المسجّلين، والسماح للمنظمات الخيرية بتوفير خدمات مشروطة خلال الانتخابات.
وبدعم من مؤسسة كونراد آديناور، نظّم المركز اللبناني للدراسات مجموعات تركيز مع ناخبين من مختلف المناطق اللبنانية، مع مراعاة التوزع الجندري، والفئة العمرية، والطائفة، ومستوى الدخل، والتنافسية ضمن الدائرة الإنتخابية. وفي ما يلي توليف لبعض النتائج الرئيسية المستخلصة. أولاً، وفي حين أن معظم المشاركين يرغبون في التصويت لأحزاب ومرشحين أصحاب رؤى سياسية وطنية، فقد اختار معظمهم الأحزاب الطائفية الحالية خوفاً من الجماعات الأخرى الموجودة في البلاد.
فالعديد من المشاركين اتخذوا قرارهم الإنتخابي ظناً منهم أنهم يحمون جماعاتهم من التهديد الذي يلحق بهم كطائفة - من ناحية الأمن الجسدي والمادي - والآتي من مجموعات أخرى. ثانياً، يتوقّع المواطنون من نوّابهم أن يوفّروا لهم الخدمات والوظائف وغيرها من الأمور، لاسيما أنّ مؤسسات الدولة قد فشلت في تصميم وتنفيذ السياسات التي تجعل الخدمات العامة متاحة للجميع، مثل فرص العمل، والتعليم المجاني عالي الجودة، والتغطية الصحية الشاملة. من ناحية أخرى، يفضّل النواب توفير الخدمات الهادفة للأفراد وعائلاتهم عوضاً عن تصميم السياسات التي تخدم المجتمعات والمناطق الأكثر عوزاً.
وفقاً لرأي المشاركين في مجموعات التركيز، يمنح السياسيون خدمات قيّمة لمكافأة أنصارهم المخلصين على دعمهم الفعّال وطويل الأجل، وبخاصة أولئك الذين يمارسون نفوذهم على مجموعات كبيرة من الناخبين. وفي بعض الحالات، يقدم السياسيون الخدمات للناخبين ذوي النفوذ، حتى لو لم يكونوا موالين لهم. وتشمل الخدمات القيّمة الوظائف، والمنح الدراسية، وكذلك المدفوعات للرعاية الطبية ولكن بنسبة أقل. وتهدّد الأحزاب السياسية أيضاً بالإمتناع عن توفير الخدمات أو سحبها من الناخبين الذين امتنعوا أو توقفوا عن دعم المرشح أو الحزب المعني، وبخاصة في المناطق حيث يعتمد السكان إلى حد كبير على حزب أو زعيم واحد قوي يوفّر العمالة والخدمات التعليمية أو الصحية.
وعلى سبيل المقارنة، يتمّ توزيع السلع منخفضة القيمة مثل المساعدات الغذائية والمبالغ الصغيرة للناخبين ذوي الانتماءات الضعيفة أو القابلين للإقناع، خاصة في حال كانوا من ذوي الموارد المحدودة والاحتياجات المادية الكبيرة. ويتم أحياناً توفير هذه السلع بشكل دوري ومنتظم، وبخاصةٍ إذا كان للحزب نظام توزيع قوي، ولكن هذه السلع تظهر بوتيرة وكميات أكبر في الأشهر التي تسبق الانتخابات، وهي تتخذ شكلاً من أشكال شراء الأصوات. وتجنّد الأحزاب القادة المحليين مثل رؤساء البلديات والمخاتير الذين يتحوّلون إلى وسطاء (هم في معظم الأحيان زعماء عشائريون، وبخاصة في المناطق الريفية وعند الأطراف) يقومون بتحديد الناخبين الذين يمكن إقناعهم ضمن مجتمعاتهم ويتقرّبون منهم لغرض شراء أصواتهم. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الأحزاب أو الزعماء لا يوفّرون الخدمات بشكل طوعي، بل ينتظرون حتى يطالب بها المواطنون.
وتستهدف تلك الزعامات والأحزاب العائلات الكبيرة التي لديها أصوات أكثر وقابلية للتجيير.
وتجدر الإشارة إلى أن القانون الانتخابي السابق رقم 25/٢٠٠٨ قد ‘شرّع’ إلى حد ما هذه الانتهاكات لديموقراطية الانتخابات إذ تنص المادة ٥٩ منه على ما يلي: ‘تعتبر محظورة أثناء فترة الحملة الانتخابية الإلتزامات والنفقات التي تتضمّن تقديم خدمات أو دفع مبالغ للناخبين، ومنها على سبيل البيان لا الحصر التقديمات والمساعدات العينية والنقدية إلى الأفراد والجمعيات الخيرية والاجتماعية والثقافية أو العائلية أو الدينية أو سواها، أو النوادي الرياضية وجميع المؤسسات غير الرسمية. لا تعتبر محظورة التقديمات والمساعدات المذكورة أعلاه إذا كانت مقدّمة من مرشحين أو مؤسسات يملكها أو يديرها مرشحون درجوا على تقديمها بصورة اعتيادية ومنتظمة منذ ما لا يقل عن ثلاث سنوات قبل بدء فترة الحملة الانتخابية’. وهذه المادة غير البديهية لا تشرّع الزبائنية فحسب، بل تعطي أفضلية للأحزاب والمرشحين ‘القدامى’ الذين يمارسون الزبائنية بشكل مستدام على حساب الأطراف الجدد الذين يحاولون اختراق النظام .
وفيما يؤكّد البعض على أنّ الزبائنية توفر الخدمات للمواطنين عندما تمتنع الدولة عن القيام بواجبها، من الأصح القول أن الدولة - التي تديرها النخبة الحاكمة - تمتنع عن القيام بذلك، لتعطي الأحزاب السياسية فرصة التلاعب بالانتخابات لمصلحتها الخاصة عن طريق جعل الناخبين رهينة لديها. وبهذه الطريقة، الزبائنية تقوّض الديموقراطية والتنمية معاً. وتالياً، الفكرة القائلة بأنّ المواطنين قادرون على انتخاب ممثليهم أو محاسبتهم قد قُوّضت بسبب شبكة الزبائنية هذه، حيث الأحزاب هي التي تكافئ أو تعاقب الناخبين على خيارهم الانتخابي. ويؤثّر هذا السلوك أيضاً على التنمية إذ ليس للنخبة السياسية أي حوافز تدفعها لتوفير أو ضمان التنمية للبلاد إذ لطالما نجحت في الانتخابات عن طريق شراء الأصوات وتقديم بعض الخدمات لأولئك الذين تعوّل عليهم في مناطقها في ظل النظام الأكثري الحالي. في الواقع، الزبائنية لا تستطيع تحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية للناخبين، باستثناء توزيع بعض المال أو الخدمات عليهم، مما يعطيهم مدخولاً إضافياً بشكل مؤقت. في الواقع، ما يحدث هو عكس ذلك، إذ أن هذه الاستراتيجية المعتمدة في الحملات الانتخابية تؤدي إلى إفقار الناس من خلال حرمانهم من الخدمات التي هي حق لهم.
سامي عطاالله: المدير التنفيذي للمركز اللبناني للدراسات
زينة الحلو: باحثة ومستشارة تنمية والأمينة العامة السابقة للجمعيّة اللبنانيّة من أجل ديموقراطيّة الانتخابات | |
|