| | التاريخ: آذار ١٥, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | مستقبل «الجيش السوري الحر» - رضوان زيادة | يدور نقاش وجدل كبير اليوم في واشنطن حول السياسة التي يجب أن تتبعها إدارة الرئيس دونالد ترامب في التعامل مع الأحداث المتطورة بسرعة في سورية، وبخاصة بعد هزيمة تنظيم «داعش» بشكل شبه كلي في سورية، واستعادة القوات النظامية بالتعاون مع روسيا قدرتها في السيطرة على عدد من المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة على مدى سنوات خمس أو ست من مثل حلب وريف حمص، إضافة إلى العملية العسكرية التي يشنها النظام الآن بهدف استعادة الغوطة الشرقية مع ما يترافق مع ذلك سقوط عدد كبير من الضحايا المدنيين والأبرياء.
وما يعزز هذا النقاش اليوم هو إعلان إدارة ترامب وقف دعم الجيش السوري الحر العام الماضي ضمن برنامج تسليح وتمويل المعارضة السورية الذي رعته ونفذته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، فالموقف الأميركي اليوم ما زال على سياسته في التركيز على قتال داعش حيث الأولوية مع تجاهل المجازر التي يرتكبها نظام الأسد وروسيا بحق المدنيين في كل أرجاء سورية، لكن الموقف الأميركي في الوقت ذاته أعلن عن إبقاء قواته في سورية وزياد عددها بشكل محدود بهدف ضمان تحقيق الاستقرار في سورية، وتغيير اسم قوات الجيش السوري الحر والبرنامج الذي يدعمها إلى برنامج يعتبر هذه القوات كقوات حفظ سلام.
ولذلك تُعتبر مراقبة الموقف الروسي والاميركي من عملية غصن الزيتون هاماً للغاية، فروسيا تقريبا تسيطر على القرار العسكري والسياسي للنظام السوري، وبنفس الوقت دعمت ومولت سياسياً وعسكرياً وحدات الحماية الكردية وفتحت لها مكتباً في موسكو عام 2015 كما أنها في ما بعد استثمرت سياسياً وعسكرياً في ما تسميه إحلال السلام في سورية بطريقتها الخاصة التي تعني إعادة تأهيل نظام الرئيس السوري بشار الأسد والقضاء على المعارضة المسلحة التي يجب أن تخضع لشروطها.
لذلك عمدت تركيا في البداية إلى الحصول على الموافقة الروسية لعمليتها العسكرية في عفرين، وأعلنت تركيا مقابل ذلك أنها ستدعم جهود روسيا في عقد مؤتمر سوتشي الذي التأم في نهاية شهر كانون الثاني (يناير) 2018، وبالفعل كانت الاستجابة الروسية سريعة للغاية فسحبت كل قوات الشرطة العسكرية التي تتمركز في محيط المدينة واتهمت الولايات المتحدة أن سياستها في سورية قادت إلى العملية التركية في عفرين، ولذلك بدا البساط ممهداً للقوات التركية للدخول إلى المدينة، أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة فهي تدرك أن عفرين ليست ذات قيمة استراتيجية لها وليس لها وجود عسكري هناك كون «داعش» لم تستطع الوصول إلى هذه المدينة أو الدخول إليها وبقيت تحت سيطرة قوات الحماية الكردية منذ عام 2013 التي أعلنت «نظام الإدارة الذاتية» فيها وأصبحت جزءاً من الكانتونات الثلاثة التي تسيطر عليها في سورية إضافة إلى كوباني (عين العرب) والقامشلي قبل أن تضم لها كلاً من منبج والرقة في ما بعد وذلك بعد تحريرها من داعش.
ولذلك تمكنت تركيا من الحصول على الموافقتين الروسية والاميركية للعملية وهو ما يعكس تحول طبيعة الحرب في سورية ومراوحتها بين مستوى الصراع بين القوى الكبرى إلى الصراع بين الدول الإقليمية، وكل مدينة أو قرية في سورية تدور فيها رحى الحرب تكتب أهميتها من مدى اقترابها أو ابتعادها من صراع المحاور الدولية والإقليمية وهذا ما يحول الحرب في سورية إلى شكل من أشكال العبث اللانهائي، فتغيرات المصالح سوف يقود بالضرورة إلى اشتعال الحرب مرات ومرات في المدينة أو القرية ذاتها، وفق تغير هذه المصالح، فعلى سبيل المثال المدينة الحدودية أعزاز بين سورية وتركيا التي لا يزيد تعداد سكانها عن 70 ألفاً تغيرت السيطرة عليها بحسب تغير الخرائط الإقليمية والدولية، ما جعل الحياة فيها شبه مستحيلة، فقد كانت أول مدينة يتمكن الجيش السوري الحر من السيطرة عليها عسكرياً في عام 2012 ثم دخلتها القاعدة ممثلة في جبهة النصرة عام 2013 قبل أن تهددها وحدات الحماية الكردية عام 2015 وترغب في السيطرة عليها مدعومة من القوات الروسية بهدف ربط الكانتونات الثلاثة التي تسيطر عليها في الشمال السوري ما دفع القوات التركية للتدخل عام 2016 ومنع سيطرة قوات لحماية الكردية من الاستيلاء عليها.
ومع بداية عام 2016 شنت داعش هجمات عنيفة على المدينة بهدف الضغط على تركيا وتمكينها من تهديد حدودها الجنوبية، قبل أن تدعم تركيا قوات مكونة من الجيش الحر من دخول المدينة والسيطرة عليها كلياً وإدارتها من قبل الحكومة المؤقتة التي تتبع للمعارضة وتدير مكاتبها من غازي عنتاب المدينة الحدودية التركية.
قصة أعزاز تعكس بألم قصة الحرب السورية اليوم، وما دام الصراع الأميركي– الروسي على مستوى القوى العظمى مستمراً في سورية، والصراع الإقليمي على مستوى تركيا وإيران، وظهور الحركات الانفصالية والأيديولوجية المتطرفة من مثل قوات الحماية الكردية و «داعش» والقاعدة في سورية كل ذلك يجعل الحرب في سورية أشبه بالحرب العبثية التي يمكن أن تستمر إلى ما لا نهاية.
وهو ما يفرض علينا التفكير مجدداً في مستقبل الجيش السوري الحر وكيف يمكن إعادة إحيائه أو بنائه من جديد، فمنذ تأسيس ما يسمى الجيش الحر في عام 2012 على يد مجموعة من الضباط المنشقين عن الجيش النظامي السوري لم تفلح كل عمليات هيكلته أو مأسسته، فالخلافات الشخصية داخل قياداته مع تصاعد الخلافات الإقليمية بين الدول الممولة والداعم له وفي الوقت ذاته التدخل الروسي العسكري في أيلول (سبتمبر) 2015 الذي جعل أحد أهدافه القضاء على المعارضة السورية «المعتدلة» عبر استهدافها جواً وعبر البحر بطاقة نيران، لا قبل للجيوش النظامية على مواجهتها، فما بالك بجيش ليس له من اسمه سوى «العلامة».
ما عدا ذلك ليس هناك أي قيادة عسكرية مركزية أو قيادة للأركان وليس هناك تسلسل هرمي أو رتبي يضمن الانضباط داخل هذه المؤسسة، وإنما كل ما في الأمر هو مجموعات مقاتلة ترغب في البداية في الدفاع عن مدنها وقراها من هجوم قوات الأمن السورية النظامية وهجمات الجيش النظامي التي ارتكبت مجازر مروعة في كل المدن التي دخلتها من حمص إلى داريا إلى مدن الريف الدمشقي وريف حلب وإدلب.
بعد ذلك، فشلت جهود المعارضة السياسية في توحيد بندقية الجيش الحر كما أثرت الخلافات الإقليمية بشكل كبير على هذه الجهود ومع بداية عام 2014 بدأت القاعدة وداعش عمليات ممنهجة تهدف إلى القضاء على وجود الجيش الحر ووجده في مناطق الشمال والجنوب السوري ومع مطلع عام 2016 وتصاعد الحملة العسكرية الروسية ضد الجيش الحر تشتت المجوعات العسكرية المختلفة، وبعضها اضمحل أو اختفى كلياً من الساحة، من مثل لواء التوحيد واتحاد ثوار سورية وغيرها الفصائل والمجموعات التي دعمتها الولايات المتحدة لكن ليس بشكل كاف مما أدى إلى اختفائها خلال قتالها ضد «داعش» أو القاعدة أو ضد التدخل الروسي كما حصل في حلب في نهاية عام 2016 .
* كاتب سوري | |
|