| | التاريخ: آذار ١٤, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | «أقدام صدّام» - مشرق عباس | نجح الأميركيون في اقتلاع معظم أجزاء تمثال صدام حسين من ساحة الفردوس ببغداد عام 2003 في مشهد مثير أُريد له أن يكون رمزاً هوليودياً لسقوط نظام ومجيء آخر، لكن التمثال لم يُقتلع تماماً، فأقدامه استمرت مغروسة في المنصة الكونكريتية لنحو أربعة عشر عاماً لاحقة.
سخر أهالي بغداد طويلاً من فشل قادة العراق الجدد بشعاراتهم العريضة وميزانياتهم الهائلة وجيوش حماياتهم الممتدة، في «اجتثاث» صدام من الساحة التي كان من المفترض أن تكون رمزاً لـ «اجتثاث نظامه».
ومع أن كلمة «الاجتثاث» أبدلت في العراق، إلى «هيئة المساءلة والعدالة» ويفترض بها أن تعالج تركة النظام السابق، إلا أن جوهر الفكرة لم يتغير، فـ «المساءلة» تفتقر الدقة في الرصد القانوني للمتورطين فعلاً بالدم العراقي، و»العدالة» توسع دائرة الانتقام من أكبر عدد ممكن ممن عملوا تحت ظل النظام من ضباط جيش وشرطة وموظفين.
أخيراً أصدرت الهيئة قوائم مصادرة وتجميد أموال طاولت نحو 5 آلاف شخص، لتثير موجة غير متوقعة من الغضب والاستياء لدى الجمهور العراقي، وهو الجمهور الذي لم تعد ردود فعله مفهومة لدى قادة الأحزاب كما كان الأمر في سنواتهم المزدهرة إبان الحرب الطائفية.
قائمة «الاجتثاث» الجديدة، استندت في الواقع إلى قانون اقره البرلمان العراقي بموافقة كل كتله السياسية في نيسان 2017، وهيئة «المساءلة والعدالة» طبقت القانون بحذافيره لكنها تلقت بعد إصدارها لقوائم المشمولين به سيلاً من الانتقادات، من القوى التي كتبت القانون بيدها ومن ثم صوتت عليه بحماسة.
المفارقة أن القوى السنية التي كانت أكثر من غيرها حماسة لإقرار القانون افترضت انه سيشكل إنجازاً لها في نظر جمهورها قبيل الانتخابات، فهي قد قلصت المشمولين بالقانون السابق إلى النصف، وفرضت تشكيل لجنة لتدقيق الملكيات وأصولها، كما أن القوى الشيعية وبعض القوى الكردية أيضاً اعتقدت أن مصادرة منازل هؤلاء سيكون «ثأراً» صالحاً للمتاجرة الانتخابية.
لكن القوى المختلفة تلقت صدمة كبيرة، فالجمهور السني كما الجمهور الشيعي والكردي هاجم القانون بعنف، طرح الناس أسئلة لم يكن بمقدور عناصر الأحزاب السياسية في البرلمان طرحها على انفسهم، مثل: «إذا كان أي من المشمولين بالقانون وكثير منهم هم ضباط في الجيش الحالي وشاركوا في معارك القضاء على داعش مذنباً لماذا لا تتم محاسبته قضائياً ولماذا القصاص يكون بأخذ منزله فقط؟».
السؤال منهجي، لأنه يستند إلى قاعدة معرفية باتت تشكل زاوية نظر الشعب العراقي إلى قادته وأحزابه، فهؤلاء: «لا يبكون على الحسين كما يبكي بصدق كل عام ملايين العراقيين بل على هريسة عاشوراء»!، والقضية بالنسبة اليهم تتعلق بـ «هبرة» جديدة من المنازل والمزارع والأملاك سيتم تقاسمها بقسمة الغرماء نفسها التي حكمت العراق منذ 2003.
المشكلة أكثر عمقاً ، فالفشل الأساسي كان في عدم قدرة الطبقة السياسية الحاكمة على فهم إحدى البديهيات التي تقول إن بناء تجربة ناجحة كفيل باقتلاع التجربة التي سبقتها، وأن أي اجتثاث وانتقام وثأر من ضباط جيش وشرطة وامن وموظفين سابقين لا يمكنه أن يحدث فرقاً حقيقياً في حياة الناس كما تحدثه العدالة الحقيقية.
عاش السياسيون العراقيون دائماً بهاجس النظام السابق، أهدروا الكثير من الجهد والوقت في الاستثمار بالتحذير من عودة النظام كمفتاح للنجاح السياسي والانتخابي، حتى فوجئوا بأن العمر الافتراضي لتلك الشعارات قد انتهى، وأن أجيالاً شابة جديدة باتت مهتمة أكثر بالتدقيق في طريقة هدر أموال العراق، وتضييع فرص بناء الحكم الرشيد، ودفع البلد عبر أخطاء كارثية ليكون لقمة سائغة لـ «داعش» وملعباً للصراع الإقليمي.
العراقيون، انتبهوا أخيراً إلى أن ساحة الفردوس أُغلقت منذ شهور لتنفيذ «الاقتلاع» المؤجل لأقدام صدام حسين، وعلى رغم أن مساحة الساحة لا تتجاوز عشرات الأمتار، فإن المشروع يبدو معقداً، ومتلكئاً. ليس الأمر إن الأقدام عصية على الاقتلاع من ساحة الفردوس، فتلك مهمة سهلة، المشكلة في إمكانية اقتلاعها من عقول طبقة سياسية ما زالت تعيش فعلياً في ظل نظامه.
| |
|