| | التاريخ: آذار ١٣, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | ردّ أولي على دراسة خليل هندي: في تخطّي الخيار المسلّح اللبناني والعربي - شبلي ملاّط | في الاستباق الفكري العقلاني لكلّ حادثةٍ موقفٌ مبدئي توفّر دراسة البروفسور خليل هندي (رئيس جامعة بيرزيت السابق) مرتكزاً مهمّاً له في دراية شبح الحرب المتواصل بين إسرائيل ولبنان. عادت طبول الحرب بقوة على خلفية النكبة السورية المتواصلة، ولبنان مهدّدٌ مجدداً بنشوبها عنده أو امتدادها على أراضيه في بُعد اقليمي ودولي يرتبط بعضه بالعداوة المفتوحة بين حكومتي ايران وإسرائيل. ولبنان في هذه العداوة مجرّد هامش معرّض لتلاطم أمواج عاتية لا سيطرة له عليها، حتى في حديث جدّي عن "النأي بالنفس". وقد تأتي الحرب على غفلة من البوابة السورية، أو من بوابة فاطمة، كما سبق أن جاءت في صيف 2006، حتى لو كان الطرفان الإسرائيلي واللبناني نادمين على حصولها أصلاً، إذا صدق حديث أمين عام حزب الله غداة الحرب، وصدق الاستنتاج العارم في اسرائيل أنها خسرت ما تسميه رسمياً في تقرير فينوغراد "بالحرب اللبنانبة الثانية".
من هنا أهمية دراسة خليل هندي. فالموقف الإستباقي العقلاني يحتاج اليوم الى مراجعة مبدئية عميقة إثر الدراسة، يمكن تبسيطه بالمعادلة التالية: إذا كانت الاستراتيجية التي تنتهي اليها الدراسة صحيحة، أي أنَّ على العمل الفلسطيني لتغيير الواقع المأساوي الناجم من استراتيجية إسرائيلية ثابتة بوحشيتها وتماسكها عبر العقود، على العمل الفلسطيني أن يتبنى استراتيجية لاعنفية. فإذا كان صحيحاً أن الخيار الفلسطيني في الداخل هو خيار لاعنيف، فما جدوى أي حرب بين إسرائيل والدول العربية، وأوّلها لبنان؟ بعبارة أخرى إيجابية: متى كان خيار التصدي لإسرائيل داخل فلسطين خياراً لاعنفياً، فتصحيح الأذى الاسرائيلي المبرّح تجاه الفلسطينيين بحرب خارجية فارغٌ معناه على الإطلاق.
على الإطلاق؟ قد أكون مخطئاً، ومناقضاً لبعض كتاباتي في الدور الخارجي لإنهاء النكبة السورية، لكنني لا أريد هنا الدخول في تشعبات تضيع فيها الملامح الثابتة للرد الأولي على ورقة خليل هندي، وهو أن الخيار الخارجي المسلّح يدمّر الخيار الداخلي اللاعنفي التي تدعو اليه الدراسة. ربّ قائلٍ أن الخيار غير متاح سوى للطوباوي الساذج متى أقدمت إسرائيل بتعدٍّ جديد على لبنان، وللتعدي أشكاله المختلفة، من اغتيال رجال حماس في صيدا (وهو سبب خطف الجنود الإسرائيليين في 12 تموز 2006)، أو إقامة حائطٍ على حدود غير معترف بها، أو سرقة النفط اللبناني في البلوك 9. ألا تضع مثل هذه الخروقات لبنان بموقف دفاعي مشروع، يبرّر للحكومة اللبنانية ، عن طريق الميليشيا أو الجيش، أو الإثنين معاً، التصدي العسكري لإسرائيل بملء قواه؟
قد يكون هذا الحديث صحيحاً، لكنّ التصدي لأي خرق ممكن بطُرق رديفة لحرب شاملة، ومن أهمّها ما طرحه رئيس الجمهورية من لجوء الى أشكال من التحكيم القانوني الدولي. هذا طرح حضاري، قد تقبله حكومة إسرائيل أو لا، فإذا قبلته دخلنا في مسار مختلف نوعياً، يمتدّ الى كل خلاف مع إسرائيل، من مزارع شبعا الى النفط الى موضوع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.
لهذه الطرق الرديفة حديثٌ يطول، لكنه ثانوي في بحثنا الراهن. فالموضوع بات أعمق من بَعْدِ التغيير النوعي الذي أدخلته دراسة خليل هندي اذا كنا جادّين في التعاطي معها.
فلنتأمل الموضوع اللبناني من الزاوية الجديدة التي تقدّمها الدراسة. إذا اختار الفلسطينيون خطة استراتيجية لاعنفية، فهذا يعني أن العنف الفلسطيني المشروع ضدّ الاحتلال في الضفّة، وضدّ الحصار في غزة، وضدّ التمييز العنصري لأهل داخل الـ48، وضدّ تجاهل حق اللاجئين بالعودة والتعويض، العنف الفلسطيني كخيار قد انتهى. ولئن انتفى الخيار المسلح في فلسطين بقرار من الفلسطينيين متى اعتنقوا خطّة خليل هندي، فلا معنى لخيار مسلّح في لبنان أو أية دولة عربية أخرى، لأن الخيار المسلّح الخارجي يعني بالضرورة تدمير الخيار الفلسطيني الداخلي كخيار استراتيجي.
لقد تعلّم الفلسطينيون من تجارب مرّة على امتداد سبعين عاماً، أنهم هم حماة مصيرهم، وليس الأشقاء العرب مهما صفت نواياهم. متى اختار الناس في فلسطين اللاعنف طريقاً استراتيجياً لإنهاء الظلم، فأين المشروعية في أن يفرض عليهم جيرانهم العرب، أو مناصروهم الايرانيون او الباكستانيون، مساراً مسلحاً يناقض خيارهم الاستراتيجي بداهةً ويقوّضه ؟
هذا لا يعني ألا نتضامن معهم في خيارهم اللاعنفي ، لبنانيين وعرباً وعالماً، ، كما يعني أن نتواصل معهم لرفع الظلم بالسبل السلمية التي يرونها مناسبة، ومنها، وفقط على سبيل المثال، البحث في موضوع المقاطعة BDS، ورفع الدعاوى الناجزة في المحاكم الغربية على المستوطنين، وتنظيم التظاهرات السلمية النوعية، واللقاءات الفعالة مع قياداتهم في الداخل ومناصريهم في اللاعنف في كل مكان، والاسترشاد منهم عن مدى وجدوى الخطى التي يمكن أن نتّخذها معهم لنصرة خيارهم الاستراتيجي اللاعنفي.
الخيار الاستراتيجي الفلسطيني المبني على اللاعنف يحتّم علينا رفض الإنزلاق الى حرب مع إسرائيل، ليس فقط لأن التصدي لحكومة إسرائيلية عاتية ليست شأننا لما ينتج منها حتماً من تدمير للبنان، بل لأننا باعتناق الخيار المسلّح نقضي فوراً على خيارهم اللاعنفي، وهو الأفق النوعي الجديد الذي جاء على وقع هذه الدراسة المفصلية.
محام وأستاذ قانون | |
|