| | التاريخ: آذار ١١, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | ملك "الممالِك" السعودية - جهاد الزين | الجولة الخارجية التي يقوم بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تكشف أكثر فأكثر أن وصوله لأعلى قمة السلطة في المملكة العربية السعودية شخصاً وبرنامجاً ليس مجرد صدفة نجاح داخل العائلة المالكة بل هو أكبر محاولة داخلية وخارجية لإنقاذ النظام السعودي نفسه والذي يبدو أنه كان وصل إلى مرحلة لم يعد ممكنا فيها بنظر بعض المراكز الرئيسية في العائلة والولايات المتحدة استمرار الوضع على ما هو عليه أمام الأخطار الوجودية التي تهدده.
في حديثه مع رؤساء تحرير الصحف المصرية، وتبعا تحديدا لما كشفه بعضهم، وردت آراء لولي العهد غير مسبوقة في صراحتها، وبالتالي في مفاعيلها، على بنية المملكة وعلاقاتها الإقليمية.
لأول مرة يصف مسؤول سعودي المملكة بأنها "مجموعة مَمالِك" داخل مملكة واحدة وتحت ملك واحد، بسبب طبيعة النظام القائمة على "التحالفات القبلية" مما يجعل العائلة الحاكمة تضم "نصف مليون شخص بينهم خمسة آلاف عضو فاعل".
قال ذلك ليبرّر عدم حاجة المملكة لنظام ديمقراطي "على النمط الغربي" مشددا أن البديل الوحيد للنظام القائم هو بديل ديني و"الإخوان المسلمون" هم "الجماعة الوحيدة المنظمة".
هذا توصيف صريح جدا للنظام الملكي السعودي يريد أن يقول فيه إن القاعدة السياسية الداخلية للنظام هي أوسع مما يُعتَقد وأن "الحزب" الحاكم (والمصطلح لي هنا ولم يرد بحرفيته على لسانه) يضم نصف مليون شخص.
وسأنقل هنا الفقرة بحرفيتها كما وردت في تقرير رئيس تحرير "الشروق" عماد الدين حسين الذي سأستند إليه عندما أنقل بعض الاستشهادات الحرفية رغم أني قرأت تقارير واستمعت إلى بعضها التلفزيوني خصوصا تقرير الزميلة لميس حديدي لأتأكد من مدى المعلومات المشترَكة أو المتَّفَق عليها بين الحاضرين:
"وردّاً على سؤال عن غياب الإصلاح السياسي في السعودية، قال بن سلمان إن السعودية ملكية قبلية، وتتكون من قرى ومدن وأقاليم تحكمها قبائل وملكيات متعددة وكل ملك يسيطر على منطقة وهناك أسلحة كثيرة، وهذه الملكيات تضم ١٤ مليون نسمة من بين ٢٢ مليون سعودي، إضافة إلى عائلة مالكة تضم نصف مليون شخص، بينهم خمسة آلاف عضو فاعل".
في توقيفاته لبعض أكبر وأغنى أمراء العائلة ورجال الأعمال السعوديين (توقيفات فندق ريتز) ظهرت راديكالية سياسية ستُذْكَر كثيرا بعد اليوم بسبب جدّتها الشكلية وحجمها المالي لأن هؤلاء الموقوفين أو الذين كان معظمهم موقوفا هم بالنتيجة أكبر أغنياء العرب في الخمسين عاما الأخيرة.
محمد علي باشا المصري في أوائل القرن التاسع عشر جَمع أمراء المماليك دفعة واحدة وقضى عليهم لتثبيت سلطته بحسب الحادثة الشهيرة في التاريخ. بن سلمان لم تتلطخ يداه بالدم الداخلي السعودي فحلّ المال، وهذا طبيعي، مكان الدم، و"استعيدت" ثروات خيالية بعشرات وربما مئات المليارات لأننا نتحدث هنا عن بلد أنتج أكبر ثروة نقدية عربية في العصور الحديثة.
وفي حديثه مع الصحافة المصرية لا بد من الانتباه إلى أنه لم يصدر نص رسمي سعودي للِّقاء وإنما تُرك الأمر لتقارير الصحافيين الحاضرين. ولكن لم يحصل أي تكذيب لها باستثناء "نفي" لما وصف فيه تركيا وإنما صدر عن السفارة السعودية في أنقرة. وهذا يُضعِف من جدية النفي ويجعله بروتوكولياً.
لقد وضع محمد بن سلمان تركيا في "محور الشر" الذي يضم "إيران والجماعات الدينية المتشددة" وهذا بحد ذاته تطوّرٌ سياسي إقليمي علني كبير جدا، ربما يدفع المراقب إلى اعتباره بدء أحد أشكال نهاية الاستقطاب السني الشيعي لأن هذا الاستقطاب انطلق بتحالف سعودي تركي - وخصوصا في سوريا - وانتقال الاستقطاب أكثر إلى بعده القومي العربي (السعودي المصري) مقابل التركي الإيراني خصوصا أن محمد بن سلمان بات يتحدث بلغة تصالحية وودية عن العراق الذي تحكمه سلطة "شيعيّة" عربيّة.
في دلالة على مدى ذهابه بعيدا في خط الانفتاح الليبرالي الديني اعترف الأمير:
"إن بعض السعوديين هربوا من بلدهم بسبب التشدد فى حين أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) والصحابة كانوا غاية في الاعتدال، والأحاديث الدالة على ذلك كثيرة، بل إن قافلة من الأحباش كانت تلعب العارضة في المسجد الحرام والرسول ومعه عائشة كانا يتفرّجان عليهم. معنى ذلك: أن رياضة النساء حلال، والاختلاط كذلك".
"وفي تقديره فإن حجم وقوة المتطرفين في المملكة تراجعت كثيرا بعد أن كانت تمثل ٦٠٪ صارت نحو ١٠٪ فقط، وقلنا لهم إما أن تقتنعوا أو تصمتوا".
من المستبعَد كما كتبنا سابقا أن لا يكون لهذا الكلام الانفتاحي والبادئ تطبيقه جمهوره لدى الشباب السعودي ذكورا وإناثا بشقيه الاعتراضيّين سواء الذي كان متذمرا من التشدد أو من البطالة.
من الصعب توقع حدود نجاح محمد بن سلمان كأوتوقراطي متنوّر بعكس سهولة التأكّد من اتساع شعبيته داخل السعودية في الظرف الراهن. لكن لا شك تبقى في كل هذا البناء الانفتاحي والسياسي الداخلي والإقليمي نقطة ضعف أساسية لديه داخليا وصورته خارجيا هي حرب اليمن التي تستنفد طاقات كبيرة يمكنه توجيهها في الداخل في حال توفّرت التسوية.
"ثورة القصر" هي عادةً الثورةُ التي تلغي ثورات خارج القصر. في القرن التاسع عشر كان هناك تسابق بين الصين واليابان على اللحاق بالتقدم الغربي، تجمّد "القصر" الصيني فتخلّف ووقعت الثورة خارجه في الشارع عام 1912، بينما انطلق "القصر" الياباني في الاصلاح الذي جعل اليابان قوة عظمى. | |
|