| | التاريخ: شباط ٢٨, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | مؤتمر جنيف ينتقل إلى ملعب عدوّهِ لافروف - عادل يازجي | تتلاحق المتغيرات في مفاصل الأزمة السورية، داخلها وتفاعلاتها وتشابكاتها الإقليمية والدولية، وتبدو معالجتها في إطار الفعل ورد الفعل كالبحث عن الماء في مفازة جرداء حتى من خفوق سراب! فليست المشكلة في سد الذرائع، بل في طبيعة الأسس المولدة لها، وإشكالياتها المعقّدة بتداخل مصالح وإستراتيجيات الأطراف المتورطة فيها.
مؤتمر سوتشي أُريد له أن يكون طلقة الخلاص على مؤتمر جنيف لكن المجتمع الدولي حال دون ذلك، وجامله بتفهّم رسائله التهديدية لمعارضيه باحتضان لجنته الدستورية، وحتى هذا التفهم يرتاب منه أركان الحلف الثلاثي (موسكو- أنقرة- طهران)، وترفضه الحكومة السورية ما لم يكن نقياً ومحصّناً من تسرب أي رأي معارض يعكر صفوه. هذا الإشكال ليس مهماً إلاّ من زاوية العودة إلى مؤتمر جنيف، وقد يُحسم في نتائج معركة الغوطة الشرقية، والتفاهمات التركية الإيرانية السورية (الميدانية والسياسية) برعاية روسية حول مستقبل عفرين السوري- الكردي، وليس في قرار مجلس الأمن بوقف القتال.
الوجود التركي على الأرض السورية تتفهمه واشنطن، لكن أردوغان لا يأمن جانبها طالما ترسّخ وجودها في المرابع الكردية، يطلب ودّها فتفتح صدرها له، وتقدم سلاحها وأموالها لعدوّته "قوات سورية الديموقراطية". ويبدو أن نتائج زيارة تيلرسون إلى تركيا لم تؤدّ إلى ردم الفجوة بينهما، وأغلب الظن أنها لن تُردم إلا على حساب مساحة وازنة من الجغرافيا السياسية والديموغرافية الكردية.
مشكلة الغوطة الشرقية، وعفرين (التركية السورية الإيرانية الروسية والكردية) احتكرت الأضواء، وجمّدت ما كان يفترض أن يعقب مؤتمر سوتشي داخلياً من بدء الخطوات التنفيذية لحل الأزمة بالطريقة الروسية السورية المطعمة بنكهات إيرانيه تركية. واقتصر العمل السياسي الداخلي على حملة تسويق إعلامية لنجاح المؤتمر، لم يواكبها أي حراك سياسي محلّي، لا من النظام ولا من أولئك الذين مثّلوا أطياف الشعب السوري في المؤتمر، وكأن مهمتهم اقتصرت على حضوره لا أكثر ولا أقل. أمّا حملة التسويق الخارجي لفشل المؤتمر فكانت أكثر زخماً إعلامياّ وسياسياّ وميدانياً، حملة إعلامية من هيئة التفاوض العليا وفرنسا والمجموعة الأوروبية، وتصريحات أميركية رافضة تواكب تدخّلها العسكري الواسع في الشمال السوري، مع ذلك رفعت الموالاة راية نجاح المؤتمر، ورفعت المعارضات راية فشله، وكلاهما يوهم نفسه بما ليس بمقدوره أن يفعل! لذلك لن يُفاجأ أيُّ طرف في الداخل والخارج بالعودة إلى مؤتمر جنيف، ولن يعارضه أي من أطراف الصراع طالما يسعى إليه خصمه اللدود لافروف، ليحمّله أوزار اللجنة الدستورية المحالة عليه من سوتشي والمشتركة بين النظام والمعارضات، وسيشغل جلَّ جلسات المؤتمر فضُّ الاشتباك بينها وبين وثيقة الدول الخمس: (الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، السعودية، الأردن)، ولا يُستبعد أن تهبط فجأة فوق طاولته سلة المرحلة الانتقالية من دون سابق إنذار، ليس بكامل أثقالها، ولو بقرار من الثنائية القطبية غير قابل للنقض، ولا لتعدد القراءات، وما ذلك بمستبعد في المرحلة الحالية لما يلفّها من غموض وتصعيد (سياسي) على كل الجبهات.
الوضع الميداني في الغوطة الشرقية وجنوب دمشق كانت تستخدم فيه لغة الحسم الميداني وجمّدها قرار مجلس الأمن الذي هو أشبه ما يكون/إذا طُبق/ باستراحة المحارب، تعقبها، وربما تتخللها، لغة الحسم الميداني، فارتفاع منسوب التصعيد السياسي بين طرفي القطبية الثنائية، لا يطمئن طالما يستخدم الرسائل الميدانية المتبادلة، حتى في المناطق المشمولة باتفاقيات التهدئة. وطبيعي في هذه الأجواء المشحونة أن تجمّد موسكو أي رتوش سياسي في الداخل كمعطيات لمؤتمر سوتشي، ودرءاً لأخطار التصعيد في حملة استهداف النظام بموضوع السلاح الكيماوي، والتلميح بمسؤولية موسكو فيه سابقاً ولاحقاً، وهي نغمة مألوفة تظهر فجأة ثم تحتجب، وتعاود الظهور كأحد أساليب المعالجة بفن التدبير أو المساومة والضغط لدعم تدخّل المجتمع الدولي، الذي يستثمره ماكرون بحثاً عن موطئ قدم لفرنسا في رُقَعِ شطرنج الجغرافية السياسية الإقليمية، ودعماً للمفوضية الأوروبية التي دخلت على الخط مجدداً، وقد أقلقتها نغمة إعمار سورية التي تعزفها دمشق وموسكو منفردتين!
سيناريو موسكو لمؤتمر سوتشي لم يلحظ ضرورة وجود موقف معارض سياسياً ولو لمجرد ذرِّ الرماد في العيون، ولذلك وقعت في مأزقها الحالي الذي تحاول الالتفاف عليه بالعودة إلى آستانة ومنه إلى مؤتمر جنيف، مع تأكيد اقتناعها به فعلياً لا مناورة، ودعمها التفاوض الجدّي فيه.
منصة آستانة قيد التداول لأهميتها في خفض التصعيد الميداني تمهيداً لمؤتمر جنيف، باعتبار أن قراراتها هي الوحيدة التي تم البناء عليها لتفعيل الحراك الإقليمي والدولي في البحث عن الحل السياسي المفقود، لذلك يدعمها حتى معارضوها، وقد أرهقهم الضغط الميداني بما شكّل من عبء ثقيل على جميع الأطراف باستثناء البنتاغون الذي يدعم نفسه بدعمه "قوات سورية الديموقراطية" الكردية، فهي جزء من قواته التي تتمركز وتقيم قواعدها الإستراتيجية،على مرأى من أردوغان وعدم الاكتراث بعصبيته الخطابية!
المبعوث الدولي بدأ يمهد لآستانة ودمجِها مع سوتشي بخلطة سحرية يتأبطها إلى مفاوضات جنيف إذا أُريد لها/ في واشنطن وموسكو/ أن تكون حقيقية فاعلة، لا تعرقلها احتمالات عودة التصعيد إلى الغوطة الشرقية، وهي احتمالات يمكن استخدامها سلباً وإيجاباً في تداعيات استفحال الخلافات بين واشنطن وموسكو وتوابع كل منهما، كورقة ضغط في مفاوضات جنيف المقبلة قابلة أن تكون لمصلحة المقاربة الوسطية! لأن دعم روسيا النظام ستحد من فاعليته حرب مصادرة النتائج بينها وبين أميركا، وما التأهب الميداني إلاّ لتفعيل القدرة السابقة التأثير للقوة.
* كاتب سوري | |
|