التاريخ: شباط ٢٥, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
هل يُسمح لإيران بأن تهزم أميركا في العراق... مجدداً؟ - كامران قره داغي
كان لافتاً أن علي ولايتي مستشار المرشد الإيراني الأعلى لشؤون السياسة الخارجية الذي زار بغداد الأسبوع الماضي، كرس كلامه، في كل تصريحاته هناك، لموضوع واحد يتلخص في العمل على «طرد» الولايات المتحدة، محذراً من «مخططات أميركا لتقسيم المنطقة وبث الفرقة والخلافات فيها»، ومشدداً على أن «إيران والعراق وسورية، من خلال تعاونها المستمر، لن تسمح للأميركيين بالنفوذ في مناطق الأكراد»، وأن «على جبهة المقاومة أن تحول دون انتشار القوات الأميركية تدريجياً شرق الفرات».

ولايتي بدأ مسلسل تصريحاته بكلمة ألقاها خلال افتتاح «المجمّع العراقي للوحد الإسلامية» تحدث فيها عن «قيادة المرشد السيد علي خامنئي للأمة الإسلامية» و «الصحوة الإسلامية» التي لن تسمح «للشيوعيين والليبراليين بالعودة إلى الحكم في العراق»، في إشارة إلى انضمام الحزب الشيوعي وأحزاب مدنية ليبرالية صغيرة إلى قائمة انتخابية باسم «سائرون» يتزعمها رجل الدين الشعبوي مقتدى الصدر، ومذكّراً في السياق بفتوى كان أصدرها المرجع الشيعي الأبرز في عراق الخمسينات آية الله العظمى محسن الحكيم بتحريم الانضمام إلى الحزب الشيوعي.

تصريحات ولايتي في بغداد تؤكد أن وجود الولايات المتحدة في المنطقة، خصوصاً في العراق وسورية، بات يشكل الهمّ الأكبر لطهران، الأمر الذي لخصه ولايتي بعبارة «أميركا هي أهم مشكلة في الشرق الأوسط». لكن هذا المقال سيركز أكثر على العراق. فالمواقف الإيرانية الأخيرة والتطورات السياسية والعسكرية في العراق تشير إلى أن طهران عازمة على هزم أميركا في عراق ما بعد «داعش» بعدما هزمتها في المرة الأولى عندما أصرت، عبر جماعاتها الحاكمة في العراق، على إنهاء الوجود العسكري الأميركي في 2011. وقتها طلبت واشنطن موافقة بغداد على شروط معينة كان ممكناً أن تستجيبها في مقابل إبقاء قوات محدودة في معسكرات خارج المدن ضماناً لحماية البلد من أي تدخل خارجي محتمل، لكن بغداد رفضتها كلها تحت ضغط شديد مارسته إيران مدركة أن إدارة الرئيس باراك أوباما آنذاك لم تكن متحمسة للبقاء. بذلك تطابق الموقفان الإيراني والعراقي لينتهي الأمر لمصلحة طهران التي اعتبرت النتيجة بداية للهزيمة الأولى لأميركا في العراق. ومنذ ذلك الحين يكاد اللاعب الإيراني ينفرد بالتأثير الفعلي في صنع القرار السياسي العراقي على الصعيدين الداخلي والخارجي.

الموقف المتراخي لأوباما الذي أدى إلى الانسحاب الأميركي في 2011 شكل البداية للانحسار الحالي للنفوذ الأميركي في المنطقة أمام اللاعبين الإيراني والروسي.

الموقف المتراخي الثاني الذي وجه ضربة قوية أخرى للنفوذ الأميركي في المنطقة جاء في 2013، حين تراجع أوباما عن تهديده للنظام السوري قبل ذلك بعام، بأن استخدامه أسلحة كيماوية ضد القوى المعارضة يعتبر «خطاً أحمر» لا يجوز تجاوزه. هذا الاستنتاج توصل إليه سايمون تيسدال المعلق في صحيفة «غارديان» البريطانية، وهو خبير بارز في تحليل السياسات الدولية والشأن الأميركي. تيسدال نشر في العاشر من الشهر الجاري مقالاً طويلاً في إطار تناوله للأوضاع الحالية في سورية، مشيراً إلى الأوضاع الدولية عموماً وتراجع الدور الأميركي على المسرح الدولي. وبدلاً من اتخاذ أي إجراء عسكري ضد النظام السوري، أعلن أوباما أنه سيطلب تفويضاً بذلك من الكونغرس. يرى تيسدال أن أوباما على رغم أنه لم يكن ملزماً بحسب القانون الأميركي بطلب التفويض من الكونغرس، فإن قراره، كما يشير تيسدال، جاء بعد فترة قصير من تصويت البرلمان البريطاني ضد طلب رئيس الوزراء ديفيد كاميرون التدخل العسكري في سورية. ويتابع تيسدال، أن زعيم الكرملين فلاديمير بوتين، المتحالف مع نظام بشار الأسد، اعتبر ذلك الموقف الأميركي فرصة تاريخية لتصعيد التدخل الروسي في سورية واتخاذها قاعدة لاستعادة نفوذ سوفياتي زائل وسابق في المنطقة.

البقية تاريخ معروف. فتراجع أوباما عن «خطه الأحمر» فسّرته موسكو وطهران ودمشق وعواصم عربية بانه تغيير جذري ودليل على أن أميركا ما بعد العراق تنأى بنفسها عن ممارسة دور الشرطي، وأنها منذ ذلك الحين فصاعداً لن تخوض معارك من أجل الحرية والديموقراطية، لا في سورية ولا في دول «الربيع العربي»، خصوصاً بعد ما حدث في ليبيا، بحسب تيسدال، مشيراً إلى أن التدخل العسكري لاحقاً في العراق وسورية هدفه الأوحد كان وما يزال مواجهة خطر «داعش» وإرهابه.

نعود إلى العراق حيث يختلف وضعه عن سورية التي تنقسم إلى مناطق نفوذ ووجود إيراني وتركي وأميركي، إلى جانب السلطة المركزية وجماعات كردية وإسلامية وأخرى معارضة لنظام دمشق. الصراع في العراق من نوع آخر جوهره تحديد شكل نظامه السياسي الذي تلعب إيران عبر حلفائها دوراً خطيراً في رسم معالمه. الوجود الأميركي الحالي في العراق محدود عبر مستشارين وقوات خاصة محدودة عادت في إطار الحرب ضد «داعش». صحيح أن هناك مطارات عسكرية في إقليم كردستان تستخدمها أميركا في هذه الحرب، ومنها تنطلق طائراتها تنفيذاً لعملياتها في سورية. لكن هذا هدفها الوحيد كما أكدت التطورات المرتبطة باستفتاء الاستقلال في الإقليم وتداعياته، عندما خذلت أميركا الكرد وهم حلفاؤها، باتخاذها موقفاً مؤيداً لبغداد التي استخدمت قواتها، وتحديداً تشكيلات «الحشد الشعبي» المؤسس بفتوى دينية شيعية والممولة والمدربة من الحرس الثوري الإيراني، لإخضاع الإقليم، وذلك بدعم مباشر وقوي من إيران، العدو الأول لأميركا في المنطقة!

ما سلف ضاعف نفوذ إيران السياسي في العراق، وهو ما ستستخدمه بقوة من أجل تحقيق أهدافها في المنطقة. وهي المشهورة بصبرها لا تستعجل الأمور. فالعراق سيشهد في أيار (مايو) المقبل انتخابات عامة، وهدف إيران في هذه المرحلة هو العمل على ألا تؤدي نتائجها إلى أي شرخ في جبهة الجماعات الشيعية المتحالفة معها تعزيزاً لخططها في مواجهة «الشيطان الأكبر».