| | التاريخ: شباط ٢٣, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | عشر خرافات أردنية - إبراهيم غرايبة | وجد الأردنيون (كثيرون منهم) أنفسهم وبلدهم في مرحلة الشبكية على نحو مختلف اختلافاً كبيراً عما دأبت تؤكده وسائل التأثير الإعلامي والسياسي، وأنهم لا علاقة لهم بالصورة التي صنعت لهم وعنهم، ليسوا مجتمعاً بدوياً كما تصر الهيمنة الإعلامية والنخبوية، لكنهم جميعهم تقريباً يعيشون في مدن وبلدات مغطاة بشبكات الكهرباء والاتصالات والانترنت ومياه الشرب والطرق والمدارس والجامعات، ويعمل أغلبهم في قطاع الخدمات وحتى الزراعة في البلد فإنها لا تعكس قطاعاً زراعياً بالمعنى الاجتماعي لكنها لا تختلف عما سواها من الاستثمارات والأعمال والمصالح التجارية، ولا تشكل نسبة تذكر في الاقتصاد والتشغيل، وأما البداوة بمعنى الترحال والعمل في الرعي فلم تعد تنطبق على أكثر من ألف مواطن!
وأما العشائرية فهي ليست أكثر من رابطة اجتماعية وقرابية ذات أثر محدود في الانتخابات النيابية والمحلية، وليس لها أثر يذكر في السياسة والحكم والمناصب، ويمكن بنظرة بديهية على أسماء وتاريخ المسؤولين في الدولة ملاحظة أنه لا ينتمون إلى عشائر كبيرة (على سبيل المثال رئيس الوزراء ووزير التربية ووزير الخارجية ومدير المخابرات، والقائمة طويلة!)، وأما الذين ينتمون إلى عشائر فلم يكن هذا الانتماء سببا في حصولهم على مناصبهم، سوى عدد محدود لا يكاد يؤثر شيئاً في هذه المقولة.
ويعتبر كثير من المسؤولين والمثقفين الأردن دولة علمانية وأن النخبة العلمانية فيها تخوض نضالا عظيما في مواجهة التعصب الديني والاجتماعي، وينخرط أيضا في اللعبة قطاع واسع من الجماعات الدينية السياسية والدعوية التي تظن نفسها تخوض مواجهة كبرى مع سياسات العلمنة، لكن الواقع يؤكد أن الأردن دولة دينية، وتمارس الدولة دورا مباشرا وسلطويا واحتكاريا في التعليم الديني والوعظ والإرشاد وتنظيم المساجد والأوقاف والقضاء الديني والإفتاء والتشريع والأحوال الشخصية، وتستهلك الممارسات الدينية الرسمية والمجتمعية والفردية ربع الناتج المحلي على الأقل، والأسوأ من ذلك أن «التنويريين» يتحالفون مع السلطة في سياساتها الدينية معتقدين أن قضية استقلال الدين عن السياسة متعلقة فقط بالمواجهة مع الإخوان المسلمين، على رغم أنهم أكثر علمانية من السلطة السياسية! وأقرب إلى الاعتدال من المؤسسات الدينية الرسمية! وبالطبع فليس هذا دفاعا عن الإخوان المسلمين لكنهم ليسوا سوى شريك صغير في عملية التديين الواسعة والشاملة التي تحصل في البلاد اليوم!
وعلى رغم صحة الأرقام والتقارير عن التقدم التعليمي والصحي والرعائي الاجتماعي في الأردن فإنها أرقام تخفي حقائق مقلقة عن التدهور في الخدمات الأساسية والكفاح المرهق الذي تخوضه الطبقات الوسطى اليوم لتؤدي بنفسها وعلى نفقتها ما يجب أن تؤديه الدولة في هذا المجال. هكذا فإن الطبقات الوسطى في الأردن تدفع الضرائب لأجل التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية ثم تدفع مرة أخرى للحصول على هذه الخدمات من القطاع الخاص لكنها عمليات تدفع بفئات واسعة من المجتمعات إلى الفقر، ولا يمكن الاستمرار بها، وإذا لم تستدرك الحكومة سياساتها الفاشلة فإن الأردنيين سوف يجدون أنفسهم بلا تعليم ولا رعاية صحية أو اجتماعية!
ولم يعد متقبلاً أن تظل المياه والطاقة أزمة أردنية كما دأبت السلطة على التكرار بلا ملل محولة بذلك الأزمة إلى مصالح احتكارية تستفيد منها قلة من الناس، ففي التطور التكنولوجي أصبح ممكنا تحلية الماء وتكريره بكلفة معقولة وعلى نحو يكفي للشرب والزراعة بل وتسييل الأودية وإنقاذ نهر الأردن والبحر الميت من الجفاف، وصار ممكناً أيضا الحصول على الطاقة من مصادر متاحة متجددة قليلة الكلفة، وقد انخفضت أسعار النفط إلى مستوى لا يفسر الكلفة الهائلة التي تفرضها احتكارات استيراد وتكرير وتسعير المحروقات النفطية!
واكتشفنا في ظل الشبكية أننا لسنا دولة محورية في الإقليم والعالم، ولا نحتاج إلى ذلك، صحيح أن السياسة والمواقف الخارجية تظهر قدرا من الذكاء والواقعية، لكن المسؤولين في إسرافهم المتكرر في بيان وشرح الدور الإقليمي لا يفعلون أكثر من الهروب من الاستحقاقات الإصلاحية والأزمات التنموية الداخلية، وأما المساعدات والمنح الخارجية فلا تشكل نسبة تذكر في الميزانية والإنفاق العام أو في الموارد الضريبية التي تحصلها الدولة، ولا تخرج عن كونها أموال يدفعها الفقراء في بلد غني إلى الأغنياء في بلد فقير، لم تفعل المنح الخارجية سوى زيادة الأغنياء قوة وزيادة الفقراء تهميشاً وتبعية، وأطالت في بقاء وهيمنة نخب لا تعكس قواعد ومصالح اجتماعية، ليس لديها سوى التسول!
* كاتب أردني | |
|