| | التاريخ: شباط ٢١, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | إصرار إسرائيل على ردع إيران يهدد بحرب إقليمية - نزار عبد القادر | وضعت الغارة الإسرائيلية على موقع إيراني في مطار «تي فور» السوري صباح يوم السبت 10 شباط (فبراير)، والغارات التي لحقت ضد عدد من المواقع السورية والإيرانية بعد إسقاط طائرة «أف16» جراء إصابتها بصاروخ سوري، المنطقة أمام تصعيد جديد يهدد بالانزلاق نحو حرب إقليمية. في الواقع لا تشكل الغارة الإسرائيلية على مطار «تي فور» حدثاً جديداً أو تطوراً مفاجئاً في استراتيجية الدولة العبرية تجاه الأزمة السورية، إذ سبق للقيادات الإسرائيلية أن صرحت بشن هجمات جوية متكررة ضد قوافل «حزب الله» لنقل صواريخ إلى لبنان أو ضد بعض الأهداف الإيرانية، وبلغ مجموع هذه الهجمات، وفق المعلومات الإسرائيلية، ما يقارب المئة.
وأكدت القيادات الإسرائيلية تكراراً أنها ستستمر في تنفيذ هذه الإستراتيجية، مشددة على أنها لن تسمح لإيران بإقامة مراكز وقواعد دائمة لها في سورية.
يشكل الهجوم الإسرائيلي المتكرر على المواقع السورية والإيرانية، وإسقاط طائرة «أف16» بصاروخ سوري تطوراً خطيراً، ومؤشراً واضحاً إلى حصول تغيير جذري في قواعد الاشتباك بين سورية وإسرائيل، خصوصاً إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن تدخل بطاريات الدفاع الجوي السورية حدث بشكل فوري ومن دون انتظار صدور أوامر من القيادات العليا، وهذا ما أعطاها الفرصة ليكون تدخلها مفاجئاً للطيارين الإسرائيليين وبالتالي الحد من قدرتهم على المناورة قتالياً وفنياً لتفادي خطر الإصابة. من المعروف أن سلاح الجو الإسرائيلي وطياريه يملكون من المهارات والقدرات التكنولوجية اللازمة للتشويش على الرادارات الخاصة ببطاريات الصواريخ، كما تملك الطائرات أجهزة استشعار تمكنها من تفادي الإصابة بالصواريخ، لكن يبدو أن التدخل المفاجئ وتقنية الرمي التي استعملت عطّلا كل قدرات المناورة والحماية المتوافرة.
صحيح أن الاشتباكات توقفت بعد شن إسرائيل مجموعة من الضربات الموجعة ضد أهداف سورية وإيرانية وبما يؤشر إلى أنه لا تتوافر نوايا لدى إسرائيل وسورية وإيران بالتصعيد، خوفاً من الانزلاق نحو حرب مفتوحة. لكن هذا لا يمنع إمكان تجدد الاشتباكات في المستقبل القريب. من هنا تبرز ضرورة تحليل مواقف مختلف اللاعبين في مسرح العمليات السوري، ومحاولة استشراف مخاطر الانزلاق نحو حرب إقليمية، واحتمالات تفادي ذلك.
حدد نتانياهو الموقف الإسرائيلي بعد الغارات، بتحذير إيران من محاولات ترسيخ وجودها العسكري في سورية أو بناء معمل للصواريخ في لبنان، مؤكداً أن إرسال طائرة من دون طيار فوق إسرائيل هو هجوم إيراني خطير، وأن على أعداء إسرائيل أن يفهموا أنها ستتابع هجماتها مستهدفة القوات المدعومة إيرانياً داخل سورية، وأن استراتيجية إسرائيل لن تتغير. وأكد في اتصال مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. كما أكد استمرار التعاون مع الكرملين لتحاشي حصول أي اشتباك «عرضي» مع القوات الروسية في سورية.
وشدّد وزير الاستخبارات إسرائيل كاتز على أن الدولة العبرية «لن تقبل بالوجود العسكري الإيراني في سورية» وعلى أن لدى إسرائيل «الوسائل لمعرفة كل ما يحدث في سورية» وهذا ما أثبتته هجمات يوم السبت، وعلى أنها حافظت تماماً على تفوقها الجوي. يمكن الاستنتاج من هذه التصريحات أن إسرائيل ستعمل على تنفيذ سياستها المعلنة لمنع إيران من التواجد عسكرياً في سورية، وبكل الوسائل المتاحة لها.
وأثار إسقاط المقاتلة الإسرائيلية موجة من الفرح والتفاؤل في سورية على الصعيدين الإعلامي والشعبي، حيث جرى توزيع الحلوى على المارة في شوارع دمشق، في الوقت الذي رأى فيه الإعلام الرسمي حدوث تبدل استراتيجي في المعادلة الإقليمية، وفي موازين القوى مع إسرائيل. وتعبّر مختلف ردود الفعل عن أهمية ورمزية إسقاط الدفاعات الجوية لمقاتلة إسرائيلية متطورة، وهو الأمر الذي يتشوق الجميع لحدوثه منذ عام 1982. في المقابل حاولت الحكومة الإيرانية إبعاد نفسها عن الحدث، ولم تتحدث عن أي دور لها في المواجهة واعتبارها اشتباكاً مباشراً بين إسرائيل وسورية. ويبدو أنها تحاول من خلال هذا الموقف عدم إعطاء الرئيس دونالد ترامب أي أعذار لتصعيد حملته ضدها، والاقتصاص منها، خصوصاً عند إجراء مراجعة جديدة للاتفاقية النووية في شهر أيار (مايو) المقبل.
على صعيد آخر، يبدو أن إيران لا تسعى إلى الدفع نحو حرب جديدة يشارك فيها «حزب الله»، وذلك انطلاقاً من إدراكها أهمية مشاركته في الحرب السورية كقوة هجومية أساسية للعمل على استعادة نظام بشار الأسد كامل الأراضي السورية. بالإضافة إلى حرص إيران على لعب دورها مع روسيا وتركيا كشريك في البحث عن حل للأزمة السورية من خلال استكمال اجتماعات «آستانة» ومتابعة تنفيذ مقررات مؤتمر «سوتشي» الأخير.
لكن في التقويم الإسرائيلي، فإن الطرفين السوري والإيراني يسعيان للاستفادة من إسقاط المقاتلة «أف16» من أجل تغيير قواعد اللعبة مع إسرائيل. ويستدعي هذا التقويم طرح السؤال: هل أن الردود على الهجمات قد تتعدى إطلاق الصواريخ على الطائرات المغيرة، إلى إطلاق صواريخ أرض– أرض، تستهدف بعض المواقع الإسرائيلية في الجولان، وذلك ضمن سياسة التحذير من الانزلاق إلى حرب لا تريدها إسرائيل؟
جاء الموقف الأميركي على لسان الناطقة باسم الخارجية هيذر نوريت بقولها «إن طموحات إيران لفرض هيمنتها تضع كل شعوب المنطقة من اليمن إلى لبنان أمام أخطار كبيرة. ستواصل الولايات المتحدة تصديها للنشاطات الإيرانية الخبيثة في المنطقة، وهي تدعوها لوقف سلوكياتها التي تهدد السلام والاستقرار». وصدر عن البنتاغون موقف داعم لإسرائيل بالقول: «إسرائيل هي أقرب الشركاء لنا في المنطقة وأننا ندعم حقها المشروع في الدفاع عن نفسها ضد الأخطار الموجهة إلى أراضيها والى شعبها» مؤكداً أن الولايات المتحدة لم تتدخل في الرد العسكري الإسرائيلي.
في المقابل جاء الموقف الروسي على لسان الرئيس فلاديمير بوتين أثناء اتصال نتانياهو به لطلب «تفادي كل الأعمال التي يمكن أن تدفع المنطقة نحو حرب». كان لتدخل بوتين مع الطرفين الأثر الفعال من أجل وقف الاشتباكات وعدم التصعيد، ويبدو بوضوح أن الطرفين قد تجاوبا. ويؤشر هذا الأمر إلى مدى تأثير بوتين وقدرته على ضبط السلوكية السورية والإسرائيلية. ولكن، لا يمنع هذا التأثير الروسي الإيجابي من التساؤل حول إعطاء القيادة الروسية الضوء الأخضر للنظام السوري لتغيير قواعد الاشتباك بإطلاق صليات كثيفة من الصواريخ على الطائرات الإسرائيلية، خصوصاً أن المواجهة حصلت بعد إسقاط الطائرة الروسية «سوخوي 25» فوق إدلب بصاروخ محمول لم يعرف بعد مصدره. هل يعني ذلك رسالة روسية للأميركيين والإسرائيليين.
نجحت الاتصالات الديبلوماسية الأميركية والروسية في منع الطرفين من الانزلاق نحو حرب واسعة. تحرص إسرائيل من دون شك على التجاوب مع المطلبين الأميركي والروسي، فالدعم الأميركي لها يفرض عليها ذلك كما تدرك أهمية استمرار التنسيق مع الجانب الروسي والذي يؤمن لها حرية العمل في المجال الجوي السوري. في الوقت ذاته يخضع النظام السوري كلياً للتوجيهات الروسية، كما تتجاوب إيران مع أي مطلب روسي، حيث تشعر بضرورة التصرف وفق ما تفرضه عليها ارتباطاتها كشريك مع كل روسيا وتركيا.
في الاستنتاج العام لتحليل ما حدث وارتداداته المستقبلية على أمن المنطقة يمكن إبداء مجموعة من الملاحظات أبرزها:
1- يشكل ما حدث تطوراً مقلقاً وجدت فيه إيران نفسها وحلفاءها في مواجهة مباشرة مع إسرائيل، وسيكون لذلك تداعيات مستقبلية على رغم التهدئة التي حصلت، وذلك في ظل استعداد إيران وإسرائيل للدفاع عن مصالحهما في سورية.
2- لا يمكن الطرفين الإسرائيلي والإيراني الاندفاع نحو حرب واسعة من دون الحصول على ضوء أخضر أميركي وروسي، وهما القوتان الموجودتان على الأرض وتسيطران على المجال الجوي السوري.
3- من المؤكد أن إسرائيل لن تسمح بإقامة قواعد جوية إيرانية في سورية، كما ستعمل على منع إيران من توحيد الجبهتين اللبنانية والسورية.
4- لا بدّ من أن تدرك إسرائيل أهمية عدم تعريض المصالح الروسية للخطر وذلك من خلال تصعيد عملياتها ضد النظام السوري، وضد إيران، وذلك نظراً إلى الدور المهم الذي تلعبه إيران في محادثات «آستانة» ضمن «الترويكا» الروسية– التركية– الإيرانية.
في النهاية في ظل حال الشك والغموض التي تهيمن على مسرح العمليات السوري ومع إصرار إسرائيل على الاحتفاظ بعامل الردع كاملاً ضد وجود إيران وحليفها «حزب الله»، فإن من المتوقع حصول اشتباكات جديدة، وبالتالي الدفع من جديد نحو خطر توسيع هذه المواجهات، والانزلاق نحو حرب إقليمية.
* باحث لبناني في الشؤون الاستراتيجية
| |
|