التاريخ: شباط ١٨, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
بانوراما عربية للإعلام الروسي من غورباتشوف إلى بوتين
القاهرة – هبة ياسين 

لم يقدم الإعلام العربي سوى شذرات حيال الإعلام الروسي الذي مر عبر حقب مختلفة بتحولات عدة، منذ روسيا القيصرية، مروراً بالاتحاد السوفياتي. وبسقوط ذلك العهد تعرض الإعلام الروسي لانقلابات شتى بين عامي 1991 و2016، لاسيما في شأن الملكية والحريات والسياسة التحريرية وأيضاً طبيعة الجمهور. وهو ما حاول أستاذ الإعلام الدولي والدراسات الثقافية في كلية الإعلام في جامعة القاهرة محمد حسام الدين إسماعيل أن يرصده ويستخلصه عبر تقديم صورة بانورامية عبر كتابه «الإعلام الروسي... من غورباتشوف إلى بوتين» الصادر عن دار نشر» أنباء روسيا» عام 2017.

يتشعب الكتاب إلى سبعة فصول، يطرح المؤلف عبر الأول منه: «الإطار الاقتصادي والسياسي للإعلام الروسي»، متناولاً خلاله التطور الاقتصادي والسياسي خلال ربع قرن الأخير، منذ انهيار «الاتحاد السوفياتي السابق» عام 1991 الذي يراه تحكم في مقدرات الإعلام، وسيطر على نمط ملكيته ومستوى الحرية ومنطق السياسة التحريرية. كما يتناول الكاتب تأثيرات التحول من الشيوعية إلى الرأسمالية، وذلك تمهيداً لشرح الأوضاع الإعلامية والقوى المسيطرة عليها.

ويشير خلال الفصل الثاني إلى «مراحل تطور الإعلام الروسي وانعكاساته» طارحاً خلالها فتراته التاريخية، ومدى تأثره بالمناخ السياسي، منوهاً بأن أول صحيفة روسية أسست هي «فيدموستي»، وذلك في عهد الإمبراطور بطرس الأكبر (الذي عرف بطموحه الجامح، وانبهاره بأوروبا). وكانت بمثابة أداة سياسية للحاكم هدفها إعلام المواطنين بأولويات الدولة. وقسّم الكاتب تطور الإعلام إلى مراحل عدة، هي كالتالي:

1. الحقبة السوفياتية (1922-1991)

قدم البلاشفة عقب ثورة 1917 نظاماً جديداً يتلخص في السيطرة على الصحف والإذاعة، ولاحقاً الراديو والتلفزيون بغية الدعاية للدولة وقيادتها والنظام الشيوعي. وأخضع لينين وسائل الإعلام إلى الرقابة الصارمة، بهدف خدمة قيم النظام وتدعيم أيدلويوجيته. وكانت المعلومات في النظام السوفياتي مقصورة على النخبة فقط التي حق لها قراءة الكتب والدوريات الممنوعة ومشاهدة الأفلام التي يجب ألا يشاهدها المواطن الروسي العادي، إذ كان ينظر إلى الجماهير على كونها طبقة هشة وضعيفة تحتاج إلى الحماية.

وخلال السنوات الخمس الأخيرة من عمر «الاتحاد» خلال حكم ميخائيل غورباتشوف (1986-1991)، اعترت الصحافة السوفياتية تغييرات شتى ومنها تحولها إلى كيان مستقل يراقب عمليات صنع القرار والتحول الديموقراطي، وقوة كبرى تعارض الحزب الشيوعي الحاكم وقتها، كما عبرت عن دعوات إلى الانفصال والاستقلال التي طالبت بها جمهوريات الاتحاد آنذاك.

2. من النظام السوفياتي إلى روسيا المعاصرة (1991-2000)

حظيت وسائل الإعلام خلال الفترة التالية لسقوط الاتحاد السوفياتي بفترة حرية نسبية واستخدمت الصحف استقلالها لقيادة المعارضة ضد الحزب الشيوعي، وبمجيء بوريس يلتسين كأول رئيس منتخب، انتهت فترة الأحلام في شأن حرية الإعلام على النمط الغربي. ويسوق الكاتب وصف أستاذ الإعلام في جامعة موسكو لومونوسوف ياسين زاسورسكي هذه الفترة بكونها شهدت تشكيل نظام إعلامي جديد، فلم يعد محكوماً بالحزب الشيوعي بل اعتمد على قلة رأسمالية، وبدأت وسائل الإعلام تخدم مصالح تجارية واقتصادية تتعارض مع الأيديولوجية الواحدة، وتحولت ملكية بعض الصحف الروسية من الحكومة إلى رجال الأعمال، وكان رجل الأعمال الأميركي جورج سورس يدعم الدوريات الروسية.

وخلال الفترة الرئاسية الأولى للرئيس يلتسين لم تكن النزعة السلطوية كتلك خلال سنواته الأخيرة، وشهدت الفترة الثانية أملاً بتحرير الإعلام من كل القوى تحطم على يد تحالف قلة من المالكين فأصبح في يد الرئيس الذي يريد إرضاء قلة من الرأسماليين وكبح جماحها في آن، وسلاحاً قوياً لتحقيق طموحاته السياسية.

3. مرحلة بوتين (2000- حتى الآن)

ثمة تغيير واضح، بزغ بوصول فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم، إذ استحوذ على قوة سياسية طاغية، فحول سلطته النافذة ضد الصحافيين والقلة التي تحكمت في المقدرات الإعلامية للبلاد، وخلال السنوات الأولى من حكمه عاد التحكم السياسي الحكومي إلى قنوات التلفزيون القومية وسعى إلى تحريره من سيطرة الرأسماليين وشن حملة كي يضم كل قناة تلفزيونية ذات تأثير إلى حظيرة التحكم الحكومي.

ودفعت القيود الدستورية بوتين إلى التخلي عن الرئاسة في الفترة من 2008- 2012 لكنه بقي حاكماً من وراء ستار في منصب رئيس الوزراء، ومن ثم استكمل إستراتيجياته الإعلامية، واحتفظ بعلاقات قوية مع وسائل الإعلام الروسية التي تشكل التيار العام.

وبعودته إلى كرسي الرئاسة عام 2012 أحكم بوتين قبضته على وسائل الإعلام التقليدية والإلكترونية، وشهدت الصحافة المكتوبة تدخلاً قوياً في سياستها التحريرية لا سيما أثناء «أزمة القرم» وبعدها عام 2014. وخلال العام ذاته، لم يعد بوسع الأجانب أن يؤسسوا وسائل الإعلام في روسيا أو أن يتملكوا حصصاً كبيرة فيها، إذ أقر البرلمان الروسي تشريعاً حصر خلاله ملكية الأجانب في ما لا يزيد على 20 في المئة.

- الإعلام الجديد في روسيا يتطرق الفصل الثالث إلى «الإعلام الجديد في روسيا»، إذ يوضح الكاتب أهمية الشبكة الحكومية الروسية للإنترنت «ريلكوم ديميس» أثناء محاولة الانقلاب على غورباتشوف عبر بثها الأخبار إلى مستخدمي الاتحاد السوفياتي والغرب. ومنذ التسعينات كان لروسيا كثير من الصحف الرائدة على الإنترنت التي تقدم خدمات إخبارية على مدار الساعة، ويأتي محرك البحث الروسي الشهير «ياندكس» في المرتبة الخامسة على مستوى العالم. وعلى رغم التفاؤل بتلك التجربة إلا أنه لم يعتمد على الإنترنت كمصدر للأنباء إلا عام 2000، إذ أطلقت الحكومة الروسية عدداً من المشاريع الإلكترونية الطموحة. ومع كون الإنترنت وسيلة مفتوحة في روسيا إلا أن الروس يتعاملون معها على أنها بيئة غير رسمية شبه خاصة، اقتناعاً بأنها وسيلة خطرة متحيزة ولا يعول عليها.

- «السياسة التحريرية للإعلام الروسي»

يتطرق الكاتب خلال الفصل الخامس إلى «السياسة التحريرية للإعلام الروسي»، ويقول إذ كانت الحملة العسكرية الأولى على الشيشان (1994-1996) أول اختبار حقيقي لحرية الصحافة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وأبرزت وسائل الإعلام وجهات النظر المضادة للحرب، ما دفع يلتسين إلى قبول اتفاقية وقف إطلاق النار، ولم تستطع السلطات الروسية التلاعب بوسائل الإعلام –آنذاك- إذ تعاطف عدد كبير من الصحافيين مع القضية الشيشانية، ساعدها قدر من الاستقلالية التحريرية والإدارة الذاتية التي تمتعت بها الصحف القومية.

لكن أثناء الحرب الشيشانية الثانية (1999-2000)، وعلى رغم تغير رأي الصحافيين الروس تجاه الانفصاليين الشيشان، حاول بعضهم اتباع أسلوب تغطية الحرب الأولى. إلا أن المسؤولين الروس كانوا تعلموا من أخطائهم السابقة، وعمد بوتين إلى إخضاع تغطية بعض المحطات لمصلحة الدولة. وخلال حرب (القرم) 2014، نجح بوتين في الاستحواذ على المشهد الإعلامي، وأعاد بناء ماكينة الدعاية الإعلامية، لاسيما على الساحة العالمية.

بعد انتهاء رئاسة بوتين الأولى عام 2004، كان نجح في أن يجعل خيوط شبكات التلفزيون الروسية في يده متحكماً بسياستها التحريرية. وأضحت الحكومة الروسية تراقب الإنترنت عن كثب، وفي 2014 قام البرلمان بتمرير قانون يجبر مواقع التواصل الاجتماعي الروسية على الاحتفاظ بالخوادم العملاقة وحفظ كل المعلومات عن مستخدميها مدة 6 أشهر، فيما أقر قانون آخر يجبر المدونات التي لديها أكثر من 3000 زائر يومياً على تسجيل نفسها على أنها وسيلة إعلامية بتقديم العناوين وأرقام الهواتف.

جمهور وسائل الإعلام الروسية

يوضح الفصل السادس ماهية جمهور وسائل الإعلام، فخلال الخمسة عشر عاماً الأخيرة تحول الجمهور الروسي من قارئ للصحافة إلى مشاهد للتلفزيون. وزاد عدد قنوات الترفيه وزاد جمهورها في شكل كبير ووصلت إلى نصف الشعب في المدن الصغيرة والقرى، بينما بلغت 95 في المئة في العواصم والمدن الكبرى. وتشير المسوح إلى أنه خلال السنوات العشر الأخيرة حلت الإنترنت مكان الصحف، لاسيما بين النخب والشباب المتعلم ذوي المستوى الاقتصادي المرتفع.

صورة العالم الإسلامي في الكاريكاتور الروسي

في فصله السابع يطرح الكتاب «صورة العالم الإسلامي في الكاريكاتور الروسي، إذ يقدم تحليلاً لهذا الفن، وكيفية تشكل صورة العرب والمسلمين من خلاله، راصداً صورة العالم الإسلامي عبر الكاريكاتور سواء المنشور في الصحف الروسية أم في مواقع الإنترنت المتخصصة ومنها موقع «حركة الكارتون السياسي» اعتماداً على دراسات الكاريكاتور المحدثة والمعتمدة على تحليل الخطابين اللغوي والبصري.