| | التاريخ: شباط ١٦, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | أميركا ومواجهة إيران في سورية - رضوان زيادة | كرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، كما وزير الخارجية ريكس تيلرسون، في أكثر من مرة، ضرورة مواجهة إيران في سورية ومنعها من تحقيق حلمها في بناء القوس الشيعي الممتد من العراق إلى لبنان عبر سورية، والذي يخضع للسيطرة الإيرانية وميليشياتها خضوعاً مطلقاً وفي كل من هذه الدول الثلاث.
كما تحدث تيلرسون عن الخطر الإيراني في سورية وما يمثله من تهديد على وحدة سورية وقدرتها على إنجاز المرحلة الانتقالية، في شكل يضمن تعافيها وتطبيع علاقاتها مع كل دول الجوار، لكن الولايات المتحدة لم تشر إلى كيفية ضمان تحقيق ذلك على الأرض، هل سيتم دعم الجيش السوري الحر مالياً وعسكرياً بما يمكنه من تحقيق مهمته في محاربة الميليشيات الإيرانية في سورية، بعد أن كشف قادة للجيش الحر المدعوم من الولايات المتحدة خلال زيارة لهم إلى واشنطن، أن الولايات المتحدة نكثت بوعودها عن دعم قوات الجيش الحر الموجودة على الحدود السورية – العراقية التي كانت تقاتل الميليشيات العراقية وميليشيا «حزب الله»، لتمنع عبورها الحدود من العراق إلى سورية وطلبت منها التوقف بل الانسحاب؟!
في النهاية، تبدو المفاجأة الحقيقة في الخطاب الأميركي تتمثل في دعمه موقف تركيا في عمليتها العسكرية في الشمال السوري، والتي بدأت من عفرين، ومن المتوقع أن تستمر حتى منبج وربما إلى أبعد من ذلك.
وبذلك، تكون الولايات المتحدة قد تخلت عن قوات سورية الديموقراطية التي دعمتها للتخلص من «داعش» في سورية، لكنها، وكما أشار وزير الخارجية الأميركي، إلى أن هذه القوات يجب أن تعكس التنوع الإثني والعرقي في سورية إذا ما أرادت أن يكون لها دور في المرحلة الانتقالية في سورية، في إشارة إلى طغيان المكون الكردي على العربي في مناطق تطغى عليها الغالبية العربية، مثل الرقة ودير الزور وغيرهما من المناطق.
وهو ما يدعم بكل تأكيد الحجة التركية في القيام بعملية عسكرية ضد حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) الذي تعتبره تركيا امتداداً لحزب العمال الكردستاني وتصنّفه منظمة إرهابية مثلها مثل الولايات المتحدة. لكن هذه الأخيرة لا ترى في PYD امتداداً طبيعياً لحزب العمال الكردستاني، لذلك لا تصنفه على هذا الأساس كمنظمة إرهابية، وقد شكل هذا الموضوع أساساً لتوتر العلاقات البينية بين الولايات المتحدة وتركيا إلى حدودها القصوى، في ظل تصاعد الاتهامات التركية وعلى لسان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن الولايات المتحدة تدعم تنظيمات إرهابية في سورية، والتعهد بإفشال المخططات الأميركية في سورية، وعلى رأسها ما أسمته الولايات المتحدة قوة الحدود المكونة من 30 ألف مقاتل عمادها الرئيس مكون من قوات سورية الديموقراطية، ما اضطر وزير الخارجية الأميركي الى التدخل شخصياً وتلطيف الأجواء، عبر القول أن هناك سوء فهم لتشكيل هذه القوات وطبيعة عملها. بل أكثر من ذلك، فقد صرح وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، بأن الولايات المتحدة تتفهم العملية العسكرية التركية في عفرين ودوافعها، مما نُظر إليه كضوء أخضر أميركي لاستمرار العملية العسكرية التركية، وتخلّ كامل من الولايات المتحدة عن الميليشيات الكردية التي مولتها ودعمتها في سورية للتخلص من «داعش».
ما يمكن قوله بالنهاية، إن سياسة الولايات المتحدة الأميركية الجديدة في سورية كما أعلنها الوزير تيلرسون، تبدو طموحة إلى أبعد الحدود، لكن من دون مساعدة البنتاغون على تنفيذ هذه الخطة والكونغرس لضمان الأموال الكافية لها، ستبقى مجرد كلمات ونوع من الوعود المعسولة التي أطلقها المسؤولون الأميركيون بحق سورية، لكنهم لم يستطيعوا تحويلها إلى حقيقة واقعة على الأرض، فيما يبدو أن السياسة الإيرانية والروسية أكثر تحقيقاً على الأرض من أي وقت مضى.
وفي الوقت نفسه، تتحفظ الولايات المتحدة على مشاركة إيران في محادثات أستانة ومشاركتها كمراقب في مؤتمر سوتشي الذي رفضت الولايات المتحدة حضوره، في ما يُعد رفضاً للدور الإيراني في سورية، ورغم ذلك مضت الأمم المتحدة في مشاركتها في المؤتمر الذي يبدو أن نتائجه العبثية بدأت تتجلى على الأرض السورية، فإنشاء اللجنة الدستورية تحت رعاية الأمم المتحدة ووفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، كما أشار دي مستورا الذي شارك في المؤتمر، وضع الأمر تحت إدارته الكلية، فهو المخول بتكوين هذه اللجنة من ممثلين للحكومة وممثلي المعارضة المشاركة في المحادثات السورية - السورية، وخبراء سوريين وممثلين للمجتمع المدني ومستقلين وقيادات قبلية ونساء كما أشار، كما ستضم تمثيلاً مناسباً للمكونات العرقية والدينية لسورية.
اليوم وبعد التصعيد الإسرائيلي في الأرض السورية واستباحة الطائرات الروسية والسورية إدلب والغوطة الشرقية، تبدو الحرب في سورية كأنها دخلت مرحلة جديدة من التصعيد الإقليمي يدفع ضحيتها الشعب السوري، فكما وصفها الأمين العام للأمم المتحدة فإن التصعيد العسكري الأخير يعد إحدى أعنف محطات هذا الصراع خلال ما يناهز السبع سنوات. ففي شهر شباط (فبراير) وحده، تحدثت التقارير عما يزيد عن ألف ضحية مدنية للقصف الجوي.
لذلك، يبدو الحل السياسي الذي تأمل الولايات المتحدة بالوصول إليه، أشبه بالسراب، وإذا كان المجتمع الدولي ما زال يعول على قرار مجلس الأمن الدولي ٢٢٥٤ بوصفه السبيل الأوحد لوقف العنف ووضع حد للمعاناة المأسوية للشعب السوري، فإن هذا القرار يبدو أنه ليس ذا قيمة اليوم مع أزيز الطائرات العسكرية التي تؤكد ما سبق أن جرى خلال الحرب اللبنانية، فكأن الحرب في سورية هي حروب الآخرين على الأرض السورية.
* باحث في المركز العربي – واشنطن | |
|