| | التاريخ: شباط ١٣, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | سبعة أسئلة قاتلة تجاهَلَتْها المعارضة السورية - جهاد الزين | لم تنتج الثورة السورية التي ماتت سريعا أية بيئة قيادية ريادية ولم تنتج أيضا المثقف الفرد الشجاع.
لم تنتج (شارل) ديغول ولم تنتج (أندريه) مالرو. سوريا أنتجت الكثير اللامع لكني أتحدث هنا عن ما بعد 2011 لا ما قبلها.
ليس مطلوبا التكرار ويستحيل ذلك، لكنْ ما أعنيه هو الموقع القيادي و"الفكرة القيادية" بأشكالهما التي يبدّلها تاريخٌ جديد في القرن الحادي والعشرين يشهد انهيار الدول في منطقتنا وانهيار المجتمعات.
كان مفهوما في المراحل الأولى للانفجار السوري وبسبب الاحتقان المديد أن يجري القفز عن البحث في وقائع فرضت نفسها في الميدان بل صارت تدريجيا هي الميدان. لكن صمت المثقفين والناشطين المعارضين الآتين من مناخ مدني وتضحيات طويلة، هذا الصمت طال طويلا وصار جزءا من تواطؤ سيؤدي إلى اليوم إلى إفلاس تدريجي وربما نهائي لمضمون المعارضة بما هو مضمونُ طرْحِ بدائلَ تكون حقيقةً ديموقراطيةً وليس أسوأَ من النظام العسكري.
لذلك السؤال الأول:
لماذا قبلت الوجوه المفترض أنها علمانية بسيطرة والأهم بشرعية القوى الأصولية التي كانت ممارساتها على الأرض ليس فقط وحشية بل كان من الواضح أنها لا يمكن أن تكون البديل المقْنِع للنظام وهي الحاملة لمشروع دولة دينية غير قادرة على إدارة الدولة السورية. مشروع مستحيل بكل بساطة. لم يقف صوت كبير (باستثناء أدونيس الذي هوجِم وشُيْطِن) يعلن أن هذه ليست الثورة بل الذي حصل العكس وهو مساهمة شخصيات معارضة في السعي لتحسين صورة هذه الجماعات التكفيرية. وحتى الصلة بـ"الإخوان المسلمين" كانت تلعب دورا سلبيا من حيث أن تطورات الصراع ولا سيما بعد العسكرة جعلت "الإخوان" يميلون لتشجيع قوى تكفيرية يختبئون وراءها في تقاطعهم الثابت مع السياسة الأردوغانية، مبدِّدين بذلك محاولاتٍ منهم، تبيّن أنها مناورات، لتقديم خطاب مدني ديموقراطي بعد العام 2000.
السؤال الثاني:
لماذا هرب المدنيون في المعارضة نحو إنكار معضلة عميقة في الحرب السورية وهي تأييد أجزاء كبيرة من الأقليات وخصوصا المسيحيين للنظام؟ وبدلاً من طرحها كمعضلة والاعتراف بها كان الإنكار الكامل هو الجواب المعارض. مع أن هذه حالة صعبة كانت تتطلب التفكير المعلن في صعوبتها وبأن تصاعد الوجه الإسلامي الأصولي للمعارضة الميدانية يجعل من المستحيل وقف تفاقمها.
السؤال الثالث:
من ساهم في تبرير العسكرة الدولية والإقليمية عبر الكَتْم الكامل لفكرة المقاومة المدنية الديموقراطية للنظام بحجة أنه، أي النظام، يستعمل السلاح؟ وماذا سيستعمل النظام البوليسي أو أي نظام مثله، غير السلاح؟ لكن لماذا لم يكن ممكنا أن تدخل الحركة الديموقراطية السورية في نضال طويل سلمي كما فعلت حركات كثيرة أخرى في تجارب العالم المعاصر من تشيلي إلى الأرجنتين إلى إفريقيا الجنوبية وقبل ذلك الهند وباكستان وكما تفعل أو تحاول أن تفعل الحركة الديموقراطية ضد النظام الديني في إيران الآن ومنذ 2009 إلى اليوم؟ وكما باتت تفعل الحركة الديموقراطية في تركيا منذ سنوات بعد أن أصبح رجب طيّب أردوغان يدير نظاما بوليسيا حقيقيا يمكن لتغريدة تويتر فيه يطلقها مثقف أو صحافي أو فنان أن تضع صاحبها في السجن لسنوات إلى جانب عشرات آلاف المعتقلين من كل القطاعات منذ 2015؟
السؤال الرابع:
من المسؤول عن طبيعة العلاقات التي نشأت مع بعض دول الخليج ومن تجرأ على نقاش مدى ما تمثل هذه العلاقة من "مصداقية" لحركة اعتراض تريد إقامة نظام ديموقراطي؟
السؤال الخامس:
من المسؤول عن التواطؤ مع قرار رجب طيب أردوغان فتح معركة حلب وهو قرار كان يعرف أن معناه تدمير هذه المدينة العظيمة كما لم يحصل ربما منذ العام؟ لا وهم حول الموضوع. المعارضة السورية كان يجب أن تكون "أم الصبي" بحيث تستطيع رغم معارضتها للنظام أن تقول لا لمعركة حلب وإذا بها تنخرط بلا تردد في قرار مخابراتي إقليمي دولي عبر تركيا فتح معركة كمعركة حلب وكانت تعلم أن النظام سيرد فيها بالعنف نفسه؟ هذا دون الحديث عن النهب المنظم الذي استهدف بنية حلب الصناعية، وهو ما كُشِف عنه الكثير.
السؤال السادس:
رغم استفحال الخطاب "الوطنجي" الذي استخدم طويلا الصراع العربي الإسرائيلي لقمع الحريات، لماذا لم يتمكّن الخطاب المعارض، وهنا دور المثقفين، من إيجاد صيغة للتعامل مع هذا الصراع ولا سيما في تحدياته السورية (الجولان المحتل) ففضّل تجاهل المسألة باعتبارها "اختصاص" النظام وحده وأحد عوارضه القمعية مما سمح بتفاقم التباسات أضافت إلى عجز المعارضة السياسي عجزاً عميقاً آخر؟ ناهيك طبعا عن بعض الوقائع في محيط الجولان التي بقيت غامضة رغم فداحتها من علاقة ميدانية بين بعض الإسلاميين والمخابرات الإسرائيلية عامَلَها مدنيو وعلمانيو المعارضة، الذين كانوا لا يرقى الشك إلى تاريخهم والتزامهم بالصراع العربي الإسرائيلي، كما لو أنها فضيحة "بيتية" ينبغي التستر عليها فتركوا للنظام وحلفائه فرصة ثمينة للتشكيك الشامل؟
السؤال السابع:
هناك مسألة عميقة أعتقد أنها تستحق أن تكون خاتمة هذه التساؤلات: فكرة ربح وخسارة الحرب. فما معنى "خسارة الحرب" عندما يكون إنقاذ سوريا، والحقيقة ما تبقى من سوريا، هو المطروح منذ فترة لم تعد قصيرة انسدّ فيها الأفق السياسي للمعارضة؟
النظام "يقتل شعبه" والمعارضة أيضا "تقتل شعبها". فإذا كان قصف الطيران قتلاً وهو كذلك لماذا لا يكون قصف تجمعات المدنيين الذي تمارسه المعارضة بالمدافع البرية والتفجيرات قتلاً، وهو كذلك! هذه هي الحرب. لم تقصّر القوى الميدانية في العنف الوحشي. ولا أحد سينسى إعدامات القوى التكفيرية. من خسر ومن ربح؟ العالم بعد الزلزال السوري ليس هو نفسه، فكيف بسوريا والمنطقة؟
حتى بداية آذار 2012 كان هناك بين الداعمين للتغيير في سوريا والواسعي الصلات بأوساط المعارضين من لا يزال يعتقد بإمكان "إحياء الثورة السورية في طابعها اللاعنفي" حسب دراسة للمختص في القانون الدولي والفقه المقارن الدكتور شبلي ملاط في مجلة هارفرد للقانون الدولي، المجلّد رقم 53 صفحة 144-154 ترجمها الكاتب للعربية.
أتصوّر الآن كم يبدو هذا الهاجس بعيدا. لكن أن يكون مشى التاريخ في اتجاه معاكس تماما بسبب عاملين هما "لعبة الأمم" الدولية من جهة، ومن جهة ثانية الثقافة القبلية والطائفية العنفية لمجتمعات المشرق (ما عدا مصر)، لا يعني أن النضال اللاعنفي كان غير ممكن بل لا يعني حتى أنه كان غير واقعي!!
في مصر، حصلت ثورة غير عنفية مرتين في غضون أقل من ثلاث سنوات. ولا زال النضال الديموقراطي للتغيير متواصلا. الإرهاب الشديد التكفيري الحالي هو عمل خارجي أساسا وبالتأكيد عمل أقلية صغيرة مصرية تتعاون معه. لكن ثقافة المجتمع المصري هي ثقافة سلمية. ليست هذه "ثقافتنا" في سوريا والعراق ولبنان وليبيا واليمن. | |
|