| | التاريخ: شباط ٩, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة الحياة | | الربيع العربي بما هو الصراع على معنى السلطة - إبراهيم غرايبة | الفتاة التي تخرجت من الجامعة الأردنية بتفوق، وتقدمت إلى منحة دراسية في جامعة أوروبية عريقة ونافست بكفاءة زملاءها المتقدمين من أنحاء العالم، صدمت لجنة المقابلة بأنها لا تعرف اسم رئيس الوزراء في بلدها، وأنها على رغم معرفتها الجيدة بمحكمة العدل الدولية لم تكن تعرف أن رئيس الوزراء الأسبق في بلدها كان قاضياً في المحكمة ومرشحاً لرئاستها. لكن الصدمة الكبرى التي تجب ملاحظتها اليوم هي كيف تنظر الأجيال والمجتمعات والطبقات اليوم إلى أوطانها والأنظمة والطبقات السياسية المهيمنة فيها، وكيف تنظر هذه الطبقات إلى بلادها ومجتمعاتها؟
لقد أظهر الربيع العربي فرقاً هائلاً في النظر إلى السلطة ومعناها بين النخب المهيمنة وبين المجتمعات والطبقات الأخرى على نحو يبعث على اليأس من إمكانية التفاهم أو بناء الحد الأدنى لعقد اجتماعي ينظم العلاقة بين السلطة والمجتمعات، ولا تقف هذه الفجوة في تعريف معنى السلطة وعلاقاتها، لكنها تظهر فارقاً كبيراً في المرحلة الزمنية والمعرفية، ففي حين تعيش طبقات في عصور قديمة كان فيها الحكام والطبقات الحاكمة ينتمون إلى نسب أو حق إلهي بامتلاك الناس والمواطنين والبلاد كما تملك العقارات والمواشي والمزارع والأطيان، تعيش الأجيال والمجتمعات في فضاءات معرفية تواصلية تتجاوز مفاهيم السلطة والدولة الحديثة التقليدية (صارت تقليدية) والتي تؤكد أن الطبقات الحاكمة والمهيمنة لم تكتشفها بعد، لم تعرف بعد السلطات والنخب العربية القائمة عن الثورة الصناعية والمطبعة، فكيف يمكن إفهامها المعاني الجديدة للسلطة والمجتمعات والموارد وعلاقاتها المتشكلة حول الشبكية؟
النظام السياسي الذي يعتقد أن من حقه أن يبيد شعبه، أو يخاطبهم بالقول من أنتم؟ أو أنه لن يسمح بتكرار ما حدث، ويقصد التظاهرات السلمية والتي أسست لانتخابات وحياة ديموقراطية حرة، أو الحكومات التي تعفي البنوك والأغنياء من الضرائب وتلاحق الفقراء ومتوسطي الحال بالضرائب الهائلة أو التي تسلك في الإنفاق العام في اتجاهات ومحتوى منحاز لفئة وضد فئة أخرى هي الغالبية، أو في التنظيم القانوني والإداري للانتخابات والمدن والمجتمعات ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني على النحو الذي يشتت المجتمعات ويضعف قدرتها على الولاية والتأثير والمشاركة. باختصار فإن السلطات العربية ما زالت تعتقد أن ما ينظم علاقتها بالمجتمعات هو الخوف، والخوف فقط، ولم تجد بعد غير الخوف والقهر أي معنى للدولة والمجتمعات والأمم والهويات والثقافة فضلاً عن العولمة والمعاهدات والأنظمة والمواثيق الدولية، حتى عندما توقّع على معاهدات لحقوق الإنسان والحريات وحظر التعذيب والنزاهة والحاكمية الرشيدة،... الأعداد الهائلة للشباب الذين تخرجوا من الجامعات وانخرطوا في كل المهن النبيلة والمتقدمة مثل الطب والمحاماة والتعليم والهندسة، واطلعوا على الأخبار والمعارف والمهارات بلا حدود ليسوا في نظر الطبقات المهيمنة سوى مجاميع لا يقرأون ولا يكتبون ولا يملكون من أمرهم شيئاً.
والفتى الذي يشارك في الشبكة مع كل مراكز المعرفة والأسواق والألعاب والحوار في أي مكان في العالم، ويقرأ ويكتب عن الأحداث والقضايا الدولية والحضارة العالمية، ليس في مقدروه أن يسير على رصيف في الحي الذي يعيش فيه، أو يلعب مع زملائه في حديقة أو يذهبون معاً إلى مكتبة عامة، لأنه وببساطة تخطط المدن والأحياء على نحو لا يرى فيها مواطنين يحق لهم أن يمشوا على رصيف أو يكون لهم في الحي الذي يعيشون فيه مدرسة أساسية وحديقة ونادٍ ومكتبة!
النخب العربية لا تعرف إلى أين وصلت بلادها ومواطنوها، والأجيال والمجتمعات لا تثق بقيادات اجتماعية وسياسية، وليس ثمة أفق للمستقبل سوى الفوضى و... العناية الإلهية!
* كاتب أردني | |
|