التاريخ: شباط ٧, ٢٠١٨
المصدر: جريدة الحياة
الاستحقاق العراقي: انتخابات إشكالية ومشكلات بنيوية على وقع انقسامات جديدة - عبدالباسط سيدا
الجميع في عجلة من أمره في العراق استعداداً للانتخابات المقبلة، التي من المفروض أن تحدد شكل وتوجهات الحكومة العراقية المقبلة التي من المفروض أن تتصدّى لمعالجة جملة من القضايا، منها: تطبيع العلاقة بين بغداد وأربيل، وأسباب ونتائج الفساد المرعب الذي يبتلع القسم الأعظم من إمكانات البلد. وتأمين المستلزمات الأساسية للعيش الكريم للمواطنين، والحد من تغلغل النفوذ الإيراني في مفاصل الدولة والمجتمع العراقيين، والعمل من أجل أن يكون العراق ساحة للتواصل، وأساساً للتفاهم بين مختلف القوى الإقليمية. وكل هذه المهمات تتطلب وجود عقلية وطنية مسؤولة، قادرة على التعامل مع الجميع بمنطق رجل الدولة البعيد النظر.

فعلى صعيد العلاقة بين الحكومة الاتحادية وإقليم كردستان مثلاً، لابد من البحث عن الحلول لا إثارة المشكلات، أو خلقها وتعقيدها؛ هذا إذا كانت هناك إرادة حقيقية لبناء دولة قوية متماسكة، يشعر الجميع بأنها لهم وبهم، من دون أي تمييز أو تهميش. ولا يمكن في هذا السياق تجاهل حقيقة أن العلاقة لم تكن طبيعية في يوم من الأيام. ولم يتم الالتزام بالدستور الذي يدعو الجميع الآن إلى العودة إليها كمخرج، وذلك من مواقع متباينة، وبتفسيرات متنافرة.

أما بالنسبة إلى موضوع الاستفتاء، فقد كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير. فالحكومة العراقية الموجهة إيرانياً، كانت تنتظر اللحظة المناسبة للانتقام من الإقليم الذي رفض منذ البداية السير في ركاب السياسة الإيرانية في المنطقة، ولا سيما في ما يتصل بالملف السوري. وإنما حرص على العلاقات المتوازنة مع القوى الإقليمية الفاعلة، حفاظاً على مصالح الإقليم، التي من المفروض أنها جزء أساسي وطبيعي من مصالح العراق الوطنية.

وقد دفع الإقليم، ممثلاً بشخص الرئيس مسعود البارزاني، ثمناً باهظاً لموقفه المعتدل هذا. ولا يمكننا في هذا المجال، أن نفصل بأي حال من الأحوال بين الهجوم الداعشي الذي تعرض له، وبين إصراره على استقلالية القرار في لعبة الاستقطابات الإقليمية.

كما أن تجميد البت في موضوع المناطق «المتنازع عليها»، وقطع الموازنة عن الإقليم، كل ذلك، وغيره، كان من العوامل التي دفعت بقيادة الإقليم إلى اتخاذ قرار الاستفتاء، الذي يظل من الناحية المبدئية حقاً مشروعاً، لا يمكن أي قوة أن تلغيه، أو أن تعتمده ذريعة لاتخاذ المزيد من الإجراءات الانتقامية الكيدية، كما فعلت الحكومة العراقية. وهي إجراءات تخدم المشروع الإيراني في المقام الأول، يتكىء عليها العبادي أملاً بتحقيق «نصر» انتخابي، من دون أخذ مصلحة العراق الوطنية في الاعتبار، هذا بصرف النظر عن الشعارات المرفوعة.

وما حدث في كركوك ليلة السادس عشر من تشرين الأول(ديسمبر) 2017 يؤكد ذلك، فقد خانت بعض القوات الكردية الإقليم، كما خانت قوات الحشد الشعبي العراق، ونسقت مع الإيرانيين الذين سيطروا على كركوك. وركب السيد العبادي الموجة، ليعطي انطباعاً زائفاً فحواه أن ما حصل كان بناء على أوامره، هذا في حين أن الوقائع كلها تدحض هذا التوهّم، وتؤكد مدى ضخامة حجم وعمق التأثير الإيراني في اتخاذ القرارات السياسية والميدانية.

ولعل التحالف الذي أعلن عنه بين كتلة العبادي وكتلة العامري، على رغم الانسحابات التي حدثت لاحقاً، يثبت ذلك، فالقائمون على هذا التحالف يحاولون استعادة أو استنساخ تجربة حزب الله في لبنان. وما نعنيه بذلك هو أن تتحوّل قوى ميليشياوية مرتبطة مباشرة مع إيران، إلى قوة سياسية متغلّغلة في البرلمان والحكومة، وسائر مؤسسات الدولة الأخرى، الأمر الذي يؤسس لتبعية عضوية، لا تتقاطع من بعيد أو من قريب مع مصلحة المشروع الوطني الذي يبدي الجميع إعلامياً حرصهم عليه.

أما بالنسبة إلى موضوع الفساد، فهو آفة الآفات التي تنخر في مقدرات الدولة العراقية، وتتسبب في حرمان المواطنين العراقيين، في سائر المناطق، من أبسط مستلزمات العيش الكريم، مثل الخدمات الأساسية: كهرباء ومواصلات واتصالات. إلى جانب التعليم والعمل والصحة والسكن والضرورات المعيشية الأخرى.

وقد بات الشرخ بين الفئات المندمجة في المشاريع السياسية الحزبية العصبوية، وبين القطاع الأوسع من المواطنين العراقيين في كل المناطق كبيراً وعميقاً، ما سيؤدي إلى المزيد من الاضطراب المجتمعي، والاستقطاب المذهبي والقومي، وليس بعيداً ظهور أشكال جديدة من التطرف والتشدد، يستغلها متعهدو الحركات الإرهابية لمصلحة مآرب ومشاريع لا تريد الخير للعراق وأهله.

مشكلات العراق قديمة ومتراكمة. كما أن التداخلات بينها والمشاريع الإقليمية والمصالح الدولية قديمة هي الأخرى. وحل هذه المشكلات لن يكون بالاندماج في مشروع إقليمي في مواجهة المشاريع الآخرى. بل يكون عبر حوار عراقي – عراقي واسع. يأخذ قبل كل شيء المصالح العراقية في الاعتبار على أساس احترام الخصوصيات والحقوق، ومن دون أي تمييز أو إبعاد. وحوار كهذا من شأنه أن يؤدي إلى تفاهمات وتوافقات بين العراقيين أنفسهم، تكون أساساً للنهوض بالعراق لمصلحة أهله، وبالتناغم مع الجهود الرامية إلى تحقيق التوازن في المعادلات المختلّة في المنطقة، وفي مقدمة هذه المعادلات، المعادلة الخاصة بالدور الإيراني في العراق، هذا الدور الذي كان قاعدة للتدخل السافر في المنطقة بأسرها.

الجميع في انتظار تبلور خارطة التكتلات السياسية التي ستتنافس على مقاعد البرلمان في الربيع المقبل، ما لم يتم التأجيل، وطبيعة القوى التي ستفوز بالنصيب الأكبر من المقاعد، وماهية مشاريعها.

وحتى ذلك الحين، ستكون هناك خطوات تكتيكية من جانب مختلف القوى من أجل كسب المزيد من الوقت والأنصار. فالعبادي سيحاول مثلاً إعطاء انطباع بأنه يتفاوض مع الإقليم لإيجاد الحلول لجملة المشكلات القائمة بينهما، في الوقت الذي سيستمر في مساعيه التحالفية مع أولئك الذين هم جزء أساسي من المشكلة.

كما أن المالكي سيعمد إلى إيجاد تفاهمات مع خصوم الأمس ليعزز من فرصه. بينما ستسعى الكتل الأخرى من كردية وسنية وعابرة للطوائف من أجل ترتيب أوضاعها الداخلية؛ وبناء تحالفات براغماتية مع الأكثر استعداداً لتفهم وتلبية مطالبها.

وما يُستنتج ويتوقع من كل ما يجري لا يوحي بقرب الفرج. وإنما الأقرب هو أننا سنشهد عملية إعادة هيكلة للقوى العراقية التقليدية ضمن الإطار نفسه، وهذا معناه أن مشكلات البلد ستظل في انتظار حلٍ ما زال في دائرة التمنيات. 

* كاتب سوري.