| | التاريخ: شباط ٢, ٢٠١٨ | المصدر: جريدة النهار اللبنانية | | السقوط المعنوي العفريني للمعارضة السورية - جهاد الزين | منذ فترة طويلة لم يعد ممكنا تحميل مسمّى واحد أو جهة واحدة اسمها "المعارضة السورية" مسؤولية المعارضة السورية.
أقصد أن أزمة معارضي النظام السوري تخطّت حتى مستوى عجزها كقوى متفتّتة، بل دخل الوضع حالة تدويل (من دولة لا من دولي) بحيث يكاد لم يعد على "الساحة" السورية سوى الدول الإقليمية والكبرى. والباقي تجمعات تابعة تنوجد بإرادة هذه الدولة أو تلك.
مع ذلك، وبما تبقى معنويا من سورنة ميدانية وسياسية "افتراضية"، بما فيها أصوات ثقافية، يجوز السؤال:
لماذا تنحدر المعارضات السورية، مع انحدار كل سوريا، إلى هذا النوع من الخسارات التي لا تُعوّض عبر ظهور "الجيش السوري الحر" قوة عميلة سياسيا وعسكريا للقوة التركية الهاجمة على عفرين؟
أرجو بسرعة الانتباه إلى أن موضوع نقاشي هنا ليس السياسة التركية التي تفرز هجوم عفرين وما سيأتي بعدها، فهذه السياسة التي تحظى بشعبية واسعة أكيدة حتى الآن داخل الرأي العام "التركي التركي" (لتمييزه عن "التركي الكردي") يجب أن تكون موضع بحث في نطاق الخارطة الأوسع للمنطقة وتفاعلاتها.
لكني هنا عبر هذه المقدمة أعلاه أطرح النقطة التالية بشكل محدد:
مهما تكن الاعتبارات لماذا تقف قوة سورية كـ"الجيش الحر" مع قوة خارجية، أيا تكن، ضد جزء من الشعب السوري يمثله أكراد سوريا؟ وحتى لو قيل أن هذه القوة وهمية سوى في عنوانها فهذا لا يخفف مسؤولية جميع فصائل المعارضة عن شبه الصمت الذي يرافق استخدامها لولا ندرة نادرة من الأصوات؟ وحتى لو كانت سياسة الفصيل الذي يقود الجانب الكردي موضع خلاف كبير وخاضعة لاعتبارات غير منسّقة مع معظم المعارضة؟
يا لنهاية هذه الثورة الشبابية السورية التي بدأت بشكل مدني حقيقي ضد النظام العسكري وأصبحت تحت أقدام العسكرة الدولية والإقليمية المضادة للنظام غير موجودة تقريبا وكأنه لم يعد هناك سوريون في سوريا بل جاليات عسكرية مرتزقة لدى أجهزة مخابرات وجيوش خارجية؟ وإذا "ظَهَر" سوريون فهم من فصائل تكفيرية متوحشة غير مؤهلة لإدارة أي مجتمع مديني بل متمدّن سوري.
في عفرين كان يجب أن لا تقبل المعارضات أو الصوت الأوسع فيها أي مشاركة باسم سوري مع الجيش التركي. فماذا يترك الصامتون، ناهيك عن المتورطين، للعلاقات مع أبناء شعبهم الأكراد في المستقبل؟ أكرر أن هذا الموقف لا يرتبط بالضرورة بتأييد السلوك الكردي العام قبل المعارك. وما يثيره من خلافات.
ياسين الحاج صالح، المثقف السوري المعروف، يأخذ الموقف "المنتَظَر" معنويا وينتقد التحاقية "الجيش السوري الحر" في مقال شجاع لا يغفل أياً من تعقيدات الوضع لاسيما من موقعه المعارض الواضح... جاء فيه:
"لا تفعل تشكيلات محسوبة على الجيش الحر الذي ظل عنواناً فضفاضاً لمقاومة سورية مسلحة، محلية ووطنية وغير إسلامية، تحارب الحكم الأسدي حصراً، لا تفعل شيئاً مختلفاً حين تضع نفسها تحت الإمرة التركية وتقوم بعملية تركية في سوريا عما يؤخذ على تنظيم الاتحاد الديموقراطي (الكردي) الذي خاض في سوريا حرب الأميركيين التي لا قرار له في شأن نطاقها وأمدها ونهايتها ودوره فيها".
في هذا الوقت، وكنموذج على تفكير آخر، يلجأ ميشال كيلو إلى كليشيهات تبريرية يركن إليها لتبرير هذا الالتحاق في عفرين بقوله أن حزب العمال الكردستاني المسلح (PKK) "أوقف بالقوة مشاركة كرد سوريا في ثورة شعبهم، وتعاون عسكريا مع الأسدية ومخابراتها، وألحقهُم بدولة أجنبية، أعلنت بكل صراحة أنها ترفض المشروع الإقليمي لهذا الحزب، لأنه ليس من مصلحتها تبنّيه، والدخول في مشكلات مع دول الجوار". وإني إذْ أعلم كيف ترن كلمة "أجنبية" في العقل البعثي التقليدي في وصف تركيا وإيران، يبدو هنا ميشال كيلو مرةً أخرى بعثيّاً بامتياز، وقد كان دائما قطاع واسع من هذه المعارضة ذات الأصول اليسارية بعثيَّ التفكير في العلاقة مع الأكراد خصوصا كلما كانت تتفاقم الطموحات الفدرالية أو حتى الانفصالية في بعض الأوساط الكردية، في العراق قبل 2011، وفي سوريا بعدها... عندما استفاق الرئيس رجب طيّب أردوغان وهو يقود "عسكرة" الوضع في الشمال السوري بتحريض من "الإخوان المسلمين" ليجد أن حدود تركيا مع سوريا هي حدود كردية على الجانب السوري مما عزز وضع الاعتراض الكردي المسلح داخل تركيا وهو ما يحاول أن "يعالجه" اليوم بعمل عسكري قد يصبح مغامرة خطرة إذا تطورت المعارضة الأميركية له رغم تفاهمه الواضح هنا مع روسيا.
تراكمت الممارسات الفادحة للمعارضة السورية في سنوات هذا الجحيم منذ أواخر عام 2011 وبلغ "الاحتراف" درجة أن أيا من شخصيات المعارضة العلمانية لم تعترض على تولي مسؤول في تنظيم إسلامي أصولي رئاسة وفد المعارضة إلى مفاوضات جنيف في مرحلة من المراحل، وهو نفسه ابن عم زعيم التنظيم الذي قام قبل سنوات بخطف أربعة من خيرة مناضلي المعارضة بمعناها الثوري المدني وبينهم الناشطة الشابة رزان زيتونة ولا زالوا مختَفين. وكان هذا الشخص مسؤولا ممارِساً خلال الخطف إلى جانب قريبه. لم يطالبه أحد يومها، أي يوم تصدُّرِه كـ"كبير مفاوضين" حتى بكشف ملابسات هذا الاختطاف الذي لم يبقَ بعده مدني قيادي معارض ومقاتل تقريبا على الأرض السورية. وهي الظاهرة التي وسمت الصراع السوري من حيث سيطرة الإسلاميين على معظم مناطقها فيما الجيش الحر انكفأ سريعا بل شبه تلاشى... ويظهر اليوم في عفرين.
احترام تضحيات الشعب السوري الهائلة ونقد النظام لا يعنيان الصمت على ممارسات أخطر ما فيها ليس أذاها المعنوي الحالي بل ما يمكن أن تتركه من جروح عميقة في مشروع استعادة الجسم السوري الواحد. وما يفعله "الجيش السوري الحر" في عفرين هو من أخطرها. (هل تعمل عناصر من "داعش" أعيد توظيفها في تركيا تحت راية "الجيش السوري الحر"؟)
لا شك أن "اللحظة" الكردية التي بدت في ذروة صعودها في المنطقة بعد انهيار الحدود السورية أواخر عام 2011 قد تعرضت لصدمتين بل خسارتين استراتيجيتين في كركوك العراق قبل أشهر وعفرين سوريا اليوم، مما سيجعل الاندفاعات الكردية بل المغامرات الكردية تواجه حقيقة معادلات لدول المنطقة طالما أهملتها أو استخفّت بها في السنوات الأخيرة. هذه لحظة كردية مختلفة بات يجب استثمارها عقلانيا لدى الحريصين على نسيج كل من الوطنيتين السورية والعراقية وليس بتوريط المعارضة السورية بانحياز لتركيا ذات الحسابات الداخلية (التركية) المختلفة تماما والتي يجب فصل نقاشها هنا حتى وهي داخل سوريا عن الحسابات المفترضة للنسيج السوري. | |
|