التاريخ: تشرين الثاني ١٤, ٢٠١٧
المصدر: جريدة النهار اللبنانية
هل ينبعث "القرآنيون" في مصر من الرماد مجددا؟
القاهرة- ياسر خليل
بينما يتصاعد الحديث عن ضرورة مراجعة وتدقيق كتب التراث الديني، بهدف مواجهة التفسيرات المتطرفة للدين الإسلامي، والتصدي للإرهاب، وفيما تتخذ بلدان عربية بينها مصر والسعودية وتونس، خطوات رسمية في اتجاه "الإصلاح الديني"، يبرز من جديد، تتجه الانظار مجدداً صوب "القرآنيين". مقالات تدافع عنهم، ومنابر إعلامية تفتح منابرها لهم، ومقاطع فيديو جديدة وقديمة ينشرها مستخدمو موقع "يوتيوب"، ونشاط ملحوظ لأنصارهم على مواقع التواصل الاجتماعي. هذا الظهور اللافت، يطرح تساؤلات حول دورهم، ومستقبلهم في ظل التغيرات الجديدة التي تشهدها المنطقة العربية. 

"القرآنيون" اسم أطلقته أجهزة الأمن المصرية على أنصار تيار فكري يرى أن القرآن الكريم وحده -دون السنة النبوية- كاف كمصدر للتشريع الإسلامي، ويتقبل أنصار هذا التيار الاسم، إلا أنهم غالبا ما يفضلون عليه لقب "أهل القرآن". 

ويرفض "القرآنيون" وصفهم بالجماعة أو التنظيم، ويقولون إنهم مسلمون كبقية المسلمين، يصلون ويصومون ويحجون كغيرهم، لكن يستقون تعاليم دينهم من القرآن وحده.

وتعرض أنصار هذا التيار لملاحقات أمنية، خاصة خلال عامي 2002 و2007، وفرت قياداتهم إلى أوروبا وأمريكا. وبعد هذه الحملة، تكاد تلك الجماعة تختفي تماماً من مصر، أو على الأقل تلوذ بالصمت، لكنها في الوقت ذاته كانت نشطة في أوروبا وأميركا، وتزايدت أعداد مساجدها، وجمعياتها، كما كان لها حضور في العالم الافتراضي، من خلال أشهر مواقعها وهو "أهل القرآن"، الذي يعد المنصة الرئيسية لهم.

زعيم القرآنيين

يقول أحمد صبحي منصور، الملقب بـ"زعيم القرآنيين"، والذي يقيم في الولايات المتحدة حاليا، لـ"النهار": "زاد عدد القرآنيين أضعافا في مصر، وخارجها، غير أن الضغط الأمني يجبرهم على الصمت". وكان منصور أحد أساتذة جامعة الأزهر، إلا أنه تركها عام 1987، بعد خلافات فكرية من رجال الأزهر.

وعما إذا كانت لديه إحصائيات أو تقديرات لأعداد "أهل القرآن"، أشار إلى أن "إحصائيات القرآنيين في مصر يعرفها الأمن أكثر. ولكن صحيفة (المصريون) الإخوانية -على حد وصفه- نشرت منذ عشر سنوات، تقريرا يؤكد أن عشرين ألفا من خطباء المساجد في مصر أصبحوا قرآنيين".

وبشأن موقف تياره من دعوات الإصلاح الديني وتنقية كتب التراث، قال إن "تنقية الأحاديث جهد ضائع لا فائدة فيه. أما عن تنقية التراث. لا بد من هجر هذا التراث بكل تفاهاته وأكاذيبه وأساطيره وشريعته الدموية المتزمتة المتخلفة، وخصوصا الوهابية التي أفسدت المسلمين، وأقامت مذابح في العالم. لا بد من صياغة شريعة معاصرة حديثة من القرآن الكريم رأسا، تتجلى فيها القيم الإسلامية العليا، من الحرية الدينية المطلقة للفرد، والعدل للجميع، والسلام، والتسامح (الإحسان)، والرحمة، وكرامة الإنسان، والديمقراطية المباشرة".

الجماعة والفكر

ويقول الصحافي وليد طوغان لـ"النهار": "نحتاج إلى التفريق بين القرآنيين كجماعة، وكفكر. القرآنيون كجماعة اتخذت موقفا معاديا للدولة المصرية، خلال فترة من الزمن، وأغلب أعضاء هذه الجماعة، من المهاجرين خارج مصر حاليا، وهم يمثلون اتجاهاً سياسياً بالأساس، ولا تأثير لهم، ولا يعنون السلطة حاليا".

وأضاف طوغان: "الجانب الآخر من القرآنيين، يتعلق بالاتجاه الفقهي، وقد ظهر بعد اضطرابات كشفت موقف السنة من المجتمعات الإسلامية، موقف السنة اختلف من ناحيتين. الناحية الأولى هي الوهابية التي بدأت تتخذ موقفاً متشدداً، حيث حرمت زيارة الأولياء والأضرحة، وطريقة الدفن. والناحية الثانية، مجتمعات شمال افريقيا التي غيرت صورة النبي البشرية، عما هو وارد بالنص القرآني، فأضافت له قدرات خارقة، وقالت مثلاً إنه أنزل المياه على جيش المسلمين في بدر، وحين نفذ الماء فجر الآبار، وهذه أساطير شعبية أسقطت على شكل النبي".

وأشار إلى أنه "في هذا الوقت خرجت جماعة القرآنيين، وقالت نحن نريد أن نلجأ للنص الأصلي (القرآن) للخروج من مأزق تحويل السنة إلى أحكام متشددة، أو أساطير شعبية. وتقول جماعات القرآنيين إن القرآن هو النص الأصلي، لأن الأحاديث على مر التاريخ تلاعبت بها السياسة، وهذا حدث في العصرين العباسي والفاطمي".

وأوضح الكاتب بجريدة "روز اليوسف" أن "توجه القرآنيين انطلق من أن السنة اتخذت في الأساس لبيان ما في القرآن، فلم يشرع النبي من تلقاء نفسه، ومن ثم يرون أنه يجب أن يبدأ التشريع من القرآن كمصدر وحيد، يقدم الدين بأسلوب عصري، صالح لكل زمان ومكان، ولاحظ أن السنة توقفت عند عصر التابعين وتابعي التابعين. والسنة تتحدث عن أنه لو واجهتنا مشكلة اليوم، ننظر كيف تصرف فيها الأولين، وإذا لم نجد، لا يمكن أن نجتهد، فالمدرسة السلفية، والأزهر، والمؤسسات الدينية السنية، توقف الاجتهاد عند القرن الرابع الهجري".

وأعرب طوغان عن دهشته من أن "هذه المؤسسات التي تغلق باب الاجتهاد -خاصة الأزهر- هي التي ترفع راية تجديد الخطاب الديني".

"القرآنيون" يتطورون

وبينما يحاجج أنصار السنة والتراث الإسلامي بأنه لا يمكن الاعتماد على القرآن وحده كمصدر للتشريع الإسلامي، ويضربون مثلا بأنه لم يذكر عدد الصلوات، أو طريقة الصلاة، يعمل بعض أنصار هذا الفكر على البحث عن إجابات، وتوفر مواقع التواصل الاجتماعي ساحة لتطوير هذه الأفكار وتبادلها وانتشارها.

فعلى سبيل المثال، يشهد جروب "ساحة القرآنيين ونحن القرآنيون" على "فايسبوك" والتي تضم أكثر من 73 ألف عضو، سجالات محمومة بين أنصار السنة، والقرآنيين، ويطرح أحد القرآنيين، واسمه أحمد آدم، سؤالا طالما أحرج أقرانه لسنوات، وهو "كم عدد الصلوات في القرآن؟"، ويجتهد الأعضاء في الإجابة على السؤال، ثم يطرح أحمد ما يرى أنه إجابة على هذا السؤال، مستخدما آيات من سور "هود، والإسراء، والنور، والمزمل".

ويقول آدم لـ"النهار": "وضع القرآنيين عموما في أي بلد فيه سلطة للأحزاب الدينية، سواء السنة أو الشيعة هو التهميش والاضطهاد. ولكن نرى مؤخرا ازدياد قوة القرآنيين، نتيجة لقوة حجتهم، وازدياد التفاف الرأي العام حولهم، خاصة مع التغييرات الكبرى التي تحصل في السعودية ضد التيار الوهابي، لصالح الاعتدال".

وأضاف: "الناس لن يقتنعوا بأن القرآن كاف كمصدر للتشريع بمجرد هدم التراث، لا بد من البناء وتقديم الفقه القرآني بديلا عن فقه السنة أو الرواية، ونعم، قوة منطق ودليل فقه القرآن يفتح الطريق لآخرين بقبول هذا الطريق للحق".