لا يمكن أحداً أن يُنكر أن الإرهاب بات يمثل تهديداً وجودياً للدولة ومؤسساتها في مصر، لا سيما وإن كان بحجم الحادث الذي وقع أخيراً على طريق الواحات البحرية، في جنوب غرب القاهرة.
إلا أن اللافت هنا هو كم الارتباك الذي وسم الخطاب العام في مصر كرد فعل على هذا الحادث. فهناك تضارب واضح في عدد الضحايا، في صفوف القوات الرسمية، فهم وفق وزارة الداخلية المصرية 16 قتيلاً، ووفق مصادر أخرى، 53 قتيلاً، ناهيك بالروايات المتعلقة بكيفية استهداف هؤلاء وحصارهم، وأعداد المنفذين، وهل هناك أسرى إضافة إلى الجرحى والقتلى؟ نحن أمام أزمة تعاطٍ سياسي وإعلامي مع الإرهاب وما يترتب عليه من حوادث مفجعة ومهددة لوجود الدولة وكيانها، ومن ثم فالأمر بات يتطلب مراجعة جدية لنهج السلطة في التعاطي مع تلك الأمور برمتها وفي سياق أوسع بكثير من سياقها الأمني خصوصاً وأن ذلك الحادث وقع في أعقاب إصدار الرئيس عبدالفتاح السيسي قراره بتمديد العمل بقانون الطوارئ ثلاثة شهور.
ومن الواضح أن عملية خنق المجال العام أثَّرت سلباً في قدرات الدولة الأمنية واللوجيستية في مكافحة الإرهاب وفي طبيعة التعاطي الإعلامي مع مثل ذلك الحادث فور وقوعه.
فوفق ما أشار إليه صمويل هنتنغتون في كتابه «النظام السياسي لمجتمعات متغيرة»، فإن قوة الدولة وفاعليتها في تنفيذ القانون وبسط سيادتها على أراضيها، تقترن بمفاهيم عدة كالإجماع والاتفاق والتنظيم والفاعلية والاستقرار، ما يتطلب إجماعاً شعبياً على شرعية السلطة السياسية، ووجود مؤسسات سياسية قوية ومتكيفة ومتماسكة وبيروقراطيات فاعلة وأحزاب سياسية حسنة التنظيم ورقابة مدنية على أنشطة المؤسسات الأمنية، فمن دون كل ذلك تصير الدولة رخوة في مواجهة أعدائها بل وفي تطبيق القانون على مواطنيها أيضاً. وذلك ما يفرض في مجمله سؤالاً، هو: هل يرتبط مسوغ شرعية السلطة بوجود الإرهاب أم بمواجهته؟ ولعل الإجابة عن هذا السؤال تقتضي حسم خيارنا كمصريين بين الديموقراطية بتجلياتها وتأثيراتها المباشرة على أداء الجهاز الدولتي وطبيعة الخطاب السياسي والإعلامي العام وبين نظام سياسي مُغلق متوارث منذ الستينات يتفنَّن في كبت الحريات وخنق المجال السياسي والتعتيم الإعلامي بغية الدفاع عن الدولة وأمنها ثم يفشل في ذلك فشلاً ذريعاً. فاختيار الديموقراطية يعني الانحياز إلى الدولة بمعناها الوجودي كما يعني أيضاً نجاحها في مكافحة الإرهاب من خلال رفع كفاءة أجهزتها الأمنية ومؤسستها العسكرية بما يؤدي في النهاية إلى توسيع قاعدة شرعية السلطة السياسية، ومن ثم تزايد حجم الإجماع العام حولها وتوفير حاضنة اجتماعية تتبنى برامجها وتدعمها في تحقيقها. أما اختيار النظام المُغلق فيعني في المقابل الانحياز إلى سلطة زمنية عابرة لا تعادل الدولة موضوعياً، كما يعني فشل الدولة في مكافحة الإرهاب بفعل تدني أداء مؤسساتها الأمنية بما يؤدي في النهاية إلى تقلص بل وتآكل قاعدة شرعية السلطة السياسية، ومن ثم غياب الحاضنة الاجتماعية التي تتبنى برامج السلطة. ولذلك يمكن القول أن الديموقراطية ليست فقط مجرد وسيلة لنهضة مصر، بقدر ما أصبحت ضرورة تاريخية لمجابهة التحديات التي تمثل تهديداً وجودياً للدولة وفي مقدمها الإرهاب. * كاتب مصري
|