كأن الانتماء الى لبنان يفرض على كل طائفة من طوائفه المرور بدورة مزاجية لا تنتهي: التهميش ثم التمكن فالغلبة ثم الهزيمة، وأخيراً الإحباط وبعد ذلك عودة الى الهامش والقتال للخروج منه. تبادلت الطوائف المواقع هذه مرات عدة في لعبة الكراسي الموسيقية الصادحة منذ إنشاء لبنان الكبير.
تأكيد رئيس الوزراء سعد الحريري «على مسؤوليته» أن أهل السنّة في لبنان ليسوا محبطين، لا يخرج عن سياق الكلام التعبوي قبل أشهر من الانتخابات ووسط شعور شامل بالخيبة حيال السنة الأولى من عهد الرئيس ميشال عون وحكومة الحريري. الفشل العام هو العنوان الوحيد للعام المنصرم، يعبّر عن الفشل هذا، استمرار العجز عن علاج الأزمات المتراكمة، في السياسة كما في الاقتصاد، منذ اغتيال رفيق الحريري ودخول لبنان نفق أزمة كيانية هي الأعقد والأصعب منذ نهاية الحرب الأهلية.
بيد أن الكلام الانتخابي النافي الإحباطَ السنّي لا يحمل همّ شرح بواعث الأمل أو التفاؤل أو الآفاق المفتوحة والمضيئة، للبنانيين وللسنّة من بينهم خصوصاً. خلال العام الأول من رئاسة عون وحكومة الحريري، لم يتحسن مؤشر واحد في أي من مجالات الحياة العامة. الأرقام التي تنشرها المؤسسات الدولية في تقاريرها، تجمع على تدهور وضع لبنان عما كان عليه في أعوام قريبة ماضية. ولا يحتاج المرء الى بحث اجتماعي معمق ليلمس، من العدد الفلكي لمتعاطي المخدرات بين المراهقين والشبان وتصاعد الفقر وانحسار فرص العمل في الداخل وانسداد أبواب الهجرة الى الخارج، أن شيئاً ما يخيم على أجواء لبنان. وإن لم يكن هذا إحباطاً فهو شقيقه التوأم، الأعنف والأخبث.
«المسؤولية» عن نفي الإحباط السنّي لا دلالة لها، إلا نفي المسؤولية عما أوصل الى الوضع الحالي السائر نحو المزيد من تفكك الدولة والمجتمع وتمتين ظواهر الإقطاعات الأمنية والمربعات المغلقة والانعزال الطائفي المعمم، وسط مناخ من الكراهية والاحتقار المتبادل بين السكان. النأي عن تحمل مسؤولية الوضع القائم يحيل الى تصور يرغب سياسيو الزمن الرديء في نشره بين اللبنانيين، وملخصه أن قوى قاهرة قدرية لا يمكن ردها هي ما جعل الوضع على ما هو عليه. مرة جديدة، تجد السياسة اللبنانية مخرجها في القدر الذي يناصب لبنان العداء فلا يدعه يتنعم بموارده وميزاته. القدر الغاشم وليس قصور السياسات ولاعقلانيتها وصُغار السياسيين وفسادهم، بغضّ النظر عن المعسكر الممانع أو المعتدل الذي ينتمون اليه.
نقاش الموازنة في الأيام الثلاثة الماضية، كان استعراضاً لرثاثة الدولة اللبنانية ولضحالة ممثلي الأمة. وبدا لكل من أراد أن يرى كم هي مملّة ومفلسة واعتباطية مجموعة الأشخاص الذين يرفضون أن يطبقوا القوانين التي أتت بهم الى مناصبهم ويمتنعون عن الاحتكام الى الإرادة الشعبية، على رغم يقينهم من فوزهم بثقة ناخبين مضللين أو مذعورين من العدو في الطائفة الأخرى.
يتساقط لبنان أمام أبنائه «غير المحبطين» من شتى الشرائح والطبقات والطوائف، من دون أن يكون في اليد غير النواح والسخرية وإحصاء الخسائر اليومية على شكل ضرائب ورسوم تنفق على إدامة نظام فقد حتى كفاءة الخداع والكذب. |