اعتبر عدد من المحللين السياسيين الصدامات بين دعاة تفوق العرق الأبيض و «كو كلوكس كلان» والنازيين وجماعات عنصرية أخرى، وبين الليبراليين في مدينة شارلوتسفيل في ولاية فيرجينيا تعبيراً عن انقسامات خطيرة ومتصاعدة داخل المجتمع الأميركي، خطورتها في كونها انقسامات على أسس عرقية صريحة.
لم تكن صدامات شارلوتسفيل الأولى التي تقع على خلفية عرقية، فقد سبقتها صدامات عنيفة بين مواطنين من أصول أفريقية ورجال الشرطة في لوس أنجليس في إدارة بوش الأب عام 1992 على خلفية تبرئة هيئة المحلفين أربعة ضباط شرطة بيض صُوروا وهم يضربون أميركياً من أصول أفريقية يدعى رودني كنغ حتى الموت، ما اضطر بوش الأب إلى إنزال قوات من الجيش لمواجهة الشغب وانفلات الأمن وضبط الموقف. تكررت الصدامات في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما عام 2012 عقب تبرئة محكمة أميركية جورج زيمارمان من تهمة قتل الشاب الأسود ترايفون مارتين (17 عاماً) في فلوريدا، وفي آذار (مارس) من العام ذاته بعد مقتل الطالب الجامعي الأسود كينديك ماكداد (19 عاماً) على أيدي شرطة من البيض، وعام 2014 بعد مقتل مايكل براون (18 عاماً) على يد ضابط الشرطة دارين ويلسون من إدارة شرطة فيرغسون بمقاطعة سانت لويس بولاية ميزوري وتبرئة المحكمة الضابط، وبعد قتل الشرطي جايسون فان ديكي الشاب الأسود لاكوان ماكدونالد (17 عاماً) في شيكاغو في العام ذاته بـ16 رصاصة، وقتل الشاب الأسود أنطونيو مارتين (18 عاماً) على يد شرطي أبيض في مدينة بيركلي الواقعة في ولاية ميزوري، وقتل الشرطة ثلاثة مواطنين سود عزل في ولايات ويسكنسون وميسوري ونيويورك عام 2015، قتل رجل أسود اسمه ألتون سترلينغ (37 عاماً) في موقف السيارات، بعدما أطلق ضابط النار عليه خمس مرات من مسافة قصيرة في لويزيانا عام 2016. لكن الصدامات في إدارتي بوش الأب وأوباما، لم تكن، كما صدامات شارلوتسفيل، تحركاً جماعياً على خلفية عنصرية.
ارتبط تحرك القوميين البيض الأخير بفوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية محمولاً على تأييد القوميين البيض له والتفافهم حوله، وهذا شجعهم على إطلاق العنان لتطلعاتهم ومراهنتهم على إدارته في إعادة أميركا إلى مؤسسيها البيض (الواسب: الانكلوسكسون البيض البروتستانت)، الذين يرون في أنفسهم مالكي الولايات المتحدة الأصليين.
كانت إشارات كثيرة على تململ عرقي قد برزت للعلن في العقود الأخيرة بتشكيل منظمات سرية يمينية تعتمد العنف وتمارسه للتعبير عن مواقفها من النظام والقيم السائدة، وخاصة قيمة التسامح الاجتماعي، ومطالبتها بتغييره وفق تصوراتها، وهو ما يصح في «التحالف المسيحي» و «الأمم الآرية» و «الوطنيون المسيحيون» و «الهوية المسيحية» و «رابطة البندقية الوطنية» التي تتغنى بالمسيحي الأبيض بوصفه المسيحي المجيد الوحيد، ولا تكتفي بالتبشير العقائدي، بل تلجأ إلى تشكيل ميليشيات دينية وسياسية، إذ فاق عدد المسلّحين المدرّبين الذين يشكّلون الذراع العسكرية الضاربة لهذه الميليشيات الآلاف وعدد أعضائها أكثر من خمسة ملايين منتسب. وهناك «جبهة العاصفة»، التي أطلقها دون بلاك، القيادي السابق في منظمة «كو كلوكس كلان» العنصرية، ثمّ القيادي في «حزب البيض القومي» الذي كان اسمه حتى 1967 «الحزب النازي الأميركي»، وينادي بتفوّق البيض عرقياً وثقافياً، وأوضح تعبيراته العقائدية المسماة «الحقائق العشرة الخالدة للقومية البيضاء» التي شرحها كرت ديتريش على موقع المنظمة على الانترنت بقوله: «إنّ القومي الأبيض يضع العرق فوق كلّ اعتبار، ويقدّم كلّ وأي تضحية ضرورية لإعلاء شأن القومية البيضاء، وأنه يفخر بتاريخ شعبه وثقافاته وقِيَمه وأخلاقياته وإنجازاته، ويعيش وفق الأعراف التي استنها أسلافنا. كذلك فإنه يقوّي جسده عبر الحياة الصحية، ويشحذ ذهنه عبر اقتفاء المعرفة، ويحصّن روحه بالتصميم الثابت، ساعياً إلى أن يصبح تجسيداً للقومية البيضاء، ووسيلة لتحقيق انتصارها، ويسبغ مغزى خاصاً على مفهوم الشرف، ولا يستسلم، أو يتراجع، ويفضّل المنيّة على قبول الهزيمة». وقد استخدمت المنظمات العنصرية العنف للتعبير عن موقفها والمطالبة بما تعتبره حقها (تفجير أوكلاهوما عام 1995 الذي نفذه تيموثي ماكفي وذهب ضحيته 168 قتيلاً و680 جريحاً، وتفجير أتلانتا الذي استهدف دورة الألعاب الأولمبية عام 1996 ونفذه إيريك روبرت رودولف وذهب ضحيته قتيلة واحدة ونحو من مئة جريح).
لم يجزم المعلقون على صدامات شارلوتسفيل بعنصرية دونالد ترامب، على رغم مساواته بين المعتدي والمعتدى عليه، وإشاراته السابقة المشوبة بالعنصرية مثل دعوته إلى «جعل أميركا عظيمة مجدداً»، أي العودة إلى أميركا التي لا «تشكو» من التعددية الثقافية والمساءلة التاريخية، بل تفاخر وتزهو بما هي عليه، بتعبير الزميل حسن منيمنة، وتعليقاته ضد المسلمين والأميركيين اللاتينيين، لكنهم حذروا من أن يسمح عهده بتحرك دعاة القومية البيضاء العلني وتحولهم من قوة هامشية إلى قوة مركزية، ما سيجلب الدمار للولايات المتحدة والعالم.
|