كما انطلقت موجة من التفاؤل بقرب انتهاء الأنظمة الاستبدادية
إثر التحرّكات الواسعة في العالم العربي في ثورات الحرية والخلاص من الاستبداد، بدءاً بتونس ومصر
وانتقالاً إلى ليبيا واليمن وسوريا وباقي البلدان العربية بدرجات متفاوتة، منذ أواخر العام 2010، كذلك
تسود الآن موجة من التشاؤم الشديد على اثر التطوّرات التي حدثت في هذه البلدان إذا ما استثنينا تجربة
تونس فقط.
بناءًا عليه، سأحاول في هذه الورقة استعراض ما جرى في هذه البلدان
بشكل موجز، مع التركيز على ما تمّ انجازه من جهة، وأهم العقبات والعراقيل والتحديات التي واجهتها وما
زالت تواجهها عملية الانتقال الديموقراطي، وصولاً لتفسير هذه التطورات وخصوصاً اثارها السلبية على عملية
الانتقال الديموقراطي.
لكن في البدء لا بدّ من إعادة التأكيد على أن ما جرى لم
يكن إلا بداية لعملية تحرّر أو طلب للحرية من الاستبداد ولا يعني ذلك بكل الأحوال الانتقال الميكانيكي
أو التلقائي للبناء الديموقراطي. ومما يعني كذلك أن بعض هذه البلدان قد ينجح وبعضها قد يفشل أو يتأخر،
إلا أن التحول النوعي الذي حدث في ثورات الخلاص من الاستبداد لا عودة عنه مهما طالت فترات الانتقال أو
تعثرت أو حتى تراجعت وانتصرت مؤقتاً قوى الثورة المضادة. ولا أقول ذلك من باب تفاؤل الإرادة، أو منطق
الحتمية وإنما من منطلق أن مقدمات وأسباب اندلاع الثورات ما زالت قائمة، لا بل انها تتفاقم وتزداد مع
الوقت. ومن جهة أخرى، إذا كانت هذه الأنظمة الاستبدادية فشلت في اقناع الجيل الذي ثار عليها، فإنها أقل
قدرة وإمكانية على ترويض الجيل الذي لحق بهذا الجيل أو سيلحق به وسيكون لديه النزعة والرغبة في التغيير
بشكل أوسع وأشمل( ).
ومع ذلك لا بد من تسجيل ان هذه الانتفاضات أدت الى
الأطاحة بأربع روؤساء جمهورية في تونس ومصر وليبيا واليمن. والى تعديلات دستورية مهمة في هذه البلدان
بالأضافة الى المغرب والأردن. وسأستعرض ما آلت إليه أوضاع خمسة بلدان عربية هي تونس كحالة نجاح
نسبي و اربعة حالات فشل في سوريا وليبيا واليمن والى حدّ أقل في مصر، وسأعرض لما اصابها من تدهور
وتراجع في المسار الديموقراطي، لأسباب منها ما هو مشترك ومنها ما هو متباين. لذلك لا بدّ من استعراض
سريع وموجز للتطورات داخل هذه البلدان في الخمس سنوات الماضية ولنبدأ أولاً بالحالة الأفضل وهي حالة
تونس.
|