التاريخ: كانون الأول ٢٣, ٢٠١٠
 
بداية مضطربة للعقد الثاني من القرن الحادي والعشرين

الخميس, 23 ديسيمبر 2010
بول سالم *


شهد العقد الأخير من القرن العشرين نهاية الحرب الباردة ونمواً اقتصادياً قوياً، وفي الشرق الأوسط آمالاً بالسلام والإصلاح الاقتصادي وتحقيق الديموقراطية. بيد أن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بُدِّد على وقع التوترات الدولية المتفاقمة، والأزمة الاقتصادية العالمية، وفي الشرق الأوسط الحروب الكثيرة، والتوترات المذهبية، والشلل السياسي. فهل يكون أيضاً العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين عقداً من الأزمات والفرص الضائعة، أم سيوفّر أساساً لأمل بتحولات حقيقية في هذا الجزء من العالم؟


يدخل العالم العقد الثاني من هذا القرن وسط خضم عاتٍ من الاضطرابات. فالمعافاة الاقتصادية العالمية من أزمة 2008 لا تزال بطيئة، ووتائر البطالة والفقر تواصل الارتفاع في أنحاء العالم، على رغم أن النمو في آسيا سيكون أكبر بكثير منه في الغرب. وفي الشؤون الدولية، ستدخل الأمم المتحدة عقدها السابع وهي لا تزال عاجزة عن توفير الاستقرار الدولي، هذا علاوة على القطيعة المتنامية بين تركيبة مجلس الأمن وبين التوزيع الحقيقي للنفوذ السياسي والاقتصادي في عالم اليوم. وفي الوقت نفسه، تعرّضت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، التي وعدت بإعادة بناء الاستقرار العالمي بعد الرئاسة الخطرة لجورج بوش، إلى وهنٍ شديد بسبب خسارتها الانتخابات النصفية للكونغرس. أما صعود الصين فيُحتمل أن يكون تطوراً إيجابياً ، لكن إذا لم تعامل عملية الصعود بحكمة من قبل الدول العظمى، فقد تُطلق توترات خطيرة في آسيا تتعلق بتايوان واليابان والكوريتين والهند ودول أخرى. وفي هذه الأثناء، سيصل عدد سكان العالم إلى 7 بلايين نسمة، وستتواصل مشاكل الفقر المدقع، وسيزداد زخم الاحترار العالمي مُسبّباً دورات من الجفاف والفيضانات، ومُسفراً عن أعداد متضخمة من اللاجئين البيئيين.


في الجانب الإيجابي من هذا المشهد، تبرز تجربة مجموعة العشرين كشكل جديد من التعاون الدولي، كما يبرز تحسّن العلاقات بين الدول الكبرى خلال السنتين المقبلتين. لا بل حتى المحادثات حول الاحترار العالمي أحرزت بعض التقدم خلال المداولات الدولية الأخيرة.


أمّا في الشرق الأوسط، فتبدو الآفاق مقلقة للغاية. صحيح أن معظم الاقتصادات الإقليمية صمدت في وجه الأزمة الاقتصادية العالمية، وأن المؤسسات المالية الدولية تتوقع نمواً، ولو متواضعاً، في معظم اقتصادات الشرق الأوسط وأفريقيا الشمالية (وكل هذا حصيلة الإصلاحات الجزئية التي استحقت منذ أمد طويل والتي أدت إلى تراكم الرساميل والخبرة الاقتصادية في أيدي بعض العرب)، إلا أن الصحيح أيضاً أن الفجوة بين الاقتصادات النفطية وغير النفطية تواصل التوسّع، كما أن الفجوة بين الفقراء والأغنياء في البلد الواحد تتعمّق. ثم إن البطالة، بخاصة بين الشبان والشابات، ستتابع صعودها الخطر، في حين ان من الصعب التكهّن بالكيفية التي ستوفّر بها المنطقة 50 مليون فرصة عمل لاستيعاب القادمين الجدد إلى سوق العمل في المرحلة المقبلة.


في مجال السياسات الإقليمية، ثمة ثلاث مجابهات ستبقى معنا: إذ يبدو أن حل الصراع العربي - الإسرائيلي لا يزال بعيد المنال، وقد تُشعل التوترات النزاعات مجدداً في الضفة الغربية وغزة، أو قد تجر إليها لبنان وقوى إقليمية أخرى. ثم إن التوترات بين إيران ودول أخرى في المنطقة والعالم على خلفية برنامجها النووي وسياساتها عموماً، ستتواصل. لا بل ساهمت هذه التوترات بالفعل في إشعال صراعات سياسية ومذهبية خطيرة، وقد تقود إلى تطورات تزيد من حدة اللااستقرار في المنطقة.


علاوة على ذلك، سيؤدي استمرار التواجد العسكري الأميركي في العراق وأفغانستان، والعمليات العسكرية السرّية وبواسطة الطائرات من دون طيار، إلى إبقاء لهيب الصراع مشتعلاً بين الإسلام المتطرّف والغرب، من باكستان إلى صحارى أفريقيا الشمالية مروراً باليمن والعراق وغيرهما من الدول.


على الصعيد السياسي، ستتناقض صورة الاستقرار التي تعطيها الأنظمة السياسية السلطوية مع حالة التوترات الاجتماعية والسياسية التي هي حصيلة الكبت السياسي والاجتماعي، واللامساواة، وديمومة الفقر والبطالة. ثم إن كبار الآمال التي عُلّقت على التحولات الديموقراطية في العالم العربي، والتي انبثقت في حقبة التسعينات ومجدداً في 2005 - 2006، وُضعت على الرف مجدداً، خصوصاً بعد الانتخابات «المُعلّبة» في مصر والأردن. وثمة الآن قلق حيال الخلافة في بعض الأنظمة العربية الرئيسة، هذا في حين أن الكثير من الجمهوريات العربية تحذو حذو سورية في إبقاء الخلافة ضمن نطاق العائلة. والحالة الأكثر بروزاً هنا هي مصر التي كانت قدوةً للتغيير والتقدم في العالم العربي. وفي البلدان التي ليس فيها أنظمة سلطوية قوية (كالعراق ولبنان وفلسطين)، أدت الانقسامات السياسية والصراعات الداخلية إلى إضاعة فرصة الإفادة من احتمالات التحول إلى الديموقراطية وتوسيع المشاركة السياسية.


نأتي الآن إلى مسائل البيئة وتغيّر المناخ لنلاحظ أن قادتنا يتجاهلون إلى حد كبير هذه القضايا، هذا على رغم أن عاصمة اليمن بدأت تفتقد بالفعل المياه، وكذا الأمر بالنسبة إلى أجزاء من سورية ومناطق أخرى في البلدان العربية. وفي هذه الأثناء يواصل الاحترار العالمي فرض مضاعفات خطيرة على منطقة تعاني أصلاً من الجفاف والتصحّر. والمثير هنا أن تأثيرات ارتفاع منسوب مستوى البحر في المناطق المنخفضة، على غرار دلتا النيل المصرية، لا يزال يُطل عليه كثيرون في المنطقة وكأنه مجرد خيال، على رغم الفيضانات المدمّرة الأخيرة في بنغلادش وباكستان.


على جبهة الثقافة، فشلت المنطقة في تجديد نفسها. فالأفكار الخلاّقة للنهضة العربية في أواخر القرن التاسع عشر، والمفاهيم السياسية التغييرية للحركات السياسية والثقافية في أواسط القرن العشرين، تركت الساحة للأصولية الدينية، والنزعة الاستهلاكية الفارغة واللامبالاة. وفي حين أن العرب قادوا العالم في مجال المعرفة قبل ألف عام، إلا أن اليوم لا توجد أي جامعة عربية قد تصنّف فعلاً من بين الجامعات الألف الأولى في العالم.


لقد بدأ العقد الأول من هذا القرن ببعض التمعّن الجدي، على الأقل حول التحديات التي تواجه العالم العربي وكيفية التصدي لها. بعض هذه الرؤى المتعمقة بدا واضحاً في تقرير التنمية البشرية العربية لعام 2002 الذي شدّد على العجز في مجالات الحرية وتمكين المرأة والمعلومات. لكن في بداية العقد الثاني، لا يرى المرء سوى نذر يسير من هذا النوع من التفكّر. ربما حرّفت انتباهنا الحروب والمجابهات في السنوات الماضية، وربما أيضاً شتّتت تركيزنا الأزمات الأمنية والسياسية والاجتماعية - الاقتصادية المتعاقبة.


إلا ان ليس في وسعنا أن نخوض عباب العقد الجديد في شكل أعمى. فالمشاكل السياسية والاقتصادية الاجتماعية والثقافية لن تذوي من تلقاء نفسها. وبالمثل، فالقفز من أزمة إلى أخرى لن يبني استراتيجية فاعلة على المدى الطويل. إن التاريخ لا ينتظر أحداً، وما لم نُطل إطلالة مُعمّقة على الخلل الكامن في مجتمعاتنا ومؤسساتنا، فإن العالم العربي سيواصل التأخر عن ركب بقية العالم في مجالات النمو السياسي والاقتصادي والثقافي وفي مستوى ونوعية حياة شعوبه.

* مدير مركز كارنيغي للشرق الأوسط - بيروت