يمكن القول إن زيارة رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري هي الأنجح له للعاصمة الأميركية منذ ٢٠٠٦ ولقائه يومها جورج دبليو بوش. الكثير تغير لبنانياً وأميركياً عن تلك الحقبة، إنما بالمعايير السياسية والاقتصادية فإن الزيارة رسخت إطاراً استراتيجياً - ولو محاصراً بتحدي «حزب الله» - للتعاون في مجالات الأمن والاستثمارات وملف النفط والغاز.
لقاء دونالد ترامب بالحريري الثلثاء الذي هاجم فيه الرئيس الأميركي، أربع مرات، «حزب الله» في المؤتمر الصحافي، كان شاملاً وعكس إلماماً واهتماماً من الفريق الرئاسي الجديد بلبنان. الاستقرار الداخلي، الحرب في سورية والأسد، الاستراتيجية الأميركية غير المكتملة حيال إيران، التحالف الحكومي في لبنان، مشاريع الاستثمار كانت على الطاولة. كما كان التصور الأميركي للمنطقة والذي برز فيه تأثر ترامب الكبير بجنرالاته في الحكم.
«ماذا بعد داعش؟» هو السؤال المكرر أميركياً من إدارة تخشى إعادة تجربة بوش بالانزلاق في وحول الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه لا تريد تكرار أخطاء أوباما بالانسحاب سريعاً وترك فراغ تملأه المجموعات المسلحة وتستفيد منه إيران. الإجابة غير واضحة بعد، عدا تأهيل المجتمعات ومنع تفشي الاقتتال المذهبي في المناطق التي كانت خاضعة للتنظيم.
لبنانياً، يمكن القول إن الحريري حقق ثلاثة أهداف في زيارته. الأول والأهم هو في ضمان استمرار المساعدات الأمنية للجيش اللبناني البالغة ٨٠ مليون دولار سنوياً، وفي حصد دعم جديد في ملف اللاجئين مع إعلان الخارجية تقديم ١٤٠ مليوناً إضافية في ملف النازحين. إذ على رغم ضغوط مجموعات عدة في واشنطن لوقف الدعم السنوي للجيش، أعطى ترامب ووزارة الدفاع ضمانات لاستمراره تنفيذاً لآلية يسير بها الجانبان منذ ٢٠٠٦.
هذا الدعم لا يعني أن ليست هناك أسئلة أميركية حول دور الجيش وأخطاء جسيمة بالتعاطي مع معتقلين سوريين قضوا تحت التعذيب، أو التلكؤ في رسم الخطوط السيادية أمام «حزب الله». لا بل هناك دعوات أميركية لتحقيق في أداء وتحسين آلية عمل الجيش، مع إدراك هامش تحركه الداخلي ومن دون المجازفة بإضعافه بقطع المساعدات. ومن المتوقع أن يصل قائد الجيش جوزيف عون في زيارة ثانية الى واشنطن خلال أقل من أسبوعين.
أما الهدف الثاني الذي حققه الحريري فهو تحييد المؤسسات اللبنانية عن عصا العقوبات المرتقبة من الكونغرس الأميركي ضد «حزب الله» والتي يتوقع التصويت عليها في أيلول (سبتمبر) المقبل. وهنا كانت لقاءات الوفد الذي ضم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في الكونغرس ومع نواب من الحزبين الديموقراطي والجمهوري أساسية في تخفيف وطأة العقوبات، وإجراء تعديلات تمت مناقشتها قبل وصول الحريري أبعدت حركة «أمل» وغيرها من حلفاء «حزب الله» عن النص الأخير. «الهدف هو حزب الله وليس لبنان» هكذا قالت مسؤولة في لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب، متوقعة أثراً قليلاً على المصارف اللبنانية، إنما ضغوطاً كبيرة على ممولين أفراد ومؤسسات للحزب ولبنيته السياسية والعسكرية والإعلامية والإعمارية.
الهدف الثالث هو ترسيخ تعاون اقتصادي مع الحكومة اللبنانية والبحث جدياً في ملف النفط والغاز في الزيارة. هنا قد تتجه الإدارة الأميركية لتعيين مبعوث خاص، مثل المسؤول السابق عن الطاقة في الخارجية الأميركية آموس هولشتاين للمساعدة في تسوية الحدود البحرية مع إسرائيل وبدء عملية المناقصات والعقود.
وكما الأردن وتركيا، جاء الوفد اللبناني جاهزاً بخطط اقتصادية هذه المرة للمساعدة في التعاطي مع الجوانب التنموية والاجتماعية لمسألة اللاجئين، لأن البديل كارثي. وهناك حديث بدأ عن مشاريع إعادة الإعمار في سورية بعد إبرام تسوية سياسية قد لا تكون وشيكة، إنما لتهيئة لبنان كمركز لهكذا مشاريع أميركية أو صينية بدأ الحديث عنه.
«حزب الله» يبقى الحاضر الأكبر في الزيارة وفي أسئلة الكونغرس والحكومة الأميركية. إنما تحييده كـ «قضية إقليمية» أعطى الحريري فسحة ولو موقتة لبحث ملفات أكثر آنية تساعد قدر الإمكان في تحييد لبنان الى حين انبلاج الصورة الإقليمية. |