التاريخ: تموز ٢١, ٢٠١٧
المصدر: جريدة الحياة
التغيير في ظل الاستقرار - رشيد بوطيب
من أوهام العقل السياسي العربي تلك المنافحة عن «تغيير في ظل الاستقرار». وإذا اكتفينا بتفكيك هذه الثنائية: «تغيير- استقرار»، سنقف على ضحالة هذا العقل الذي لم يعد يعقل شيئاً. وجب أولاً التأكيد أنه تم رفع هذا الشعار ضد خيار الثورة، وضد خيار تجاوز الوضع القائم، من طريق تغيير النظام، وربما تغيير الثقافة السياسية بأكملها.

ولقد منح فشل «الثورات العربية» هذا الشعار شرعية شبه علمية، بل رفعه إلى مستوى «أفضل العوالم - الحلول - الممكنة» بالنسبة إلى المجتمعات العربية، حتى أن بعض أنصار الثورة بالأمس صاروا ينافحون عنه ويعتبرونه طريق تجنيب المجتمعات العربية ويلات الحرب.

ثانياً: إن «التغيير في ظل الاستقرار» أوكسيمرون سياسي يذكّر بلغة الخشب التي حكمت كل الأيديولوجيات التوتاليتارية، والتي تشتغل وفقاً لمنطق الأبيض والأسود، إذ ما يريد قوله هذا الشعار هو أنه لا تغيير ممكناً أو لا تغيير إيجابياً إلا في ظل الاستقرار، وفي ظل مباركة الوضع القائم والاستمرار في تقبيل الأيدي، في حين أن صيرورات التغيير في مختلف المجالات، العلمية، التاريخية والمجتمعية والفردية، لا تتحقق إلا ضد الاستقرار وضد الحقيقة أو السلطة أو الوضع القائم.

ثالثاً: يزيف هذا الشعار الواقع. لأن استقراراً يستدعي التغيير، هو لا غرو استقرار كاذب، كما أن الحديث عن تغيير في ظل مثل هذا الاستقرار هو تحايل أجوف، وذلك من تلك الأكاذيب التي تصنع السياسة، كما أوضح ذلك ألكسندر كوريي في حديثه عن كذب التوتاليتاريات.

وجب أيضاً أن نتساءل في هذا السياق: لماذا تأخذ هذه الوعود البلاغية الجوفاء كل هذه الشعبية وكل هذه «الحقيقة» في السياق العربي؟ أحد الأجوبة الممكنة يكمن في غياب ثقافة نقدية واندحار دور المثقف، بل ضمور عقل المثقف العربي، الذي أضحى أكثر اهتماماً بالتجارة منه بالثقافة، بل هو يمارس التجارة وهو يمارس «الثقافة». أحد الأجوبة الممكنة أيضاً، اندحار الأحزاب الجماهيرية وارتهانها لمنطق الدولة الإنفصالي، فأضحى دورها تبريريا لا تنويريا، وتكلست الأحزاب الراديكالية في مبادئها السياسية التي تعود إلى القرن 19 وصعود الإسلام السياسي، عنوان هذا الخروج المدوي من التاريخ.

قد نستمر إلى ما لا نهاية في تفكيك ثنائية «التغيير- الاستقرار»، وقد نقرأ من خلالها تاريخ السياسة في «دار الإسلام» عموماً، وتاريخ «اللغة الإسلامية»، ومفاهيمها المركزية مثل «السلطان»، و «الفتنة»، و «الردة» و «التكفير» إلخ... وقد نتساءل في لغة إنغيبورغ باخمان: لا يتوقف التاريخ عن تقديم دروس، لكن هل من مجيب؟

* كاتب مغربي