"بردت قهوتنا" اليمنية. أو برد الاهتمام بالقضية اليمنية،
نتيجة تصاعد حرارة الصيف الخليجي، والاهتمام العالمي بتداعيات الغضبة الرباعية على قطر.
وأي اهتمام بمن يُجنى عليهم من ملايينِ البشر، وجُلُ الاهتمام ببلايينٍ
تُجنى من آلام البشر؟!
لعله نصيب اليمن الأزلي أن تضيع قضاياه مهما بلغت من
درجات الأهمية وسط زحام القضايا الأكبر، كما يضيع دم الأبرياء، ومعه تتوه الحكمتان اليمانية و.. العربية
أيضاً.
برغم ذلك، وجرياً على "الكرم اليمني الأصيل" منذ اكتظت ميادين الربيع
العربي 2011م، ثم تقلبات الصيف المصري حزيران 2013م، لم ينأ اليمنيون بأنفسهم عن استمرار خوض "الجدل
والقطيعة" بالوكالة من أجل الرباعية وقطر. وكلا الغاضبين والمغضوب عليهم قوام للتحالف العربي المُغير
على اليمن.. لمصلحة الشرعية المقيمة خارج اليمن منذ أذار 2015م!
بطبيعة الحال
ليس يجدي جدل اليمنيين حول الصيف الخليجي الساخن، ولا يوحي بإقليمية إيجابية قياساً بعدم الوطنية
الإيجابية إزاء المشهود من قتلى ومصابين يمنيين نتيجة هجمات جوية وبرية وغارات طيارات بدون طيار على وطن
بدون قيادة وطنية.
مقدمات الحوادث اليمنية ونتائجها منذ 2015م حتى 2017م تعكس
خلاف وتباين دول التحالف نفسها، وتُبقي اليمن ساحة اختلاف الآخرين بتطوع اليمنيين أنفسهم وقوداً للجدل
والصراع والفناء، عوضاً عن تنصيب أنفسهم أركان حوار وسلام وبقاء وبناء ليمنهم المنكوب بأبنائه وأدوائه
المتفشية ومجاعته الآتية والمخاطر المتفاقمة.
بديهي أن اكتساب "الأجرة" من
تأجيج النزاع الداخلي والخارجي يُضيع فرصة كسب "أجر" إحلال السلام والدعوة إلى إيقاف "الحرب في (يمن)
الكوليرا"؛ كما يوطد القناعة بتشاطر الإدارتين، اليمنيتين المنشطرتين، الإهمال لمصير الأبرياء وتضررهم
في أجورهم الشهرية المنقطعة منذ شهور لولا اعتماد الإدارتين صرف نزر منها كـ"مُسكناتٍ مُسكتات" بمقتضى
شهر رمضان وحلول عيده المبارك.
لا عجب من انشطار اليمنيين بين المعسكرات
المختلفة على ضفاف الخليج الملتهب واتساقه مع الانشطار الإداري والسياسي الجاري تكريسه داخل اليمن
الموحد (والمهدد بوحدته!)، بعدم تنازل الطرفين المتحاربين المدعومين - بمستويات متفاوتة من الدعم
الخارجي - للقبول بالآخر وتصلبهما بشروط لا يستسيغها الآخر، واعتماد كل طرف لشرطه ومرجعياته نصاً مقدساً
لا يُمس (من غيرهم!)، وأنه بمركز قوة لا يستهان، وثابت لا يتزحزح. متناسين أن الحوار المُنْتَظر، ولو
بعد حين قريباً كان أم بعيداً، بين الأطراف المعنية باليمن قد ينتهي إلى زحزحة الثابت ومس المقدس وإضعاف
مركز القوة الموهوم.
حل المشكل اليمني يتطلب استباق تنازل المختلفين "الآخرين"
عن المختلفين "اليمنيين"، بمسارعة اليمنيين المختلفين وغير المختلفين إلى إبداء قدرٍ من التواضع الوطني
والاهتمام بالشأن اليمني عبر خروج موقت عن أطول طابور يمني يشهده العالم، وهو طابور التخلي عن حس
المسؤولية الوطنية تجاه وطن ومواطنين لا ناقة لهم ولا جمل في خلاف وفساد ساسة البلد والإقليم والعالم،
والمتغيرات السياسية والمناخية التي تشعل المنطقة.
ويتجسد التنازل بتشجيع
الذهاب ومن ثم الذهاب إلى الحوار والعودة إلى مفاوضات سلام جادة ولو بعيداً عن مظلة الأمم المتحدة،
طالما - كما هو ملاحظ - تتحفظ كل الأطراف اليمنية على مستوى حياد بعض المنظمات والمبعوثين الأمميين، هذا
إن كان المعنيون اليمنيون قادرين على المبادرة بإجراء هكذا حوار، ويريدون السلام لليمن فعلاً بوحي
إدراكهم أن اليمن غير محتاج إلى فرق عسكرية مسلحة تتباهى بقدرتها على القتال، بل يتطلع إلى فرق سلام
وطني تتفاهم على إنهاء القتال بما يفضي إلى الحوار والسلام الحتمي وتبريد الأجواء مع بعض دول التحالف
المنشغلة وكل العالم بخلافاتها وصيفها الحار.. جداً. |